الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الوجوه المتحوّلة للحراك السوري

ياسر محمد أسكيف

2012 / 12 / 2
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي



( من حلم الدولة الديموقراطية إلى كابوس الإمارة الإسلامية )
تظهر اغلب المقالات , والقراءات , والدراسات , وحتى البيانات الصحفية ( وغيرها من وسائل إعلامية ) التي تتناول طبيعة الثورة السورية , من وجهة نظر معارِضة , ابتعادا ً عن التعمق في دراسة المكونات والبحث في مستوى الفعالية الذي يحتّم تلقائيا ً ترتيب وتوزيع مواقع القوى واصطفافها , والذي من شأنه التنبيه والإشارة إلى الغشاوة التي تمنع من رؤية الحراك على حقيقته , وبالتالي إمكانية قراءة درجة الانحراف عن , ودرجة والانقلاب على , الخطوط الرئيسية للثورة , التي بدأت كمهمات , وتكرّست كمواثيق للممارسة والعمل .
( ثورة سورية أم ثورة إسلامية في سوريا ؟ ) سؤال طرحه ياسين الحاج صالح ( الحوار المتمدن تاريخ 25-11-2012 ) سؤال - عنوان , والعناوين مفاتيح هامة في القراءة , يوحي بمحاولة جادّة لإجلاء الالتباس , بل التشابك , بين أوجه عدّة يمكن أن تسم الثورة السورية , عبر العمل على إضاءة التخوم بين المكونات والوجوه . ومن هذه الوجوه ( وجه إسلامي متمركز حول عقيدة الاسلاميين " وهي شكل ما للإسلام " وليس حول القضية السورية العامة ) وجه بدأ بالطغيان على الجزء الأكبر من المشهد , ممارسا ً سيطرة عملية , وليس هيمنة رمزية , كما يرى ياسين المُدرك لهذا الأمر, والذي يلتف عليه بالربط بين اتساع نطاق الهيمنة السلفية – القاعدية وازدياد عنف المواجهة بين السلطة والمعارضة المسلحة . وبالتالي فإن ما يوقف هذا الزحف الاستيلائي الاقصائي هو حل واحد يتمثل بإسقاط السلطة . غير أن هذا الإصرار على الاسقاط لن يقدم شيئا ً سوى المزيد من العنف , وإطالة عمر الصراع . وبالتالي تخصيب المناخ لتغوّل " عقيدة الاسلاميين " . وفي نظريته هذه يعتبر الكاتب من ينتمون إلى ( عقيدة الاسلاميين ) , كي لا يسميهم بأسمائهم , وبالتالي يلتقي مع السلطة في التسمية , جزءا ً من مكوّنات الثورة السورية ( جبهة النصرة + لواء التوحيد + ... = تنظيم القاعدة ) وليسوا جزءا ً من ثورة مضادة عُمل على دعمها ( بشريا ً , وماليا ً , وعسكريا ً ) من جهات تريد بكل تأكيد إصابة عصفورين بحجر ( إسقاط النظام السوري , وإسقاط الثورة ) وذلك بجعل الثورة في حال انتصارها واقعة لا تاريخية . وبعيدا ً عن تحليل مكونات الثورة وإبراز مواقعها على خارطة التأثير والفعل , لتتم الإجابة المُقنعة على أساس ذلك , وليزول الالتباس الذي يُظهره السؤال , فإن الكاتب , ولأسباب دعاوية , ربما , تتعلق بحجم التأثير والفعالية الميدانية , يمارس هروبا ً بيّنا ً إلى الأمام , فيلجأ , من أجل التمويه على اعترافه بالصبغة الاسلامية , إلى البحث عن سبب الظاهرة ( الوجه الاسلامي المتشدّد للثورة السورية ) وليس البحث في الظاهرة ذاتها . وفي عرضه للأصل المُحتمل الذي تسبب في ( هذا الظهور المندفع , الذي يشبه الاستيلاء الرمزي على ثورة ضد الطغيان ) يستشعر القارئ مداورة وكيدية لا تتفقان مع الصدقية البحثية , أو حتى الإخبارية . حيث يفترض مجموعة من الأصول المُحتملة التي يتعلق بعضها بظهور ( الوجه الخفي للمجتمع السوري ) الذي كان نتيجة لتعامل السلطة مع الثورة , أي كان هذا التعامل فرصة لظهور هذا الوجه . أو أن ( تحولا ً زلزاليا ً نتيجة 600 يوم من التنكيل المستمر دفع إلى السطح طبقة أعمق من الوعي والاجتماع ) وربما ( هو وجه مُصطنع تواطأت على ظهوره مؤثرات مالية وأيديولوجية ) . ولكن الكاتب يرى أن السبب ليس في أيا ً من هذه الأصول منفردا ً بل هو في ( تضافر كل من القسوة والوحشية والتمييزية التي تعرّضت لها البيئات السورية الثائرة والدعم الذي قدّمته شبكات مالية وأيديولوجية ) .
لنلاحظ الكم الهائل من التعمية الذي ينطوي عليه هذا الاستنتاج ونسأل ما هو القصد , أو الغاية من التصنيف الديموغرافي ؟ ما دام الأمر الواضح هو أن السلطة تصدّت للثورة في البيئات التي قامت فيها الثورة , وهي بيئات لا يخفى على أحد أنها بيئات ( سنيّة ) . فهل كان المطلوب من السلطة أن تقسو على البيئات التي بقيت موالية كي تبدو عادلة وغير تمييزية . أم أن القصد هو إعادة إنتاج لما قاله برهان غليون , حينما كان رئيسا ً للمجلس الوطني السوري , حول الربط بين مستقبل الأقليات الدينية والعرقية , وخاصة الطائفة العلوية , ومدى مشاركتهم في الثورة لإسقاط النظام . أي أنهم إن شاركوا فلهم حصّة , وإن لم يشاركوا فهم محرومون من كل شيء . وهنا لابدّ من الانتباه إلى درجة الاعتراف برأي آخر , ومدى احترام هذا الرأي .
نعم هي إشارة خفية من الكاتب إلى أن بيئات محدّدة لم تشارك في الثورة , لا السلمية ولا المسلحة ( الدروز – المسيحيون – العلويون – الإسماعيليون – .. ) أي أنها لم تشارك بهويتها الطائفية وليس الوطنية . ذلك أن عدد كبير من أبناء هذه الطوائف مساهم حقيقي وفعلي في الحراك السوري السلمي . ويبدو التحيز اللاموضوعي أكثر وضوحا ً في الحديث عن الدعم الذي قدّمته ( شبكات مالية وأيديولوجية ) مُختصرة بأفراد ( العوضي – الكويت – العريفي – السعودية – العرعور – سوري - سعودي ) وليس دولا ً ( قطر – السعودية – تركيا – أمريكا – فرنسا – بريطانيا .....) . إن الكاتب يتحرّج تماما ً من قول الحقيقة , التي لم تتحرّج تلك الدول ذاتها عن الاعتراف بها . وهذا التحرّج يأخذ صفة النكران في موضع آخر حينما يعتبر الكاتب أن ( المجتمع السوري الثائر قد خبر خلال عشرين شهرا ً حالة انكشاف تام وفقدان جذري للسند . ) وهذا كلام بعيد كل البعد عن الحقيقة , إذ لاقت الثورة السورية دعما ً لم تنل غيرها جزءا ً منه , بدءا ً بالمساعدات المالية والاعلامية والدبلوماسية وانتهاء ً بالعسكرية ( تسليح – أجهزة اتصالات متطوّرة – مقاتلين – دعم استخباراتي ... الخ ) , يضاف إليه العقوبات متعددة الأشكال ( اقتصادية – عسكرية – دبلوماسية .. الخ ) التي مورست ضد السلطة السورية وضد أركانها , إضافة إلى الأشخاص الذين يدينون لها بالولاء , أو يقدمون لها أي شكل من أشكال الدعم . وإذا كان يقصد ب " السند " دعما ً يماثل الدعم " الفاجر " الذي يتلقاه النظام السوري ( من قوى ذات هويات طائفية ) وهو يقصد " حزب الله " اللبناني , ذو الصبغة " الشيعية " , فإن الكثير من مثيل هذا الدعم قد تلقته الثورة السورية , ولا أدل من الغيرتين ( السعودية ) و (القطرية ) وسيل المجاهدين من تونس إلى الشيشان , مرورا ً بالسعودية والأردن والعراق وتركيا , وصولا ً إلى افغانستان . ولا يخفى على أي قارئ بأن هؤلاء المجاهدين هم ذوي صبغة " سنيّة " . ولا بدّ للقارئ أن يتساءل هنا لماذا المواربة والاستحياء وعدم تسمية الأمور بأسمائها , وخاصة أن الكاتب يقرّ دون تردّد بأن النظام السوري ( غير مُبرّأ من الطائفية ) . أهو كي لا يضطر إلى تثبيت الهوية الطائفية , والمسعى الطائفي , للمجاهدين السوريين , ومعهم سائر المسلحين المعارضين , والكثير من غير المسلحين , وبالتالي يجد نفسه أمام استحقاق الضرورة في إعادة قراءة الكثير من أحوال الثورة السورية , وتحديدا ً من منطلق الديموقراطي العلماني إن لم نقل الماركسي ؟ ! وهو الذي يحاول ياسين فعله منذ بداية مقاله .
إن ياسين الحاج صالح يأتي من أسهل الطرق ليبرّر تأسلم الثورة السورية وإظهار هذه الأسلمة على أنها طارئ يزول بزوال المسببات , ولهذا يلوي عنق الحقائق ويجعل من الاستثناء قاعدة , ومن الشذوذ عمومية . فالدعم الذي تلقاه السلطة السورية من " حزب الله " الشيعي , والذي ما يزال تأكيده وإثباته موضع أخذ ورد , مُضافا ً إلى ( الاستهداف التمييزي من قبل نظام طغموي غير مبرأ من الطائفية ) هو ما يشكل برأيه ( بيئة ممتازة لتأثير الدعاة السلفيين , المحليين والعرب , وللتعبئة حول واجبهم الجهادي الخاص ) . غاضّا ً الطرف عن تأثير هؤلاء الدعاة في غير مطرح, وغير مكان يتسمان بنقاء النسيج الديني , وبالافتقار إلى التعدّد . وإلا كيف يمكن تبرير الحملات الطائفية الشعواء على الشيعة بشكل عام , وعلى العلويين بشكل خاص , عبر أكثر من قناة تلفزيونية حتى قبل اندلاع الثورة السورية بزمن طويل , وكيف يبرّر التعبئة المسعورة على أساس طائفي , عبر صفحات التواصل الاجتماعي , كمقدمة للحراك السوري . هل يمكنه أن يستند في ذلك إلى خبر تناقلته وسائل الإعلام عن مقتل عدد من عناصر حزب الله في سوريا .
نعم لا نختلف مع الكاتب في أن العقائد الماضوية " بعثية " أو " سلفية " ( توفر إطارا ً نضاليا ً ووجهة للغضب وشعورا ً واضحا ً بالغاية المُرتجاة ..) وخاصّة في مناخ من الهزيمة والخيبة واللاجدوى غير أن ذلك لا يقودنا إلى الإقرار بحقيقة , نجعلها تبدو وكأنها وحيدة وفريدة تفيد بأن ( العقيدة الدينية هي الأنسب اليوم كأرضية فكرية للمقاومة المسلحة في مواجهة قوّة عدوانية متطرفة . ) إذ إضافة إلى القوة العدوانية المتطرفة للسلطة لا يمكن أن نغمض العين عن الجوهر الدموي المتأصل في مثل هذه العقائد الدينية , والذي أفصح عن نفسه في العراق , قبل سوريا , وما زال .
ولكننا نتساءل في نهاية المطاف : ما دامت التيارات المعتدلة في الحراك - الثورة غير قادرة على مواجهة بطش النظام وإسقاطه في المدى المنظور , الأمر الذي سيؤدي إلى تغوّل التشدد الذي لا يمثل الوجه الحقيقي للحراك السوري , والذي لا يؤيده الكاتب , فعلى أي أساس يعمّر أمله بإسقاط النظام ( إن لم يكن اليوم , البارحة أفضل . )؟؟!!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. لحظة سقوط صاروخ أطلق من جنوب لبنان في محيط مستوطنة بنيامين ق


.. إعلام سوري: هجوم عنيف بطائرات مسيرة انتحارية على قاعدة للقوا




.. أبرز قادة حزب الله اللبناني الذين اغتالتهم إسرائيل


.. ما موقف محور المقاومة الذي تقوده إيران من المشهد التصعيدي في




.. فيما لم ترد طهران على اغتيال هنية.. هل سترد إيران على مقتل ن