الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


6 - انصهار المدرستين وبزوغ المدرسة النحوية البغدادية

كريم مرزة الاسدي

2012 / 12 / 4
الادب والفن


6 - انصهار المدرستين وبزوغ المدرسة النحوية البغدادية
مدخل لـ " نشأة النحو العربي ..."
(الأخيرة)
كريم مرزة الاسدي
لقد سيطرت المدرسة البغدادية منذ بداية القرن الرابع الهجري , وطغت على المدرستين السالفتين الكوفية والبصرية , ولا نعني من حيث الرقعة المكانية , فبغداد كانت ساحة للكوفيين من أيام المهدي , وعهد الرشيد ,ثم أصبحت حلبة السباق والتنافس بين الكوفيين والبصريين خلال عهدي الواثق وأخيه المتوكل , وإنما نفصد سيطرة العقلية البغدادية , وهيمنة الفكر البعدادي ومجتمعه , فلم تعد هنالك هيمنة لأحد على أحدٍ, بل لم يعد النحو بحد ذاته لب الصراع ومحور التنافس , وأساس المصالح ,لذلك خف بريقه , وقل خيره المادي , ولكن نم ينقص شعاعه المعنوي , فما زال هو المرتكز الأساسي للأديب والشاعر والفيلسوف والفقيه والعالم , والقاسم المشترك لكل مؤلف ومصنف يحترم لغته ويعتز بأمته .
لمهم لم يعد النحوي البغدادي يهتم كثيراًللتفريق بين النحويين وعمّن يأخذ نحوه , والحقيقة أن أبا إسحاق إبراهيم ابن الشري الذي كان يخرط الزجاج, ولقب بـ (الزجاج) , ولد وتوفي في بغداد (ت 316 هـ / 928م), عالم باللغة والنحو , وعلـّم القاسم بن عبيد الله وزير المعتضد الذي سمَّ ابن الرومي , ولابن الرومي يذكر الزجاج عندما كان يقول له في مجلس الوزير القاسم اخرج وافسح المجال لغيرك !! :
ليت شعري عن الفراسي والزجـْ ***ـجاج هل يرعيان مني الإخاءَ ؟
فيقولان : إنّ موضع مــــــولا **** كَ عميراً أشـــف ُّ منهُ خلاء
يا لقوم ٍأأثقلَ الأرض شخصيَ **أم شكتْ من جفاء خلقي امتلاءَ؟ (116)
هذا السيد الزجاج ترك شيخه ثعلباً في حياته عندما سحره المبرد بمنطقه وتحليلاته , ولمّا لاموه على تركه ثعلباً إلى رجل مجهول غير معروف لدى البغداديين قائلين : " تأخذ عن مجهول لا تعرف اسمه وتدع من هو شهر علمه وانتشر في الأفاق ذكره ؟ فقال لهم : لست أقول بالذكر والخمول ولكني أقول بالعلم والنظر " (117) , وانتهت رياسة النحو في بغداد إلى هذا الرجل الزجاج بعد المبرد , , وأصبح يدرس المذهبين حتى توفي في بغداد بالتاريخ المذكور سالفاً , وكذلك كان أبو الحسن محمد بن أحمد بن كيسان ( ت 299 هـ / 911م) (118) كان بصرياً كوفيأً يحفظ القولين , ويعرف المذهبين , لأنه أخذ عن المبرد وثعلب " وكان أبو بكر بن مجاهد المقري يقول : أبو الحسن بن كيسان أنحى من الشيخين - يعني ثعلباً والمبرد - ومزج النحوين , فأخذ من كل واحد منهما ما غلب ظنه صحته " (119) , ويستطيع الباحث المتتبع أن يستطلع على ما له قد وافق به الكوفيين في كتاب (المدرسة البعدادية ...) رسالة الدكتور محمود حسني (120) , ومثلهما أبو بكر محمد بن سراي ابن السراج النحوي (ت 316 هـ /928 م) , أخذ عن المبرد , كان ثقة , قد ألف كتاب (الأصول) , انتزعته من أبواب (كتاب سيبويه) إلا أنه عول عليه على (مسائل الأخفش) ومذاهب الكوفيين , وخالف أصول البصريين في أبواب كثيرة, وروى عنه أبو القاسم عبد الرحمن الزجاجي , وأبو سعيد السيرافي , والزجاجي المذكور قد لازم الزجاج الأول وأخذ منه , فنسب إليه , ولله في خلقه شؤون , وكان منهجه وسطاً , فلا يفضل نحواً على نحو إلا بالصواب , توفي المنسوب في دمشق ( 337 هـ / 949 م) , له كتابان (المجمل في النحو) و (الإيضاح في علل النحو) (121).
إذن المدرستان قد شرعتا بالتلاشي , أو بكلمة أدق بالإنصهار تدريجياً لتتركب منهما سبيكة واحدة , طليت بمصطلحات المدرسة البصرية , ولكن الدكتور حسني يرى في (مدرسته البغدادية)أن بعض النحويين ظلت لديه ميول نحو إحدى المدرستين , ولا نرغب في تعداد أعلام البغداديين الكوفيين , البغداديين البصريين منعاً لللإطالة والملل , المهم أن المدرسة البغدادية انتخابية خلطت بين المدرستين السالفتين , وأخذ المجددون من الكوفيين والبصريين دون تميز أو تعصب إلا أبا بكر بن الأنباري الذي ترسم خطا الكوفيين , إذ تأثر يأستاذه أبي العباس ثعلب , بل عرف بتعصبه لمدرست,ه , ونقوله الكثيرة من شيوخها
الشيخ الطنطاوي في ( نشأة النحو ) يصنفهم إلى من غلبت عليه النزعة البصرية كالزجاج وابن السراج والزجاجي وابن درستويه ,, وممن غلبت عليه النزعة الكوفية كأبي موسى الحامض و ابن الأنباري , وممن جمع بين النزعتين , وممن جمع بين النزعتين كابن قتيبة وابن كيسان والأخفش الصغير وابن شقير وابن الخياط ونفطويه (122) .
ومن وجهة نظرنا من كان يتمع بقوة الحافظة , وحفظ الروايات وتشعبها , والأقتناع بشواذها حسب أقرب إلى المدرسة الكوفية كابن الأنباري , ومن كان يتفلسف تحليلاً ويتكلم منطقاً بقياس كالزجاج حسب على المدرسة البصرية , ومن جمع الطريقتين واجتهد , صعب تحديده , فنسب إلى مدرسة جديدة , هي المدوسة البغدادية , ومن الجدير ذكره أن أغلب المصطلحات الكوفية استبدلت بالمصطلحات البصرية وذلك لأقدميتها , ودقة توافقهاللتعبير عن المضامين النحوية , بالرغم من أن هذه المضامين كادت أن تكون واحدة لدى المدرستين , يقول الزجاجي في (إيضاحه) , " إنما نذكر هذه الأجوبة عن الكوفيين على حسب ما سمعنا مما يحتج به عنهم من ينصر مذهبهم من المتأخرين , وعلى حسب ما في كتبهم إلآ أنّ العبارة عن ذلك بغير ألفاظهم والمعنى واحد " (123) , ويكرر استخدامه للمصطلحات البصرية عندما يحتج للكوفيين قائلاً " وأكثر ما أذكره من احتجاجات الكوفيين إنما أعبر عنها بألفاظ البصريين " (124) .
والغرض من توحيد المصطلحات تسهيل الدراسة ,, وتعميم الفائدة , ثم أن بعض المصطلحات الكوفية جاءت من بعد لردود أفعال غير مدروسة ضد البصريين , وحدث العكس أحياناً أمثلة :
1 - مثل (قائم) عند البصريين (اسم فاعل) , وعند الكوفيين (فعل دائم)
2 - أسماء الأفعال ماضية مثل (هيهات) , مضارعة مثل (آه) , أمر مثل (صه) , عند الكوفيين أفعال حفيفية يجوز تنوينها .
3 - حروف المعاني عند البصريين مثل (بل)و (هل) ..., يطلق عليها الكوفيون (أدوات) والحق معهم لكي يفرقونها عن حروف الهجاء.
4 - المصطلحات المعنوية كـ (الخلاف) لنصب الظروف , و(الصرف ) لنصب المفعول معه عند الكوفيين حذفت لا توجد عند البصريين ,عللت بتأويلات أخرى .
5 - ونوجز عند البصرين : اسم الإشارة ,الضمير , ضمير الفصل , المفاعيل (المطلق , لأجله ,فيه ,معه) , الظرف , البدل , التمييز , الصفة , حروف النفي , لام الأبتداء , العطف , مبني للمجهول , واو المعية , التنوين , الجر , حروف الجر , الحال , ...إلخ , عند االكوفيين : التقريب , المكنى ,العماد , أشباه مفاعيل , الصفة أو المحل , الترجمة , التفسير , النعت , حروف الجحد , لام القسم , النسق , لم يسم فاعله , واو الصرف , النون , الخفض , الإضافة , القطع ... إلخ , وهنالك مسائل خلاف بين المدرستين في الإعراب وفلسفته , والصرف واشتقاقه , بقى لدينا كتابان يعتمد عليهما , قابلان للنقاش والتمعن والتأمل لمسائل الخلاف والبقية انقرضت , الأول لأبي البركات ابن الأنباري (ت 577 هـ / 1181م ) وكتابه ( الإنصاف في مسائل الخلاف ) , وبالرغم من أنّه تبرع أن يفرض على نفسه ميثاق العدل والإنصاف للحكم بين المدرستين قائلاً : "واعتمدت في النصرة على ما أذهب إليه من مذهب أهل الكوفة أو البصرة على سبيل الإنصاف , لا التعصب والإسراف " (125) , ولكنه لم يكن منصفاً , ولم يستطع إمساك نفسه من نصرة أصحابه أهل البصرة , فقد تعصب وأسرف تحت لذة التفلسف وسيطرة أهواء المنطق , فمن بين "121" مسألة طرحها لم يرجّح إلا سبع مسائل للكوفيين , وهي المسائل ذوات الأرقام , (10) حول سبب رفع (لولا ) لما بعدها , و (18) إذ لم يجز الكوفيون تقديم خبر( ليس) لأنها فعل غير منصرف , و(26) وتدور حول اللام الأولى في (لعل) أنها أصلية فوافقهم عليها , ورقم (70) إذ ذهب الكوفيون إلى أنه يجوز ترك صرف ما ينصرف في موضوع الشعر , وذهب البصريون إلى أنه لا يجوز , فوافق الكوفيين , وللمتنبي أبيات من الشعر على رأي الكوفيين في هذه المسألة ومسائل أخرى حتى أنه حسب عليهم , والجواهري سار على درب سلفه المتنبي في أبيات من شعره ومنها هذه المسألة , وفي المسألة (97) وافق الكوفيين في أنّ الياء والكاف في (لولاي , لولاك) في موضع الرفع , لا في موضع جر كما قال البصريون , وفي (101)أصرّ الكوفيون على أن الاسم المبهم نحو (هذا و وذاك) أعرف من الاسم العلم , فلا يعرف إلا بالقلب , والمسألة رقم (106) جوّز الكوفيون على نقل حركة الفتح للاسم المنصوب المعرف بـ (الـ) إلى الحرف الساكن ما قبل آخره نحو ( رأيت البكـَرْ), ومثلها في حالتي الرفع والخفض مثل (هذا البكـُرْ , و مررتُ بالبكِرْ) وذلك لعدم التقاء الساكنين , والبصريون لا يوافقون على نقل الفتحة , فالأنباري وافق الكوفيين في هذه المسائل السبع فقط من أصل "121" مسألة , وهذا ليس بإنصاف بل إجحاف .إذ اعتمد على الفلسفة والمنطق في حكمه , وهذا منهجه البصري منذ مطلع دراسته , فكيف ينصف يا منصف ؟!! (126) وهكذا ذهب الطنطاوي في (نشأته) , ود . المخزومي في (مدرسته) و د. العثيمين في (تحقيقه ...) (127) . والكتاب الثاني لأبي البقاء العكبري ( ت 616 هـ / 1219 م) , وكتابه ( التبيين عن مذاهب النحويين البصريين والكوفيين) , يشتمل على على خمس وثمانين مسألة من ( الكلام والكلمة) بداية حتى (ترخيم الرباعي) نهاية , ذكر فيه مسائل خلافية عامة وعددها ثمان وعشرون مسألة , وبعض مسائل خلافية بين البصريين والكوفيين تفرد بذكرها العكبري وعددها مسألتان "المسألتان رقم 27 - 28" , ومسائل خلافية بين المدرستين النحويتين ذكرها العكبري كما ذكرها ابن اٌنباري وعددها خمس وخمسون مسألة , ولم يكن أبو البقاء أكثر إنصافاً من صاحبه ابن الأنباري , لأن العصر لا يحتمل الوقوف مع الروايات السماعية و اللغات العفوية أمام الفلسفة الكلامية , والحوارات المنطقية , وعذر العكبري معه , لأنه لم يرشح نفسه حكماً عدلاً بين الفريقين وأحصى الدكتور العثيمين في تحقيقه لكتاب (التبيين) سبعة عشر كتاباً قد ذكرت في بطون المصادر , وكلها تبحت في موضوع الخلاف بين المدرستين (128)
اجتهد البغداديون , وتحيروا أحياناً أي شيء يفضلون حسب تفكيرهم وإبداعاتهم , وأتلف الزمان ما أتلف من التصانيف الكوفية كـ (معاني القرآن) للفرّاء , و (مجالس ثعلب) , و (التبيان في شرح الديوان ) شرح ديوان المتنبي , ولو أنه منسوب خطأً إلى أبي البقاء العكبري .. هذه الحلقات هي مدخل من كتابي " نشأة النحو العربي ومسيرته الكوفية - مقارنة بين النحو البصري والنحو الكوفي " يوضح بإيجاز ما بذله الأجداد والأحفاد في سبيل رفعة وديمومة لغتنا الجميلة و آدابها , ومن أراد التوسع والتعمق عليه مراجعة الكتب والمصادر ذات الاختصاصالرصينة والموثوقة , والله فوق كل ذي علم عليم وأعلم .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ليه أم كلثوم ماعملتش أغنية بعد نصر أكتوبر؟..المؤرخ الفني/ مح


.. اتكلم عربي.. إزاي أحفز ابنى لتعلم اللغة العربية لو في مدرسة




.. الفنان أحمد شاكر: كنت مديرا للمسرح القومى فكانت النتيجة .. إ


.. حب الفنان الفلسطيني كامل الباشا للسينما المصرية.. ورأيه في أ




.. فنان بولندي يتضامن مع فلسطين من أمام أحد معسكرات الاعتقال ال