الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بين سفاح دمشق وطاغية القاهرة: طريق واحد ونهاية واحدة

هانى جرجس عياد

2012 / 12 / 2
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان


كان سفاح سوريا بشار الأسد يقصف الشعب السورى بالأسلحة الثقيلة، وكان قادرا –فى الوقت نفسه- على حشد عشرات الألوف من المؤيدين، فى تظاهرات تكررت كثيرا متنقلة ما بين ميدان السبع بحرات (أحد أكبر ميادين العاصمة السورية)، وأرض معرض دمشق (بمحاذاة نهر بردى، بعد انتقال المعرض إلى مكان أخر على طريق المطار). القدرة على الحشد ليست معضلة، بل هى واحدة من أبرز سمات الفاشيين والطغاة، يستوى فى ذلك من يقصف الشعب بالأسلحة الثقيلة، ومن يقصف الشعب بإعلانات دستورية تقوض القانون وتقيم الفراعنة، وتمهد –لاحقا- لقصف الشعب بالأسلحة الثقيلة أيضا.
لكن سفاح سوريا كان أكثر ذكاء من عصابة المقطم، فكانت الحشود السورية المؤيدة تبدو وكأنها خرجت إلى الشوارع بعفوية، ليس هناك قائد واحد يسوقها، ولا منصة واحدة تقودها، كل يهتف بما يريد، المهم أن يكون مؤيدا للسفاح، بينما حشود الجماعة الخارجة على القانون كانت صفوفا منتظمة، بدءا من ركوب الأتوبيسات التى أقلتهم من مختلف محافظات مصر، وحتى الانتظام كما طوابير الصباح فى ميدان نهضة مصر أمام منصة واحدة، يهتفون عندما يلوح لهم خطيب المنصة، ويصمتون كلما رفع يده، وهى كذلك دائما.
لا حشود الأسد فى ميدان السبع بحرات بدمشق استطاعت إنقاذه من غضبة شعب، ولا حشود الجماعة الخارجة على القانون قادرة على إنقاذ رئيس عاجز متعثر الخطوات، وجماعة تتبنى القتلة والمجرمين، من المتخفين هناك فى سيناء يعيثون فيها تقتيلا وإرهابا، وحتى قتلة السادات و(عصابات أسيوط)، الذين أخرجهم الرئيس الإخوانى من السجون بمجرد دخوله قصر الرئاسة، ليتصدروا المشهد فى دلالة صارخة على طبيعة الجماعة وحقيقتها، والمستقبل الذى ينتظر المصريين على يديها.
أعرف مسبقا أنه لم يكن بوسع مكتب الإرشاد سحب الإعلان الدستورى (دعك الآن من الرئيس، فالرجل لا يملك من أمره شيئا)، فالتراجع عن الإعلان إياه يعنى انتحار الجماعة، فلم يكن أمامهم سوى الهروب إلى أمام، رغم أنه هروب إلى النهاية ذاتها.
والهروب إلى أمام هو محاكاة واضحة لجانب من أسلوب الرئيس المخلوع، الذى بدا لوهلة أن مستشاريه أكثر ذكاء من الاثنين (سفاح دمشق وطاغية مصر)، فراح يقدم «التنازلات» واحدا تلو الأخر، دون أن يدرك –بسبب غبائه المزمن- أن وقت التنازلات قد فات، فكانت نهايته.
قرر مكتب الإرشاد الانتهاء من الدستور الإخوانى فى جلسة واحدة امتدت حتى الرابعة من فجر الجمعة (هل عرف العالم مؤسسة محترمة تظل منعقدة لعشرين ساعة متصلة لإنهاء أعمالها، وكأن الأيام خلصت؟)، ثم احتشد الإخوان وحلفاؤهم أمام جامعة القاهرة، وانتقل بعضهم –بالأمر- لمحاصرة المحكمة الدستورية العليا لمنعها من الانعقاد، وتسلم الرئيس مشروع الدستور ليقرر الدعوة للاستفتاء عليه يوم 15 ديسمبر القادم. خطوات سريعة ومتلاحقة هروبا من غضبة شعب، لكنه هروب إلى الهاوية.
يدرك محمد بديع مثلما كان بشار الأسد يدرك أن الأمر هنا لا يقاس بعدد المحتشدين، (بغض النظر عن الفارق الهائل بين ركاب يجرى شحنهم إلى مكان التظاهر، وشعب ينزل إلى الشوارع والميادين بمحض إرادته)، ذلك أن الذين احتشدوا أمام جامعة القاهرة، زاد عددهم أو قل، هم فى النهاية أبناء تيار واحد يتاجر فى الدين، ليحصد قادته المكاسب ويعود المحتشدون بخفى حنين، فيما لو وجدوه، بينما على الجانب الأخر تقف مصر كلها بمختلف انتماءاتها السياسية ومدارسها الفكرية وشرائحها الاجتماعية، تطالب بالعدالة الاجتماعية ليحصد الفقراء نتيجتها، تطالب بمحاربة الفساد لينعم المصريون جميعا بثروة وطنهم، تطالب بالكرامة الإنسانية فلا يعود المواطن العادى مهددا فى أمنه وسلامته.
والحاصل أن العبقرى الذى أشار على الجماعة بإصدار إعلان العار المسمى «إعلان دستورى» (ربما هو نفسه عبقرى مشروع النهضة الوهمى)، قد وضع الجماعة فى مواجهة الشعب، ودفع بالبلاد إلى مأزق حاد لا خروج منه إلا بهزيمة أحدهما، الجماعة أو الشعب، والتاريخ لم يعرف شعبا هزمته عصابة. فرغم أن إعلان العار منح اللجنة الإسلامية لكتابة الدستور شهرين إضافيين للانتهاء من أعمالها، إلا أن ردود الفعل الغاضبة التى أثارها الإعلان، ولم يتوقعها عبقرى الجماعة، أجبرت اللجنة على إنجاز الدستور فى جلسة واحدة ممتدة لعشرين ساعة، وبما يشير بوضوح إلى عجز الجماعة عن فرض إعلان العار الدستورى طويلا، ومحاولتها التخلص منه سريعا بفرض دستورها الذى لا يقل عار عن إعلانها، ثم تسارعت خطوات الهروب إلى أمام، من محاصرة المحكمة الدستورية إلى التعجيل بطرح الدستور للاستفتاء، وكأن من فشل فى فرض إعلان يقيم «ديكتاتورية مؤقتة»، يمكن أن ينجح فى فرض دستور ينظم «ديكتاتورية دائمة»، ولله فى خلقه شئون .
لقد نجحت الجماعة فى إعداد دستورها، وقد تنجح فى تمريره وفرضه (وإن كنت أشك فى هذا)، سواء بتزوير وتزييف الاستفتاء أو بخداع وتضليل البسطاء، أو الاثنين معا، لكن ذلك لن يكون نهاية للأزمة، بل مجرد إطالة لأمدها وزيادة تعقيدها، فقد استطاع سفاح دمشق أن يرجئ نهايته، لكنه لم يفعل سوى إطالة أمد أزمته، وازدياد تعقيدها وتشابكها، ومازال ينتظر نهايته.
أغلقت الجماعة كل منافذ الحوار والتفاهم، ودفعت بنا جميعا إلى مسار واحد لا بديل له، وربما يشهد العالم أن المصريين الذين يكتبون التاريخ دائما، قادرون على إسقاط رئيسين فى عامين.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الحوثيون يعلنون بدء تنفيذ -المرحلة الرابعة- من التصعيد ضد إس


.. مصادرنا: استهداف مسيرة إسرائيلية لسيارة في بنت جبيل جنوبي لب




.. تصاعد حدة الاشتباكات على طول خط الجبهة بين القوات الأوكرانية


.. مصادر عربية متفائلة بمحادثات القاهرة.. وتل أبيب تقول إنها لم




.. بروفايل | وفاة الداعية والمفكر والسياسي السوري عصام العطار