الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


شعبان - دولتان

يعقوب ابراهامي

2012 / 12 / 4
القضية الفلسطينية


صفعة مدوّية أنزلتها "فلسطين" بإسرائيل الرسمية أثلجت قلوب كل الذين ينادون بحل الدولتين.
هزيمة اسرائيل الرسمية في هيئة الأمم المتحدة، وفي المحافل الدولية، هو انتصار لقضية السلام الإسرائيلي-العربي.
العالم كلّه، بمبادرة الممثّل الشرعي للشعب العربي الفلسطيني، أعلن أنه في الحيّز الجغرافي الممتد من البحر إلى النهر هناك مكانٌ (أو ربما من الأصح أن نقول: لا زال هناك مكانً) لدولتين: دولة للشعب اليهودي ودولة للشعب العربي الفلسطينى. هذه هي بارقة أمل وخطوة نحو المصالحة التاريخية الكبرى بين الحركة القومية اليهودية-الصهيونية والحركة القومية العربية-الفلسطينية

"هذا هو يوم فرحة. فرحة للشعب الفلسطيني. فرحة لكل الذين يأملون أن يحل السلام يوماً بين دولة اسرائيل والعالم العربي. وبكل تواضعٍ أقول: هذه هي فرحتي الشخصية أيضاً" - كتب في موقعه الألكتروني أوري أفنيري الذي حارب، وجُرح، في حرب الإستقلال عام 1948، ومنذ ذلك الحين يقف في الصفوف الأماميّة في النضال من أجل السلام بين اسرائيل وفلسطين.
"في خضم معارك حرب عام 1948، الحرب التي بدأها الفلسطينيون على أثر قرار التقسيم، توصّلتُ إلى القناعة أن هناك شعباً فلسطينيّاً وأن إقامة دولة فلسطينية هو شرطٌ مسبقٌ للسلام" - كتب أوري أفنيري.

الجمعية العامة لهيئة الأمم المتحدة صوتّت بأكثرية ساحقة إلى جانب الإعتراف (وإن يكن اعترافاً جزئيّاً) بدولة فلسطين. مشروع القرار الذي صوتت عليه الجمعية العامة يوم 29 نوفمبر عام 2012، بموافقة كل الدول العربية، يكاد أن يكون صيغة طبق الأصل لمشروع القرار الذي وافقت عليه الجمعية العامة، بمعارضة كل الدول العربية، في نفس هذا اليوم قبل 65 عاماً. خمسة وستون عاماً ذهبت هباءً، تقلّص خلالها حجم الدولة الفلسطينية المقترحة وسالت دماءٌ غزيرة من كلا الشعبين. خمسة وستون عاماً قضاها الفلسطينيون في "التمسك بالثوابت الوطنية المقدسة التي لا يحق لأحدٍ التنازل عنها"، وقضتها إسرائيل في استغلال حماقات وأخطاء الجانب الفلسطيني وابتلاع المزيد من الأراضي الفلسطينية (عندما أقرأ اليوم في أدبيات الحزب الشيوعي العربي في إسرائيل مقالات جوفاء ومتحمسًة عن "الإستعمار الأمريكي وربيبته الصهيونية" أنا أسأل نفسي: هل تعلًم هؤلاء شيئاً من التاريخ؟)

لو كنتُ أنا محمود عبّاس لما اكتفيتُ، في الخطاب أمام الجمعية العامة، بالإعلان عن تأييدي لمشروع حل الدولتين بل لأعلنت صراحةً أمام العالم كله، من على منبر الأمم المتحدة، ما هو شكل الدولتين الذي أبغي تحقيقه: دولة يهودية ديمقراطية ودولة عربية ديمقراطية، دولة يهودية تمثل حق الشعب اليهودي في تقرير مصيره ودولة عربية تمثل حق الشعب العربي الفلسطيني في تقرير مصيره.
كنتُ أفعل ذلك إن لم يكن لسببٍ آخر فعلى الأقل لكي أُسقِط القناع من على وجه أكبر مخادعٍ محتال عرفه تاريخ اسرائيل، هو بنيامين نتنياهو. كبير المراوغين هذا، الذي لم يدع حيلةً لم يستخدمها من أجل تقويض عملية السلام بين اسرائيل وفلسطين، يقول للقيادة الفلسطينية اليوم، بصفاقةٍ لا حدود لها، على لسان ممثله الهزيل في هيئة الأمم المتحدة (لم يجرأ نتنياهو على الحضور بنفسه): يدنا ممدودة للسلام معكم لكن عليكم أن تعترفوا أولاً أن اسرائيل هي دولة الشعب اليهودي (كأنما اسرائيل في حاجة إلى شهادةٍ من أحد أنها دولة الشعب اليهودي). والقيادة الفلسطينية تقع في الفخ الذي ينصبه لها هذا المحتال.
لم أفهم أبداً لماذا ترفض القيادة الفلسطينية المسؤولة الاعتراف بإسرائيل دولة يهودية. أليس هذا بالضبط هو ما نصّ عليه قرار التقسيم الذي استند إليه محمود عباس عندما جاء إلى الأمم المتحدة بطلب العضوية (غير الكاملة)؟ قرار التقسيم نصّ بالحرف الواحد على إقامة دولتين: دولة يهودية ودولة عربية. لماذا تعارض القيادة الفلسطينية إذن مصطلح الدولة اليهودية وتعطي سلاحاً بيد أعداء التفاهم بين الشعبين؟ هل هناك إنسانٌ عاقلٌ واحدٌ في العالم لا يعرف أن اسرائيل هي ليست دولة الأسكيمو بل دولة الشعب اليهودي؟ أم إنهم يريدون أن يقيموا دولتين: واحدة يهودية-عربية وأخرى عربية فقط؟ (هل يجب أن نؤكد للمرّة المليون أن دولة يهودية ليس معناها دولة الشريعة اليهودية؟ وإن دولة يهودية ديمقراطية هي يهودية بمعنى أنها دولة يمارس الشعب اليهودي في إطارها حقه في تقرير مصيره، وهي ديمقراطية بمعنى أنها دولة كل مواطنيها؟)

لو كنتُ أنا محمود عباس لما عرضتُ، في خطابي أمام هيئة الأمم المتحدة، ، تاريخ الصراع الإسرائيلي-العربي بصورةٍ مشوّهة تضع كل الشر في الجانب الإسرائيلي وكل الحق في الجانب العربي. العرب في نهاية الأمر هم الذين رفضوا قرار التقسيم (إلى هذا لم يشر الرئيس محمود عباس في خطابه)، هم الذين أعلنوا الحرب على الدولة العبرية وهم الذين يتحملون جزءً كبيراً من المسؤولية في "النكبة" التي حلّت بعرب فلسطين. لو أن الزعامة الوطنية الفلسطينية وافقت في حينه على قرار التقسيم وأقامت في 15 أيار 1948 دولة فلسطين، كما فعلت الزعامة الوطنية اليهودية (الوكالة اليهودية وقيادة ال"يشوب") عندما أقامت دولة اسرائيل، لما حلّت "النكبة" ولما نشأت قضية اللاجئين.
جمال عبد الناصر هو الذي حشد الجنود في سيناء، عام 1967، من أجل "تحرير" فلسطين وأحمد الشقيري هو الذي أراد أن يرمي اليهود في البحر. لولا ذلك لما ابتلعت اسرائيل كل الضفة الغربية (لما حلّت "كارثة تاريخية كبرى" بإسرائيل، على حد تعبير يشعياهو لايبوفيتس) ولما نشأت مشكلة لاجئين جديدة.
وكيف يمكن لمسؤول فلسطيني رفيع المستوى أن يهاجم "العدوان" الإسرائيلي الأخير على غزّة دون أن يشير ولو بكلمة واحدة إلى أن غزة يحكمها حزبٌ إسلامي ينص ميثاقه الأساسي على أن القضاء على إسرائيل هو واجب تحتمه الشريعة الإسلامية؟
(في كلمة "الترحيب" بخطوة الرئيس الفلسطيني قال اسماعيل هنية رئيس حكومة غزة: "نرحب بهذه الخطوة ولكن على قاعدة الإلتزام بالثوابت نحو فلسطين، على قاعدة عدم الإعتراف بإسرائيل، عدم التنازل عن شبرٍ واحدٍ من فلسطين . . . كل فلسطين، من البحر إلى النهر، من شمالها إلى جنوبها، ومن شرقها إلى غربها").

الضحايا، يا سيدي الرئيس، وقعت من كلا الجانبين، ولكل طرفٍ قائمة طويلة من الحساب. وأمٌّ إسرائيلية تفقد إبناً واحداً تتألم بالضبط مثل أمٍّ فلسطينية تفقد خمسة من أبنائها دفعةً واحدة. (ولماذا ابتسمت أحلام التميمي؟)

لكننا ننظر إلى المستقبل. وكلمات الرئيس الفلسطيني، أمام العالم كله، حول "مصالحة تاريخية تطوي صفحة الحروب" هي بارقة أملٍ كبيرة.
"لم نأت لنزع الشرعية عن دولة قائمة هي اسرائيل" – قال الرئيس الفلسطيني – "بل أتينا نطلب الشرعية لدولةٍ يجب أن تُقام سريعاً هي فلسطين".

"لقد قطعت، سيدي الرئيس، شوطاً بعيداً. إسمح لي، بإسم شعب اسرائيل، على اختلاف ألوانه وأطيافه، أن أحييك وأحيي رفاقك. تعال نقول بصوتٍ عالٍ: أن هناك في منطقتنا الجغرافية مكان لدولتين – دولة للشعب اليهودي ودولة للشعب الفلسطيني. في أيدينا – في يدك سيدي الرئيس – مفتاح الحل" – هكذا، في رأي البروفسور شلومو أفينيري ("هآريتس" 4/12/12)، كان يجب أن ينهي رئيس الحكومة الإسرائيلية خطابه المفترض في هيئة الأمم المتحدة تأييدا لقرار مشروع الإعتراف بدولة فلسطين.
لكن بنيامين نتنياهو لم يلقِ هذا الخطاب. لأن هذا الخطاب يتطلب شجاعة ورؤية تاريخية لا تتوفّر في مراوغ من الدرجة الأولى.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. جيل الشباب في ألمانيا -محبط وينزلق سياسيا نحو اليمين-| الأخب


.. الجيش الإسرائيلي يدعو سكان رفح إلى إخلائها وسط تهديد بهجوم ب




.. هل يمكن نشرُ قوات عربية أو دولية في الضفة الغربية وقطاع غزة


.. -ماكرون السبب-.. روسيا تعلق على التدريبات النووية قرب أوكران




.. خلافات الصين وأوروبا.. ابتسامات ماكرون و جين بينغ لن تحجبها