الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


وساوس الشيطان أم نقص المناعة خلف أحداث لبنان

قاسيون

2005 / 3 / 13
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي


تعودنا في حياتنا العادية أن نتنصل من المسؤولية عما يقع لنا وأن نحمل الجراثيم والشياطين والأقدار والحظوظ مسؤولية الأمراض والمصائب التي نواجهها وفي السياسة أيضاً نحمل الإمبريالية وحدها المسؤولية عن الشرور التي تحيق بالوطن ويصبح الخارجي مسكناً يخنق القلق المشروع الذي يجب أن ينتابنا إزاء ضخامة وشراسة القوى المعادية.

ولكن علينا أن نوضح في البداية أساس المصائب والنكبات وهو وضعنا وبنيتنا وقوانا الداخلية وعلاقاتها العجيبة، لقد تداخلت وبشكل معقد ومتشابك خيوط وليس خنادق الداخلي الصديق بالخارجي المعادي وتعددت في النفس حالات التخبط ومقاييس المساطر القديمة المسبقة والشعارات الوطنية والقومية والدينية كتعبير عن هذيانات المهزومين المتخندقين خلف الطوائف والعشائر والعوائل لضمان قوى غاشمة تحمي المتنفذين الذين يقومون ببيع الميزات الاستراتيجية للوطن والذين يضعون نصب أعينهم عداواتهم الداخلية، ويصبح همهم الغلبة الداخلية مهما كان الثمن، غلبة تتطلبها حاجات الخارجي ومصالحه.
إن الأمراض تتطلب تحصين المناعة والصحة، والأعداء يواجهون بالوحدة الوطنية التي هي خيار طبيعي لجميع تفاصيل المجتمع، وهي مصلحته وسجيته لا أمراً وقراراً مفروضاً من جهة على جهة، والوطنية أيضاً ليستقضية طائفية أو زمرة تريد أن تفرضها على خصومها كذلك إن القومية تعبير عن علاقة بين مجموعات بشرية وليست قراراً يتخذه حاكم أو مجموعة أو فئة.
إن علينا أن نعترف وبشجاعة أن أخطر ماواجهته القومية والوطنية هو احتكارها القبلي والطائفي وكذلك اعتبارها مطية للسلطة الفردية ومبرراً للتمييز والقمع غير المحدود.
إن العرب وعلى رأسهم اللبنانيون مدعوون للتفهم الجدي للأسباب التي تجعل منهم أمة معتبرة وشعباً عظيماً بأخذه بعين الاعتبار الأعداء الأقوياء فقط عندما لايستطيعون اختراقه أو استمالة بعضه على بعضه الآخر، وذلك لن يكون أبداً إذا استمرت روحية التخوين والاتهام وإرهاب الشعارات الوطنية والقومية المنتفخة بأحقاد الطوائف التي أطلقها من قمقمها العدو الخارجي متحالفاً مع مافيا الحشيش والمحرمات الأخرى.
إن الأمة أو الوطن الذي لايستطيع أن يثبت أنه الأكثر ضماناً بما لايقاس لحرية وكرامة جميع فئاته وأن تفاصيله أقرب لبعضها بما لايقاس من أي زعم خارجي يتقرب لبعض أطرافه. إن أمة ووطناً لايستطيع ذلك تكون قواه الفاعلة الأساسية وقواه الحاكمة هي وحدها المسؤولة عن تعريض وجوده ومصيره ووحدته الوطنية للخطر.
وإن علينا أن ننوه أيضاً إلى أن من حق جميع الأقليات الأثنية والدينية التي أصبحت جزءاً من بنيان وكيان الوطن والمنطقة أن تجد في مجتمعاتنا وكياناتنا المناخ الأكثر ضماناً لحريتها ومصالحها، وأن توحدها واندماجها في بنيتنا يعزز ويؤكد تميزها الحر ويعطيها المكانة التي تليق بها وتنشدها.
كل ماتقدم أدين به لشخصيتين وحركتين اتفقتا رغم التمايز الأيديولوجي بينهما فقد لقناني درساً أعتز بأني تفهمته واستوعبته قدر المستطاع.
الشخصية الأولى: هي سماحة السيد حسن نصرالله.. (وحزب الله)، حزب المقاومة الوطنية اللبنانية التي استطاعت رغم طابعها المنطقي (الجنوبي) ورغم غلبة قوامها الطائفي «الشيعة» أن تشكل تعبيراً وطنياً لبنانياً، وعربياً، وإسلامياً وتقدمياً بمناهضته وهزيمته لقاعدة الإمبريالية الأمريكية إسرائيل ولتحريره لأول مرة أرضاً عربية بقوة السلاح وليس بتسول مؤتمرات السلام ودون أن تتعرض أية فئة لبنانية للخطر.
قاوم حزب الله ـ الجنوبي وليت الجنوب كان كل بلاد العرب ـ عن اللبنانيين والعرب وبدعمهم وتعاطفهم ورد لهم وطنهم وكرامتهم وكان من الطبيعي بعدها أن يستحق لبنان الذي أثبت جدارته الفريدة عندما هزم إسرائيل أن يكون صاحب قرار مستقل يرتكز على الوحدة الوطنية المؤسسة على الخيار الديمقراطي.
وتميز حزب الله بتواضع فريد وبأخلاقية نادرة عندما حرم استخدام سلاح المقاومة إلا ضد إسرائيل ومن جندتهم معها مباشرة، وعندما نأى بنفسه عن كل الصراعات التي دارت في الخلف معتبراً أن التحرير هو الرد الذي يحدده الاتجاه الصحيح، فأهداه للجميع متعاطفين ومنكرين.
على أنني أعتقد أيضاً أن حزب الله يعرف قرانيته الأكيدة والتي يجب أخذها بعين الاعتبار رغم تشتيتها مع الحركة الوطنية اللبنانية التي أسست كسلف مباشر لحركة مقاومة ضد الوجود الإسرائيلي رغم أنه لم يكتب لها النجاح، وهو ما يجب أن يكون قيد الدراسة لأخذ العبرة الضرورية لما هو مقبل.
ومايميز سماحة السيد حسن نصرالله هذه المودة والاحترام الكبير الذي يتجلى في مخاطبته حتى للذين يختلف معهم في الرأي.
الشخصية الثانية: هي شخصية السيد خالد حدادة أمين عام الحزب الشيوعي اللبناني الذي أطل وهو في قلب الطوشة ليقول للبنانيين الكلام الذي يبحث عن الحقيقة التي تؤدي إلى الخلاص المبني على الوحدة الوطنيةوالديمقراطية والأحرص على قوة لبنان واستقلاله وعروبته. وليس من الغريب أن يتفق سماحة السيد وأمين عام الحزب الشيوعي، ذلك أن الوطن والأمة وقضاياها هو مايملأ وجدانهما ويحرك فعلهما وقولهما.
فقد تنازل السيد خالد حدادة (وهو تعبير عن رأي حزبه وتيار له اعتباره) عن جميع الخلافات الطبقية والأيديولوجية مع المسؤولين سابقين ولاحقين مقابل وضع الوطن على سكة الوحدة لا الاحتراب والحوار لا التراشق، إذا عم الطيش ضاع الوطن وضاعت الديمقراطية، فهاهو الأممي الأكثر اهتماماً بالوطني وهاهو القائد الطبقي الأكثر حزماً ومبدئية بالديمقراطي وهذا ليس تكتيكاً ولاانتهازاً لظروف بل إدراكاً عميقاً للمسار التاريخي في الحالة الراهنة.
إن القضية الوطنية اللبنانية تتطلب في كل الظروف الحفاظ على النظام الديمقراطي الحر وعلى سلامة المقاومة وقوتها وأيضاً على سيادة القانون، إنها معادلة ليست صعبة عند وضع كل شيء في نصابه فلقد أكدت الدروس العراقية أن كل أشكال الصراع بالقوى العسكرية التقليدية محكومة بالهزيمة وأن المقاومة الوطنية هي السلاح الأمضى لمواجهة قوات العدو المتطورة، حركة المقاومة الوطنية اللبنانية وقوامها الرئيسي الآن حزب الله يجب أن تتسع وتتسع لا لتشكل ميليشيات تمثل قوى الطوائف على بعضها بل لتمثل قدرة الشعب اللبناني على الدفاع عن حريته واستقلاله في مواجهة إسرائيل التي تريد التوطين والتطويع والتي طالت أذرعها الممتدة والمتحدة مع الإمبريالية الأمريكية معسكراً ضخماً كالمعسكر الاشتراكي واستطاعت أن تفعل فيه مافعلت.
وحتى لانحمل إسرائيل والإمبريالية الأمريكية المسؤولية عن الوضع المرضي الذي نحن فيه، وأنهم يقومون بزرع الفتن وتعميم الاحتراب الوطني والقومي، فذلك مصلحتهم واستراتيجيتهم وذلك نجاحاتهم، فالرد يأتي منا نحن، فهل نستطيع أن تكّون بنية يصبح فيها الشخصي والفئوي والديني والقومي تمايزاً متكاملاً، وليس متعادياً ليعطي كل ماتتطلبه المقاومة لدحر العدو؟
تصبح فيه المقاومة ضمانة الوطن وضمانة الديمقراطية، وتصبح فيه الحرية حقاً مطلقاً للجميع يرتقي فيهم ليدرك الأهمية المصيرية للحفاظ على الحرية بالمقاومة وليس ضدها.
إن تجريد اللبنانيين من مقاومتهم وعزلهم عن أشقائهم ووسطهم العربي يعني تقديمهم بالجملة وموالين ومعارضين لقمة سائغة لإسرائيل.
حتى الآن استطاعت المقاومةبانضباطها وتواضعها الأخلاقي وعدم انخراطها في الخنادق الداخلية واحترامها للنظام العام، حيث لايسجل لها خلاقٌ واحدٌ لذلك، استطاعت أن تقوم بواجبها تاماً وسر نجاحها والحب العارم الذي يحيطها أنها مارست حق الكفاح دون انخراط في انتقام أو بطش أو تجزير، وتعاملت بأخلاقية عالية وبحزم لا مثيل له حتى مع الأعداء حتى في سياق المعارك..
إن المعادلة البسيطة الصعبة هي:
ديمقراطية تحافظ على المقاومة كوسيلة وحيدة للدفاع إزاء الهجوم الخارجي، مقاومة تشكل أساس استقلال لبنان ووحدته وضمان نظامه الديمقراطي وحصانة حرية وحقوق جميع فئاته، نظام يجعل جميع تفاصيل المجتمع مضمونة الحرية والكرامة.
■ محمد فاضل فطوم








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. في هذا الموعد.. اجتماع بين بايدن ونتنياهو في واشنطن


.. مسؤولون سابقون: تواطؤ أميركي لا يمكن إنكاره مع إسرائيل بغزة




.. نائب الأمين العام لحزب الله: لإسرائيل أن تقرر ما تريد لكن يج


.. لماذا تشكل العبوات الناسفة بالضفة خطرًا على جيش الاحتلال؟




.. شبان يعيدون ترميم منازلهم المدمرة في غزة