الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أيها الفلسطينيون.. ليست الرغبات والأماني فواعل سياسية

ماجد الشيخ

2012 / 11 / 29
القضية الفلسطينية



بين العام 1974 والعام 2012، يكون قد مر ما يقارب أربعة عقود من الزمن، يوم ألقى الرئيس ياسر عرفات خطابه الشهير من على منصة الأمم المتحدة، واليوم يعيد الرئيس محمود عباس ما يفترض أنه خطاب مماثل قبل الذهاب الى التصويت الذي يجري التعويل عليه، كي يكون فاتحة قبول فلسطين دولة غير عضو، تمهيدا لقبولها فيما بعد دولة مفترضة على أرض تفقد أجزاء منها كل يوم، بفعل الاستيطان الذي يستشري كسرطان في جسد الأرض الفلسطينية.

بعد كل هذه السنوات الطوال، العجاف، مازالت فلسطين الفكرة والرمز والوطن التاريخي، هي ذاتها في منطوق الخطابات الفلسطينية، هكذا أرادها خطاب الرئيس الراحل ياسر عرفات، وهكذا يريدها اليوم أو يريد التأكيد عليها خطاب الرئيس أبو مازن. مع الفارق بين زمنين؛ زمن كانت البندقية لم تزل مشرعة، والمقاومة سيدة الفكرة، وزمن كسرت فيه البنادق على أيدي حامليها، ومن أرادوا لها أن تنكسر في الأصل. وها هم اليوم يحاولون انكسارا لكل شئ: الفكرة والرمز والتاريخ، وكل ما يمت إلى فلسطين التاريخية بصلة الرحم أو غير الرحم.

وإذا ما كانت فكرة فلسطين اليوم في "الخطاب الأممي" شبيهة بالفكرة أو الأفكار الواردة في التصريحات والخطابات الموجهة للعدو؛ قبل أن تكون موجهة لتعبئة القوى الذاتية، فإن لفظيات الخطاب أو التصريح، لن تعني شيئا ولن تقدم أي شئ بالمقابل لفكرة فلسطين، كما يريد ويرغب أو يشتهي شعبها وكل الأشقاء والأصدقاء في العالم، أن تكون عليه: فلسطين الحرة أكثر استقلالا من الاستقلالات الشكلية لدول عريقة أناخها الاستبداد على ركبتيها أمام التبعية لخوارج إقليمية ودولية مهيمنة، فلسطين المتحررة من قبضة القابضين على جمرة المصالح الريعية والزبائنية، التي تركت بقايا الوطن ترتع في قيد قوى انقسامية، قاسمت الوطن أو بعض الوطن، وقايضت تاريخية الوطن والأرض ببقايا جغرافيا تمزقت، وسياسة مزقت ما تبقى من قوى سياسوية؛ منها ما يتماهي بالسلطة ومنها ما يتماهى بالتدين وإسلاموية اتجاهاته وتوجهاته، بحيث بات الوطن أو الدولة التي يسعون لبنائها لا وجه وطنيا لها، ولا طابعا أو سمات فلسطينية لها. هي دولة مؤقتة على ما يدّعون أو يزعمون، دولة بلا هوية وطنية جامعة لها.

إن استعادة فلسطين إلى موقعها في التاريخ وفي الجغرافيا، تحتم استعادة لوحدة وطنية، سياسية وجغرافية مفتقدة، ورغم ذلك، ما زال شعب فلسطين يقدم المزيد من التضحيات والعطاءات على درب تجسيد الحلم الفلسطيني؛ بالمقاومة المسلحة مرة، وبالمقاومة السياسية والدبلوماسية مرة، وبالمقاومة الثقافية مرات ومرات. فعلى درب التحرر الوطني، لا تخبو الثورات وحركاتها التحررية، أو تفقد بريقها، طالما هي لم تحقق أهدافها بعد.

في مطلق الأحوال، ومهما تكن ردود الفعل الإسرائيلية أو الفلسطينية، فإنها لم ولن تغير من واقع الحال شيئا، لا السياسي ولا التفاوضي مستقبلا، ولا تلك التوجهات "السلامية" المجانية على مستوى التصريح أو التلميح، في وقت تأخذ التوجهات الاستيطانية على الأرض، واقع "القابلة" التي تسفر عن تغيير في معالم الأرض بالقوة، من دون أن يجرؤ العالم على إيقافها عند حدها أو حدودها المفترضة، بحيث ضاعت الحدود فعليا وعمليا، حتى صار الإسرائيلي الذي تلاعب بالخرائط، وما زال يتلاعب بها، وحده الذي يدرك مدى خطورة ضياع الخط الفاصل بين حدود العام 1948 وتلك التي وضعتها حرب العام 1967، وكرستها مخططات الاستيطان التي يراد لها أن تتداخل ما بين "الحدودين" بحيث تضيع معها ملامح أي حل مفترض؛ الآن أو في المستقبل، لتبقى إسرائيل هي القوة الأحادية المهيمنة على كامل الوطن التاريخي الفلسطيني، في وقت يحلم فيه البعض بإعادة واقع "التقاسم الوظيفي" الإسرائيلي – الأردني على الضفة الغربية، في محاولة لابتزاز جانب السلطة الفلسطينية، ودفعه لاتخاذ مواقف معادية للحقوق الفلسطينية الطبيعية، أو إعادة تسليم ملف الضفة الغربية إلى النظام الأردني، انطلاقا من أن احتلالها في العام 1967 تم وهي تحت السيادة الأردنية، وبالتالي يجب إيجاد حل لها مع النظام الذي كان قائما في ذلك الوقت، لا مع السلطة التي أنشئت في ما بعد وفقا لاتفاقات أوسلو.

ولئن كان بوسعنا معرفة حدود الاتفاق والاختلاف في مواقف السلطة التي يعبر عنها الرئيس الفلسطيني، وذلك البون الشاسع الذي يفصلها عن المواقف الإسرائيلية الرسمية، على الرغم من تفاوت هذا الموقف بين أطرافها الحكومية وغير الحكومية أي الحزبية والسياسية، فإن معرفتنا بحدود المواقف الفلسطينية ذاتها من طبيعة مسائل التسوية، تكاد تنحصر في ما يجري الإعلان عنه بين الحين والآخر، وبين ما هو موجه للطرف الإسرائيلي، وما هو معني بإيصال رسالة إلى الشعب الفلسطيني، بحيث تبدو الرغبات والأماني وكأنها فواعل سياسية، لا دليل على وجود إجماع في شأنها، مثل قضية حق العودة، كحق مقدس على الصعيد الفردي والجماعي، ولا يجوز التكتكة أو الزكزكة في شأنه، فالمسألة تتعدى تسجيل نقاط هنا أو هناك؛ طالما أن الحلم الفلسطيني يكاد يكون هو الحقيقة المطلقة التي لا يجب التشكيك فيها أو التلاعب بها، هذا الحلم المشروع الذي يختصر ويختزل جوهر المشروع الوطني، ليس عرضة للمساومة، ولا هو خاضع لنمط من التسويات التي نراها تتجهز، وكأنها حاصلة غدا، بينما هي أبعد ما تكون عن الواقع. لهذا من الخطأ تقزيم فلسطين وحصرها في نطاق "الأمر الواقع"، فيما الصراع ومجريات الصراع ما تزال تواصل مفاعيلها، ولم تنته بعد عند حدود الرضا والقناعة الذاتية بانتهاء الصراع.

يبقى أن الأخطر في الخطاب الفلسطيني الموجه للإسرائيليين، هو طمأنتهم إلى أنه لن يكون هناك انتفاضة ثالثة، بينما كان يمكن لاستمرار العدوان الإجرامي الإسرائيلي على غزة، أن يدفع في اتجاه تطوير رد الفعل الفلسطيني في الضفة، في اتجاه انتفاضي مماثل لما حصل في السنوات السابقة، وهذا الموقف من الانتفاضة الثالثة، يصادر وفي شكل مسبق ما قد يؤول إليه "الستاتيك التفاوضي"، بل الستاتيك المعلب في الجانب الفلسطيني الذي يحسم أمورا لم تحسم، وهي غير قابلة للحسم بمثل هذه الخفة، ويحزم ويجزم في أمور لم تكن لتكون كذلك؛ لو كان الوضع القيادي الفلسطيني على غير الحال الذي هو فيه الآن، منذ زمن المفاوضات العبثية، والمقاومة الموسمية التي كرست واقعا انقساميا في الجغرافيا؛ قد ينتج "دولة مؤقتة" في غزة. وفي السياسة لن ينتج دولة مستقلة بالطبع في أي مكان.

وفي كل الأحوال ليس بالخطابات والتصريحات وحدها يمكن الخروج من ربقة الستاتيك الراهن الذي يعيشه الوضع الوطني الفلسطيني، بل بتجسيد أعمال وممارسات ومسلكيات وحدوية ووطنية، ونبذ تلك الفئوية والفصائلية التي كرست واقعا "يشكو" منه العدو، قبل الشقيق والصديق.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. لحظة إسقاط مسيرة إسرائيلية بعد استهدافها في أجواء جنوبي لبنا


.. كيف ستتعامل أمريكا مع إسرائيل حال رفضها مقترح وقف إطلاق النا




.. الشرطة تجر داعمات فلسطين من شعرهن وملابسهن باحتجاجات في ا?مر


.. مظاهرة في العاصمة الفرنسية باريس تطالب بوقف فوري لإطلاق النا




.. مظاهرات في أكثر من 20 مدينة بريطانية تطالب بوقف الحرب الإسرا