الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


دستور الإخوان:المقاطعة.. والشرعية

أحمد غريب

2012 / 12 / 3
مواضيع وابحاث سياسية


من المهم التفرقة بين دعوة النشطاء السياسيين للمقاطعة الإيجابية باعتبارها إجراءات متعددة للمقاومة تتضمن الاحتجاج، والعصيان، والتظاهر، وكشف عيوب ونواقص مضمون الوثيقة المقترحة كدستور، وكشف الابتزاز الذي يتعرض له الشعب لقبول نص معيب استأثرت بإنتاجه قوى بعينها، وتوعية الناس بكشف ما غاب عن المحتوى، والتضارب في مضمون المواد وضعف الرؤية السياسية والدستورية في مضمونه، والضغط السياسي بأشكال مختلفة من أجل إسقاط عملية تمريره، وصولاً إلى دعوة الجمهور غير المسيس إلى مقاطعة هذه الوثيقة بالمشاركة والتصويت بـ "لا"عليها حال تم التصويت بإشراف القضاء. وبين المقاطعة السلبية التي تعني دعوة الناس للامتناع عن التصويت.

وتكمن أهمية هذه التفرقة بين نوعين من المقاطعة في مجموعة أسباب وملابسات تحيط بالإجراء السياسي الباطل الذي تحاول فرضه جماعة الأخوان المسلمين مدعومة بتنظيمات سلفية، وسط معارضة من قوى سياسية متعددة منها قوى إسلامية التوجه:


أولاً: تنتمي المقاطعة بالامتناع عن التصويت إلى عصر وسياق سياسي مختلف كان التصويت فيه مقيداً بالبطاقة الانتخابية، وكان التزوير ومنع الناس من حرية الإدلاء بأصواتهم هو السائد، فكان الامتناع عن المشاركة، وتعزيز فكرة "الأغلبية الصامتة" هو الوسيلة التي تكشف زيف إدعاءات نظام ديكتاتوري بالديموقراطية.

ثانياً: إن المشاركة بالتصويت بـ "لا" هي ضمان وحماية للناشطين وللقوى السياسية التي ستواصل حملة إسقاط النص الدستوري المعيب في حال تمكن محمد مرسي من طرحه في استفتاء، وإقراره بأغلبية المصوتين بنعم.

ثالثاً: إن أقبال الملايين بعد الثورة على المشاركة والتعبير عن آرائهم عبر الصندوق سيظل سائداً، وستكون التوعية والتأثير على قرار المصوتين فرصة أوسع للتفاعل مع الرأي العام وإظهار اللون السياسي لمن يرفض الدستور، والطريقة الباطلة في إنتاجه، وأسلوب الابتزاز في وسيلة إقراره

رابعاً: عملية مقاومة ومقاطعة الدستور لا يجب أن تبدو كأنها معركة أخيرة، أو حاسمة، لذلك سيعزز تعاظم وزيادة المصوتين بـ "لا" من شرعية العاملين على إسقاطه حال تمكنت السلطة من انتزاع موافقة ما وإقراره، فالدستور لابد أن يكون توافقيا، ولا يمكن أن تمتد صلاحيته في ظل انقسام وعدم توافق. كما أن الفريق الداعي لٌرار هذه الوثيقة المعيبة هو من يحاول تصوير المعركة باعتبارها "معركة أخيرة" يليها استقرار مالي وسياسي، وهي رؤية قاصرة سياسية من مصلحة المعارضة كشفها.

خامساً: هناك صعوبة حقيقية في توصيل رسالة سياسية تعني "المقاطعة" عن طريق الامتناع عن التصويت فمصر بلد لاتزال المشاركة السياسية فيها في أول الطريق، ورغم تعاظم المشاركة من 4 إلى 8 ملايين مصوت قبل ثورة 25 يناير، لتصل إلى 20 مليون مع أول تصويت على استفتاء مارس 2011، ثم تقفز إلى أكثر من 25 مليون، رغم هذا التعاظم لاتزال كتلة تصويتية معتبرة لا تقل عن العشرين مليونا لا تشارك، لذلك يصعب ويتعذر توصيل رسالة المقاطعة عبر خيار عدم التصويت وسط حجم هذا الغياب، إذ يحتسب كل من لم يشار كـ "غائب" وليس كـ "مقاطع"، وهو عامل لا يحمي الناشطين في الشارع بأساليب الاحتجاج المختلفة كالإضراب والتظاهر والاعتصام. الغياب أو تماهي الموقف السياسي مع الغائبين السلبيين لن يصب في مصلحة حماية النشاط المعارض للقوى الديكتاتورية التي ستتبجح وتدعي أن السكوت علامة الرضا


سادساً: هناك انقسام حقيقي في الشارع، ورغم اعتيادية التصويت بنعم، والابتزاز السياسي وراء إجراءات تمرير الوثيقة، إلا أن المعارضة تجمع أطيافاً وشرائح متعددة، منها ما يرفض الإجراءاتـ ومنها ما يرفض التيار السياسي الذي يقوم بالابتزاز، ومنها ما يرفض الرئيس نفسه، ومنها ما يرفض مواصلة دعم الإخوان والسلفيين بعدما كان قد دعم مرة أو اثنتين في جولات انتخابية قريبة، ومنها ما يريد توازنا سياسيا. وهو ما يبشر بنتائج غير معتادة نظراً لأن درجة ونوعية الانقسام في الشارع غير معتاد بالفعل.


سابعا: إن شرعية النص الدستوري لن ينتقصها غياب "مليون مصوت" لو فرضنا نجاح دعوة الامتناع عن التصويت في ذلك، بقدر ما ستنتقص بقوة من خلال حضورهم وتصويتهم بالرفض، سكون ذلك عاملاً لإسقاط سريع للنص غير التوافقي. فذا كان دستور 1923 نفسه الذي يعد علامة مضيئة في تاريخنا وكان موضع توافق عريض من الشعب، كان قد عابه بعض المحتوى مما تطلب تعديله عام 1926 بتعديلات اعتبرها الفقهاء السدتوريون بمثابة دستور جديد (يطلق البعض مسمى دستور 1926 عليها بالفعل) فإن نصا كالذي يحاول الإخوان المسلمون التعسف في تمريره وابتزاز الناس لإقٌراره من شأنه ان يتهاوى بسهولة حال تمريره.


ثامنا، المشاركة وعدم فوز الاتجاه الذي منحته صوتك لا يعني الهزيمة، وهذا جوهر الديموقراطية الذي يتحتم علينا شرحه وتعليمه للجمهور غير المسيس خلال مرحلة التحول الديموقراطي التي نعيشها والتي تستغرق في العادة 10 سنوات. فالفائز يتحتم عليه التزامات سياسية تجاه الخاسر، وإلا فمن حق الخاسر رفض سياسيات الفائز تماماً، ومناهضتها ومقاومتها، وفي حال نجاح القوى الديكتاتورية في تمرير وثيقتها الدستورية واحتكار وتحصين سلطة انتاج التشريع عن طريق مجلس الشورى كبديل لمجلس الشعب (النواب في الوثيقة) فهي تكون بذلك قد منحت شرعية مثالية لكل أشكال الاحتجاج خارج قاعات البرلمان وقاعات القضاء أيضاً؛ كل أشكال الاحتجاج السلمي في الشارع، وهو مأزق لا تستطيع حكومة محمد مرسي تجاوزه عن طريق فتح حوار مجتمعي حقيقي في ظل أدائها المتعنت والموسوم بالاستحواذ، لذا يمثل إعلاء صوت الرافضين للوثيقة عاملاً مساعداً بشكل حيوي في منح شرعية للمعارضة.


إن دعوة لناس للعودة مرة أخرى لخانة "الأغلبية الصامتة" هو أسوأ خيار سياسي في ظل الظرف السياسي الحالي، بينما دعوتهم للمشاركة واتخاذ موقف سياسي معين داعم لرؤية سياسية معينة تسعى لتوازن لا للاستحواذ هو الطريق المثالي الصحيح لاكتساب ثقتهم، ولبناء أرضية سياسية داعمة لموقف السياسي للمعارضة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. غزة.. الجيش الإسرائيلي يدعو السكان لإخلاء شرق رفح فورا


.. إسرائيل وحماس تتمسكان بموقفيهما ولا تقدم في محادثات التهدئة




.. مقتل 16 فلسطينيا من عائلتين بغارات إسرائيلية على رفح


.. غزة: تطور لافت في الموقف الأمريكي وتلويح إسرائيلي بدخول وشيك




.. الرئيس الصيني يقوم بزيارة دولة إلى فرنسا.. ما برنامج الزيارة