الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لتعزيزثقافة الخطأ

ياسر اسكيف

2005 / 3 / 13
اخر الاخبار, المقالات والبيانات


ليست لدي إحصائيات دقيقة , ولا أظنّها لدى أحد , عن عدد مستخدمي الكومبيوتر في الدول الناطقة بالعربية .
وحتى في حال توفر مثل هذه الإحصائية , فإنها لا تقدّم ما يمكن اعتباره مدى للإستهلاك الثقافي الكترونياً . وخاصّة أن مستهلك الثقافة الإلكترونيّة ما زال حتى الآن جزءاً ضئيلاً من مستهلكي الثقافة المطبوعة , وهو على الأغلب من منتجيها أيضاً .
ما يمكن قوله , إن معالماً للانتخاب قد بدأت بالتشكّل , وإن نخباً يمكن دعوتها
( النخب الإلكترونية ) قد بدأت بالتمركز حول بعض المواقع . ويتميز أغلب أفرادها
بخاصيّة الخفّة , ليس بمعناها المرذول , إنما بما تحتمله من عرض للهشاشة بجوار القوّة فيما يتبدى من الكائن , دون أدنى حاجة لمسوح الحكمة التي لا يدخلها خيط خطأ مهما بلغت ضآلته . وهذا لا يعني أن ما يمكن تسميته أي كلام هو جزء من تلك الخفّة , وهنا تتجلى بمعناها المرذول تماماً .
ما أريد قوله في التداول الثقافي لهذه النخب أنّ الإمكانية باتت متاحة للتخلص من الممارسة الوصائية التي كرّستها الثقافة المكتوبة أو المطبوعة , وقبلها الثقافة الشفوية , وذلك لأسباب تتعلق بالإمكانيّة التقنية . فالمنابر الثقافية المطبوعة هي مؤسسات , بكل ما يتّصل بهذه الكلمة من مباءات تستدعيها الملكية , وتحديداً في منطقتنا . وإمكانيّة التخلّص من الوصاية لا يعني أبداً غياب الثقافة الوصائية عن المنابر الالكترونية , بل يعني إمكانية حوار هذه الثقافة بسهولة ويسر , ووصول الرأي المضاد إلى مروّجيها ومعتنقيها رغماً عن أنوفهم .
لا أقصد سجالاً بالتأكيد , حينما أقول حواراً . كما لا أدعو إلى رافضيّة جديدة فيما يخصّ الرأي المضاد . ما أعنيه وأقصده هو تعزيز معنى القياس عبر ممارسته . أي
ترويج وتعزيز وتبادل ما يمكن تسميته ( ثقافة الخطأ ) .
إن ( الصواب ) شكّل على الدوام التباساً حقيقياً في المعنى , وأكّد القدر اللاقدري في الممارسة . وعلى الدوام أيضاً , استمدّت ( ثقافة الصواب ) آلياتها وموضوعها من المجرّب , المكرّس , الراسخ . وبهذا انتفت المبادرة والمغامرة والتوق .
والمثقف الصوابي لا يحتمل الخطأ أبداً ولا يترك له هامشاً مهما بلغ من الضيق . إنّه لا يسمح به ولا يتسامح معه . غير أن الذي لن يدركه هذا المثقّف , هو أن صوابه ليس نتيجة . بل هو صواب مبني على صواب مبني على صواب .... وسيبقى كذلك ما دام لم يمتحن بالقياس إلى الخطأ . الخطأ كممارسة , وليس كمفهوم مبني على التضاد مع مفهوم الصواب الإيماني . والحقيقة التي يعجز هذا المثقّف عن إدراكها , وسيبقى كذلك , هي أن مصفوفة الصواب التي يتداولها ويتغنى بها قد بدأت كأخطاء ,حاربها أسلافه وحاولوا قتلها .
وأما ثقافة ( الخطأ ) ومثقّف ( الخطأ ) فهما من مورد آخر تماماً . انهما قادمان من غير الموطوء , غير المجتر والمجرّب .
والمثقّف الخطّاء هو الفاعل النقدي , الذي لا يحاكم نصّاً , أو موضوعاً , أو فكرة , أو حتى سلوكاً بأدوات سياقه , بل بما يمليه على سياقه من حاجة إلى آليات أخرى .
وبالتالي فهذا الفاعل النقدي سيتقدّم على الدوام كحالة ارتباك , أو حالة شكّ , معلناً في كلّ مناسبة أنّه معمل أخطائه ومسوّقها الحصري . فالذي يخشى أخطاءه ويتنصل منها لن يضيف إلا ما حفل به السياق .

إن ممارسة الخطأ كجزء بنيوي من حياة الكائن هو الأمل الوحيد المتبقي لدينا لفتح ثغرة في هذا الجدار الغاشم الذي يفصلنا عن الكون في العالم .
والخطأ الذي أعنيه ليس نقيض الصواب المتداول , إنما هو فعالية وممارسة تنتج نقيضها بالتساوق , ليس قبل أو بعد .

أخيراً . هو ارتباك بلبوس دعوة , لا ينشد الاستقرار بقدر ما يعنيه تعزيز ارتباكه الذي لن يحقّقه بغير الحوار .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. القمة العربية تدعو لنشر قوات دولية في -الأراضي الفلسطينية ال


.. محكمة العدل الدولية تستمع لدفوع من جنوب إفريقيا ضد إسرائيل




.. مراسل الجزيرة: غارات إسرائيلية مستمرة تستهدف مناطق عدة في قط


.. ما رؤية الولايات المتحدة الأمريكية لوقف إطلاق النار في قطاع




.. الجيش الاسرائيلي يعلن عن مقتل ضابط برتبة رائد احتياط في غلاف