الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بروبغاندا الإستثناء المغربي

محمد السلايلي

2012 / 12 / 2
مواضيع وابحاث سياسية


بعد سنة من تنصيب حكومة عبد الاله بنكيران، الرجل الذي أخرج المخزن من عين الإبرة كما يقال، حين انتصب في وجه الحراك الشعبي المطالب باسقاط الفساد و الاستبداد مدعيا حرصه على الملكية من مغبة السقوط في زمن السقوط، في مثل هذه المناسبة تنشر الصحف المغربية تقارير تحاكي فيها صحافة البلدان الديمقراطية الحقة، حول حصيلة السنة الحكومية الاولى باعتبارها العينة المحددة لولاية اي حزب يتراستسير الدولة، فتترصد الايجابيات و السلبيات، الانتصارات و الهزائم، لكن بالمغرب، و وفق النموذج الديمقراطي المغربي الممسوخ، تختلف العناوين حسب درجة القرب من سلطة القرارالفعلية، لكنها تخدم نفس التوجه الاعلامي الرسمي السائد.
الصحف المغربية ضخمت بشكل لافت من انجازات هذه الحكومة التي جاءت على ظهر حراك 20 فبراير، فقدمت لقرائها طابقا ملغوما من الاجراءات المثيرة للجدل، على انها انتصارات للحكومة بقطاعات هامة وحساسة بالنسبة للنظام القائم، كقطاع الريع الشريان الرئيسي للجهاز المخزني المؤسس على الزبونية و شراء الأعيان والنخب.
المخزن الاقتصادي، أي سلطة القرار الفعلية التي تتحكم في توزيع الثروات و المنافع و الخيرات، و الصفقات التجارية و المشاريع الاقتصادية، لم يتضرر من نشر لوائح الحكومة الاسلامية للمستفيدين من رخص النقل الطرقي و رخص مقالع الرمال. وفوجىء المهووسون ب"الثورة المغربية الهادئة" أو ب"الإستثناء المغربي" بأن هذه اللوائح لم تشمل أسماءا معروفة واقتصرت على بعض الرياضيين و الفنانين و على بعض عناصر النخب الحزبية و النقابية.أو موظفين كبار للدولة تم حرق أوراقهم.
استطاعت حكومة حزب العدالة و التنمية ان تخلق البروبغاندا ليس فقط بنشر هذه اللوائح وإحالة بعض ملفات الفساد على القضاء المغربي، فزرعت نوع من الامل في نفوس المعوزين و الفقراء من خلال الاعلان عن تشكيل صندوقي التماسك الاجتماعي و التكافل العائلي. سرعان ما سيتبدد لتكتشف الطبقات الشعبية ان ذلك مطية لضرب قدرتها الشرائية بالاعلان عن الزيادة في ثمن المحروقات و اتجاه الحكومة لرفع يد الدولة عن تقديم الدعم للمواد الاستهلاكية الاساسية عبر إلغاء صندوق المقاصة.
في متم نونبر من السنة الماضية، طبخ القصر المغربي مسرحية حكومة الاسلاميين، بعد تقديم دستور يقنن صلاحيات الملك و يعززها ويعطي لرئيس الحكومة بعض الصلاحيات المقيدة. و بعد حصول حزب بنكيران على المرتبة الاولى في الانتخابات التشريعية و "الفوز" على 107 مقعدا بالبرلمان، أمن النظام لهذا الحزب أغلبية مننفس الاحزاب التي شكلت الحكومات السابقة باستثناء الاتحاد الاشتراكي الذي فضل العودة لصفوف المعارضة البرلمانية.
كما ركب اخوان مصر و اسلاميو النهضة بتونس على الثورة الشعبية، اسلاميو المغرب فضلوا الركوب على الناخب المغربي،علما أن نسبة العزوف عن الانتخابات أصبحت لا تقل عن ثلثي الكثلة الناخبة.
وهب الحكام الفعليون نوعا من تقاسم السلطة مع الاسلامين من خلال احتوائهم و جرهم لخدمة المشروع المخزني و تامين استمراره و حمايته النسبية من القلائل الاجتماعية التي تعصف بالانظمة المستبدة. الاسلاميون هم الورقة التي تتحصن من ورائها كل الفيئات و القوى الاجتماعية المناوئة للتغيير و التحول الديمقراطي.
القبول بوزارات السيادة و بوزراء تقنقراط و تراجعبنكيران عن تشكيل حكومة تقشف من 15 وزيرا الى 20 ثم الى 30 وزيرا ، يؤكد ان هذه الحكومة لا تختلف عن سابقاتها الا بالبروبغاندا الممزوجة بشعبوية بنكيران وبالصورة الشعبوية لوزراء حزبه المغرية و القابلة للتسويق الاعلامي.
مع الاعلان عن تنصيب هذه الحكومة، وضعت العصا في عجلة 20 فبراير، بانسحاب جماعة العدل و الاحسان الاسلامية من الشارع المغربي. و تم اطلاق يد قوات القمع لترهيب المحتجين سلميا و تفريقهم و الزج بعدد من الشباب في السجون بتلفيق التهم لهم، و قمع المطالب الاجتماعية و تبرير انتهاكات حق التظاهر.
غير أن أهم انجاز هو اعادة فتحباب المؤسسات المالية الدولية لترهن اقتصاد ونمو المجتمع المغربي و أجياله. و يظهر ان برغماتية الحركات الاسلامية و خدمتها المشروع الليبيرالي ليس لها حدود. فالبطالة و غلاء المعيشة و تدني الخدمات العمومية من تعليم و صحة هي امور تخضع لموازين الغيب و القدر اكثر من خضوعها لتقسيم نظام العمل و الثروة و تكافؤ الفرص.
وفي هذا الصدد قام موظفون كبار بصندوق النقد الدولي بزيارة المغرب يوليوز الماضي على إثرها تم فرض اجراءات تقشفية صارمة لتامين خط احتياطي من الدين يكنه من اقتراض اكثر من 6 ملايير دولار خلال العامين المقبلين. وسيؤدي المغرب فوائد هذا الدين المكلف الذي سيرهن مسبقبل الاجيال القادمة بدفع أزيد من سبعين مليون درهم سنويا للصندوق.
لم يعد يخفي وزراء الحكومة الاسلامية عجزهم عن مجابهة الفساد ولم لذيهم اي حرج للانحناء امام "التماسيح و الأشباح" حسب تعبير ريس الحكومة الاسلامية. و لا حتى الاكتفاء بتنفيذ سياسة الملك و الركض وراء ثقته، كما ظلت تفعل جل الحكومات السابقة’ بعد سحب كفاتر تحملات الاعلام العمومي أصبح واضحا أن بنكيران و حكومته ترضخ سرا وعلنا لحكومة الظل المشكلة من مستشاري الملك.
اذا اضفنا لذلك قمع الحريات و ارتفاع عدد العاطلين و استعار نار الفساد و الافلات من العقاب من خلال سن قوانين تحصن مرتكبيه من اي متابعة او ملاحقة قضائية، تعتبر هذه الحكومة الاسلامية عن جد، صورة مصغرة عن الدور الذي تلعبه الحركات الاصولية لتامين البنيات العميقة للانظمة الاستبدادية و الحفاظ على سلط و نفوذ القوى المحافظة الداخلية و القوى الاستعمارية التي تتحكم في أسواق و خيرات و ثروات المنطقة.
لا يمكن للجماعات الاسلامية التي تدعي الاعتدال ان تنسلخ عن البنيات المحافظة المقاومة لاي تغيير و تحول نحو الديمقراطية و السيادة الشعبية الحقيقية. و تجربة المغرب، رغم اختلافها عن مصر و تونس، تؤكد ان هذه الجماعات هي صمام أمان للأنظمة العربية المستبدة و ليست بديلا او حتى قناة من قنوات الانتقال للبديل الديمقراطي..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مراسلة الجزيرة ترصد مخرجات اجتماع مجلس الحرب الإسرائيلي


.. غالانت: إسرائيل تتعامل مع عدد من البدائل كي يتمكن سكان الشما




.. صوتوا ضده واتهموه بالتجسس.. مشرعون أميركيون يحتفظون بحسابات


.. حصانة الرؤساء السابقين أمام المحكمة العليا الأميركية وترقب ك




.. انهيار أشرعة الطاحونة الحمراء في باريس من فوق أشهر صالة عروض