الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


استدعاء الاسلام الى السياسة العربية

محمد سيد رصاص

2005 / 3 / 13
مواضيع وابحاث سياسية


أليس أقرب الى تفسير الواقع العربي أن "استدعاء الإسلام" الى السياسة هو أقرب الى عملية التجاء أمة الى "الجدار الأخير"؟
بعد سقوط الدولة العثمانية في عام 1918 وما تبعها من إلغاء أتاتورك للخلافة الإسلامية، سادت أفكار الليبرالية والعلمانية في الوسط السياسي العربي عبر أسماء فكرية مثل طه حسين ولطفي السيد وسلامة موسى وعبر سياسيين مثل سعد زغلول والنقراشي باشا وسعدالله الجابري ورشدي الكيخيا فيما شهدت الأفكار اليسارية الماركسية انتعاشاً كبيراً، الى درجة أن رموزاً إسلامية مثل حسن البنا ومصطفى السباعي قد كانا في حالة دفاعية، فكرياً وسياسياً، أمام موجة الأفكار تلك الآتية من الغرب والشرق الأوروبيين.
بعد قيام دولة إسرائيل، والهزيمة العربية في عام 1948، يلاحظ بداية تراجع ونكوص لتلك الأفكار، بسبب كون الأحزاب الحاكمة أو المتصدرة في البلدان العربية (مصر ـ سوريا) التي واجهت إسرائيل ذات طابع ليبرالي (الأحرار الدستوريون ـ السعديون ـ الوفد، سوريا: الحزب الوطني ـ حزب الشعب)، فيما سقط الشيوعيون تلك السقطة، بحكم التبعية للسوفيات، يوم قرار التقسيم وفي موقفهم من حرب 1948.
كان تصدّر القوميين بداية التمظهر والمحصّلة لظاهرة تراجع الليبراليين والشيوعيين، إلا أن هزيمة فرعيهم: الناصري والبعثي، في حرب 1967، قد أدت الى بداية تراجعهم لصالح مدّ التيار الإسلامي، ولو ترافق مع ذلك، حتى أيلول 1970 وبداية تراجع العمل الفلسطيني المسلح، انتعاش للأفكار الماركسية غير السوفياتية.
في المقدمة للطبعة العربية من كتابه "الايديولوجية العربية المعاصرة"، والمؤرخة في شهر تموز من عام 1970، يشيرالمفكر المغربي عبد الله العروي، بطريقة أقرب للسخرية، للتفسير الديني للهزيمة الذي قدمه آنذاك رجال الدين والتيار السياسي الإسلامي والتي عزوا فيه الهزيمة الى ابتعاد المسلمين عن الدين وانتصار العدو الى "تعصبه الديني".
بغض النظر عن هذا، فإن "استدعاء الإسلام"، بعد فشل الليبرالي ومن بعدهم القوميين وما ترافق مع ذلك من تراجع اليسار الشيوعي وتبعيته لموسكو، قد كان حصيلة للطابع اليهودي لدولة إسرائيل والذي لم تستطع "علمانية" هرتزل أو "يسارية" بن غوريون وحزب المابام أن تحجبا الظلال التي ظلّل من خلالها كلٌ من (التوراة) و(التلمود) الطابع الخاص لتلك الدولة، والذي لم تستطع "الحداثة" و"العروبة" أن تكونا سلاحين فعّالين في مواجهته (ومواجهتها) عامي 1948 و1967.
هذا من جهة، ومن جهة أخرى، فإن النظرة الى الغرب الأوروبي، مع غض النظر عن "هويته الحضارية"، أثناء استجلاب أفكاره، قد وصلت الى الطريق المسدود مع ذلك السلوك الذي شهدناه لكل من أللنبي في قدس 1917 وغورو في دمشق 1920 والفرنسيين في جزائر 1830 ـ 1962، وهذا ما أدى، بالتضافر مع (تلمود) إسرائيل، الى أن يكون ابن تيمية بالنصف الثاني للقرن العشرين أقوى من طه حسين في الحياة الفكرية والسياسية العربيتين.
عبر ذلك، ومنذ السبعينات، حصل تصدّر عمر التلمساني ومصطفى مشهور، وحسن الترابي، وراشد الغنوشي، وعباس مدني وعلي بلحاج، لقوى المجتمع السياسية في بلدانهم، فيما رأينا الشيخ أحمد ياسين والدكتور عبد العزيز الرنتيسي يتصدّران عملية الكفاح الفلسطيني ضد إسرائيل منذ عام 1994 على حساب (فتح) واليسار الفسطيني.
زاد ذلك مع حرب 1991، ثم تفاقم مع (11 أيلول) عندما لم تنجح السلطات السياسية، بالغرب الأميركي ـ الأوروبي والعالم الإسلامي، في أن تحجب عملية استيقاظ الذاكرة الجمعية للطرفين التي كانت (بواتييه) و(سقوط القسطنطينية) و(حصار فيينا) من محطاتها إضافة لما حصل للعرب في القرنين الماضيين منذ حملة نابليون، ثم ليزداد ذلك مع (سقوط بغداد)، عاصمة الخلافة، في أول عملية عودة للاحتلالات بعد نشوء الأمم المتحدة.
كانت عوامل (الغرب ـ إسرائيل ـ مساهمة الأول، بفرعه الأوروبي، في نشوء الثانية، ثم مساهمة الولايات المتحدة في دعم إسرائيل وتقويتها) من أكثر وأكبر العوامل المساهمة في تموجات التيارات السياسية العربية، وليس العوامل الداخلية المحلية: عبر ذلك لا يمكننا الحديث عن فشل التيارات "التغريبية"، أو الوسيطة بين "التغريبية" و"التأصيلية" مثل القوميين، بوصفه فشلاً للحداثة، أو عن صعود التيار الإسلامي باعتباره تعبيراً عن "مقاومة" الحداثة أو عن ـ وفق تفسير آخر لهذا الصعود ـ الآلام المرافقة لولادة عملية التحديث وما تفرزه من قوى متضررة من العملية، فيما يجب البحث عن قاتلي التيارات العربية الحديثة ذات الطابع "التغريبي"، أو "الوسيطة"، في لندن بلفور، وباريس 1798 ـ 1962، وواشنطن 1948 ـ 2003، وفي تل أبيب.
أليس أقرب الى تفسير الواقع العربي، أن "استدعاء الإسلام" هو أقرب لعملية التجاء أمة الى "الجدار الأخير"، تماماً مثلما فعل اليهود بعد تهديم الرومان للهيكل عندما اتجهوا، أمام الهزيمة السياسية، الى تدوين (التلمود) والى التقوقع الانعزالي للحفاظ على ذاتهم الخاصة كجماعة، فيما لا يمكن الحديث عن ذلك بوصفه "فشلاً" للحداثة، ما دام الإسلاميون، والمتديّنون، هم من أكثر الفئات انخراطاً في التقنية والعلم وفي الحياة الاقتصادية، فيما نجد اليساريين والليبراليين المعاصرين ـ وأغلب الأخيرين قد أتوا من شيوعي موسكو السابقين ـ متركّزين في (العلوم الإنسانية) وفي الفنون, مثلما كان أنصار عودة الملكية في فرنسا 1815 ـ 1830: (المؤرخ تيير ـ شاتوبريان ـ بلزاك)، فيما كانت البرجوازية الصاعدة من أنصار النزعة التقنية عند سان سيمون ثم مع النزعة الوضعية وعبادة العلم عند أوغست كونت؟...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. دخان كثيف بعد غارة جوية إسرائيلية شرق مدينة غزة


.. اللواء فايز الدويري: مرحلة -ج- تعني مرحلة المداهمات والمقاوم




.. بزشكيان لحسن نصر الله: إيران كانت داعمة للمقاومة ضد الكيان ا


.. -ناسا- تعلن انتهاء أول تجربة طويلة لمحاكاة الحياة على كوكب ا




.. تفاعلكم الحلقة كاملة | احتفالية تتسبب بأزمة دبلوماسية ومقابل