الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


وطن وأنثى وحلم مشترك

دارين هانسن

2012 / 11 / 29
مواضيع وابحاث سياسية


كانوا يرددون على مسامعنا بأن الموت على باب الأقصى عبادة بأن الصلاة من أجل الموتى راحة لأرواحهم. بأن الرقص في الأعراس تعبيراً عن فرحتنا بالعروسين. بأن الأكل بشراهة يعني أنك تحب ما قدم لك من طعام وتعتبره شهياً. بأن ترديد الأناشيد الوطنية صرخة واعتراف واضح منك بعشقك للوطن وإخلاصك له. بأن وأن وأن....
هل نسوا أن يخبرونا بأن الموت قد فصل بمقاسات مختلفة وبطرق نتنة وقذرة. بأن الأطفال في ساحات الحروب مجرد دمى بالية يقذف بأجسادها يمنة ويسرة حسب قوة الرشاش. بأن الدين سرطان يقضى على أي دولة. وبأأن أصحاب السلطة هم من قتلوا أبي حين أضرب عن الطعام احتجاجاً على المعاملة السيئة من رئيسه في العمل.
هل تعمدوا بألا يخبرونا بأن الإنتهاكات روتين يومي، وبأن القتل مجرد تمرير للوقت من أجل الفوز بلعبة قذرة. وبأن التفجيرات التي تحصل الأن هي من أجل المحافظة على كرسي، وبأن من يذهب ضحية جلالة الكرسي ورود للتو تفتحت.
لم أعد أصدق أياً من روايات الطفولة التي قصتها لي جدتي. صرت أشكك بتاريخ ميلادي واسمي وهويتي ولوني وانتمائي، صرت أشكك بصورتي المعلقة على الجدار. لا أعرف ما إذا كنت قد ولدت فعلاً في ذاك اليوم أم أنها كذبة فرضتها طبيعة الحياة على أمي فصدقتها أنا.
في المخيمات يعيش الموت بين الجدران يختار بسهولة من دون أن يعترض أحداً طريقه أجمل طفل وأجمل إمراة لخطفها معه، وفي الوطن تحول مجرى نهر بردى إلى دماء تعطر دمشق وتمسح ابتسامتها وتبكيها دماً. وبين الوطن والغربة مأس وقصص ونشرات أخبار وأعداد شهداء ولاجئين لم يسمح لهم بالدخول إلى بلد الللجوء وليس باستطاعتهم العودة إلى الوطن فبقوا معلقين على الحدود بانتظار موت يأتي ببطء لإنشغاله بحصد أرواح الأطفال في بلدي.
القوانين الدولية والمحافل والمؤتمرات الكبرى التي تنظم على شرف بلدي صارت كليشيه وروتين للحالمين بالوصول عابرين فوق جثث الشهداء. مجلس الأمن والدول الكبرى ومصالحها والتدخلات العسكرية وغيرها كلها في حلبة صراع مع بعضها انتهى بالوقوف كالمتفرجين بانتظار ما يحصل من دون أن يبكوا حتى على دمشق. من دون أن يحركوا حجراً من مكانه وكا مؤتمراتهم تنتهي بتوصيات وإدانات وتنديدات ليس لدينا وقت لسماعها بسبب تزايد العنف في الشوارع التي شهدت أيام طيشنا وعشقنا.
العالم كله صار شبكة عنكبوتية نستمتع عبرها بقراءة الأخبار الفنية والروايات الرومانسية والمغامرات الشيقة، نبكي عبرها على صورة طفل غارق في دمائه ورأسه إلى جانب جسده، نغضب حين يرفع أحدهم شعار دولته الإسلامية معلناً قتل الأخرين بسيف جهله، وبعدها نغلق جهاز الحاسوب ونعود بعضها إلى روتين الحياة اليومية. متى يعود للإنسانية معناها.
ما يقارب السنتين وسوريا تحت الموت تحت الرصاص تحت الظلم والإعتقال والإغتصاب. صارت يوميات مواطنيها سلسلة لا تنتهي من الانفجارات أعداد لا حصر لها من الشهداء، عائلات بانتظار جثث أبنائهم وأخرى بانتظار أن تسمع خبر عن أبناؤها فيما إذا ما كانوا أحياء أم لا.
طفولة تبكي معناها. أطفال صارت ألعابهم حروب ودمار وقتل ودبابات،صارت مفرداتهم اليومية طيارة ميغ أو صاروخ أرضي جوي أو قنابل مسيلة للدموع أو مواد كيماوية.من علم أطفالنا كل تلك المفردات...
صارت ساحات لعبهم منازل مهدمة يبحثون في الركام عن بقايا دمية أو بقايا صور ورائحة أم دفنت تحت الأنقاض. صارت أحلامهم ملابس شتوية تقيهم الصقيع ورغيف خبز طازج مغمس بالزيت وكأس شاي دافئ قرب المدفأة.
من قتل الطفولة في بلدي. من أحضر الموت إلى هناك من قرر اقتحام أحلامنا ومدارس أطفالنا وشوارع عشاقنا...
حولوا دمشق إلى مخزن من الأسى من الألم القاتل، إلى موت ودمار وساد ودخان ورصاص وصراخ.. صارت شوارعها ممرات للدبابات الحربية وسماؤها ساحة طيران حربي. صارت جوامعها وكنائسها مشاف ميدانية وماذنها مكبرات صوتية للإعلان عن أسماء الشهداء الذين يتم التعرف عليهم. وصارت دول الجوار حلم اللاجئ السوري..
عار على الأنسانية حزن دمشق وموتها. عار على التاريخ دموع أطفالها وجوعهم، صرخة نساؤها حين يتعرضن للاغتصاب والتحرش الجنسي.
بضجيج يملأ العالم تقتل دمشق كل يوم كل ثانية وكل جزء من الثانية وبصمت أخرس أعور يرد العالم على صرخاتها.
كانت دمشق ومازالت أنثى بالنسبة لي. أخ يا وطن كم هناك تشابه بين جرحك وجرحي بين صمتك وخوفي بين صرخاتك وصرختي بين ألامك وتعاستي. لكأن الوطن أنثى والأنثى وطن. أوجه المعاناة بينهما متشابهة إلى حد التطابق. اغتصاب من قبل من لديه القوة وقتل من قبل من سمى نفسه مشرع ديني. صراع حولك يا وطني كصراع ذكور القبيلة حول امتلاك أكبر عدد ممكن من الحواري تحت مسمى الزواج الشرعي. اضطهاد مشترك وحلم مشترك وأمل يولد رغم بشاعة الموت وحضرة الجلادين. مأساة تتكرر كثيرا وسببها في أغلب الأحيان الرجال أو من سموا أنفسهم رجالاً.
أستتحرر كل بلاد الأرض إذا ما حكمتها النساء!
رغم كل الألم والدمع يولد ذاك الفيديو الذي رأيته عبر شبكتي العنكبوتية أملاً في داخلي. طفل للتو تعلم النطق يرفع على النصر فوق رأسه ويعض بطرف فمه إصبعه الكبرى ليحرك يده بشكل فجائي ويحرك العلم ويصرخ بحروفه الحديثة الولادة( تولة تولة هتى النسل) والتي تعني بلغة الكبار ثورة ثورة حتى النصر.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. صفقة الاتحاد الأوروبي مع لبنان..ما خلفياتها؟| المسائية


.. بايدن يشدد على إرساء -النظام- في مواجهة الاحتجاجات الجامعية




.. أمريكا.. طلاب يجتمعون أمام منزل رئيسة جامعة كولومبيا نعمت شف


.. الجيش الإسرائيلي: 12 عسكريا أصيبوا في قطاع غزة خلال الساعات




.. الخارجية الأمريكية: هناك مقترح على الطاولة وعلى حماس قبوله ل