الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


رسائل قصيرة من بغداد-2 (حوار في موضوع المقاومة)

جاسم ألصفار
كاتب ومحلل سياسي

(Jassim Al-saffar)

2012 / 12 / 4
مواضيع وابحاث سياسية


رسائل قصيرة من بغداد-2
حوار في موضوع المقاومة

الدكتور جاسم ألصفار



في السياسة كما في الفكر، مدارس لها غاياتها ولها مناهجها، هذا كان منذ ألأزل ولا ضير. الإشكال هو في التعصب السياسي الذي يقوم على مبدأ اقناع الآخرين باستخدام جميع الوسائل المتاحة، بما فيها اعطاء مضامين أخرى للحدث وتسويقه فيما بعد ليخدم ذات الغايات وتلك المناهج. والتعصب هنا لا يعني بالضرورة الانتماء الى حزب بعينه، فهو هنا بمعنى الانحياز اللامحدود لتوجه سياسي يفرض على ألبعض من الأصدقاء قراءة انتقائية للواقع، قد لا تبتعد في مضامينها واستدلالاتها وتوجهاته عن الإطار ألمحدد للحملة ألظالمة ألتي تشنها وسائل اعلام تابعة لقوى منزوعة الإرادة كتيار ألمستقبل اللبناني وحلفائه في لبنان والمنطقة ضد ألمقاومة اللبنانية والفلسطينية. ومع ان مثال الحرب على لبنان عام 2006 يبقى مثالاً معبراً ومعلماً، وهو بلا ادنى شك صفحة مشرقة من التاريخ البطولي لمقاومة المشروع الصهيوني في المنطقة، لا تقلل من شأنها حقيقة ان الثمن الذي دفعه لبنان في تصديه للعدوان كان باهضاً للغاية. وأن سجل المقاومة تاريخ متواصل تتنوع وتتكامل حلقاته، الا أني سأكتفي هنا بالحوار في الشأن الفلسطيني وتحديداً في حرب الأيام الثمانية ألأخيرة.

وبالعود للموضوعة ألتي توقف عندها بعض الأصدقاء في وسائل الاعلام المختلفة ، الورقية والإلكترونية بما فيها مواقع ألتواصل ألاجتماعي. أي تسمية ألنصر والهزيمة في قراءة العدوان الاسرائيلي ألأخير على قطاع غزة ومحاكمة اسلوب رد المقاومة الغزاوية بكل فصائلها على العدوان. لا بد هنا من التأكيد على أن كلا الاصطلاحين، أي ألنصر أو ألهزيمة، نسبي وليس من ألمعقول تعريفه الا في حدود ملابسات كل حدث بعينه. ففي العدوان ألأخير على غزة لم يتوقع أحد من الغزاويين دخول تل أبيب أو تحرير القدس معياراً للنصر! كما أنه من غير ألمعقول خوض معركة مع عدو يملك أعتى وأحدث آلات الحرب ويقوم على ايديولوجية عنصرية وفكر عسكري تدميري دون أن يتوقع دمار في البنى ألتحتية وفي منظومة ألمقاومة ألبشرية والعسكرية. وعليه فان مسار ونتيجة العدوان ألأخير على غزة وبتفاصيل يومياته التي تعترف بها وسائل اعلام غير صديقة، وفي حدود ميزان القوى القائم بين أطراف ألنزاع، تفرض على ألمتابع ألمنصف توثيق موقف ألمقاومة في أبعاده ألسياسية والعسكرية كرد جريء وبطولي يؤسس لخطوة في الاتجاه ألصحيح على طريق شاق وطويل نحو حل عادل للمسألة الفلسطينية. وأنا أترك للقارئ ألمهتم بالحدث ألمعني متابعة ما نشرته وتنشره وسائل الاعلام الاسرائيلية من تقييمات للمعركة تتهم فيها حكومة نتنياهو بالجبن والتخاذل امام الفلسطينيين. ومن بين من نزع صفات النصر عن جيش اسرائيل مستشار الامن القومي السابق لنتنياهو، البروفيسور عوزي أراد ألمعروف بتطرفه اليميني، وذلك في تصريح له لموقع "معاريف" الالكتروني.
هناك من يحاجج وكأن الفلسطينيين هم من بداً المعركة! وأنهم كانوا بالتالي مغامرين عبثيين، دخلوا معركة لم يستعدوا لها، لا من ناحية التسليح ولا من جهة توفر ألمعلومات الاستخباراتية الضرورية لا دارة المعركة بنجاح. وهذا افتراض تنفيه وقائع العدوان في الأيام الثلاثة الأولى حيث ضنت اسرائيل بانها قد شلت كل قدرات الفلسطينيين على مقاومة جادة واستخدام صواريخ متوسطة المدى. ولكن فصائل المقاومة الفلسطينية، وليست الحمساوية فقط، بادرت الى تصعيد وتائر الرد ومواصلة المقاومة ببسالة. هذا علماً بان اسرائيل ما كانت لتبادر بالعدوان لولا ادراكها بان المعادلة هي بالكامل لصالحها. فهي وحدها القادرة على رفع مستويات استعدادها وتحديث آلتها الحربية بكل حرية في وقت انشغلت فيه المنطقة بما يسمى بالربيع العربي الذي استهلك كل طاقاتها. وان الحمساويين المحاصرين في غزة، كانوا في هذا الوقت متورطين كفصيل اخواني بالأحداث في سوريا. حتى ان الداعية الاسلامي السوري المعارض عدنان العرعور أقسم على الاثير في احدى القنوات التابعة للمملكة السعودية بان حماس لم تبادر بإطلاق الصواريخ على اسرائيل لأن ذلك لا يتوافق حسب قوله، ومصالح المعارضة السورية المسلحة.

من يتذكر منا الحرب ألبطولية ألتي خاضها ألفيت كونغ في معركة التحرير ضد أقوى دولة في ألعالم في ستينات القرن الماضي (رغم ألفارق) يذكر جيداً تلك الكتابات ألمتشائمة التي نشرت في منطقتنا ألعربية عن ألهزيمة ألمحتمة لفيتنام وعن الانتصار ألمحقق للأمريكان، ومنها للأسف دراسة أعددتها أنا في ذلك الوقت، لتصبح فيما بعد واحدة من وثائق مؤتمر فصيل يساري من فصائل ألمقاومة ألفلسطينية في بغداد نهاية الستينات. هذا كان قبل أن تتكلل انتصارات ألمقاومة ألفيتنامية، والتي كان يسميها بعض الكتاب بالعبثية، بالنصر المؤزر على أمريكا. وليست فيتنام المثال الوحيد لانتصار الارادة والامل على العنجهية والاستكبار، فالأمثلة كثيرة بما فيها من منطقتنا ألعربية، لا يتسع المجال هنا لذكرها. على ان الفكرة ألأساسية ألتي أتمنى أن يستوعبها الأصدقاء قبل الأعداء هي أن ألطريق لحل عادل للقضية ألفلسطينية- الإسرائيلية ما زال شاقاً وطويلاً لا وهم فيه للتحالفات الاستراتيجية ولا للعقلية الانعزالية الانهزامية. وان فصائل ألمقاومة الفلسطينية اليوم باتت في وضع يفرض عليها سقف معقول لانتصاراتها، قد يكون في بعض المعارك مجرد الصمود ألسلبي فما بالكم بمعركة يكون نتيجتها اذلال العدو وتبديد ثقته بتفوقه المطلق ولجم قدرته على العدوان وتحديد وسائله في الارهاب وقتل قادة ورموز ألمقاومة متى شاء واين شاء وكيف شاء.

واحدة من تداعيات الرد ألموجع والحاسم من قبل ألمقاومة ألفلسطينية الغزاوية على العدوان الإسرائيلي ألأخير، تتجلى هنا في تغير لهجة ألعدو في تعاطيه مع موضوعة كانت تستفزه كثيراً، وهي موضوعة طلب عضوية الأمم ألمتحدة ولو بصفة عضو مراقب، وتراجعه عن تهديداته بالعقوبات ألمالية والسياسية وغيرها اذا ما أصرت رام ألله على الحصول على العضوية. فقد أعرب إيهود أولمرت، رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق، عن عدم معارضته للمسعى الفلسطيني أمام الأمم المتحدة للحصول على صفة عضو مراقب فيها، قائلا: “إنه يتفق مع المفهوم الرئيسي لحل الدولتين" وأضاف: " لقد حان الوقت لنمد ايدينا ونشجع القوى الوسطية بين الفلسطينيين". وفي مقابلة بثتها قناة "روسيا-24"في 30 نوفمبر/تشرين الثاني، ذكر وزير الخارجية الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان تعليقاً على حصول فلسطين على مقعد دائم في ألجمعية ألعمومية للأمم المتحدة، أن إسرائيل لا تنوي التهديد بفرض عقوبات على فلسطين وستلتزم بكافة الاتفاقات القائمة معها. وأكد ليبرمان في أثير قناة "روسيا-24" : "نحن لا نهدد بأية عقوبات، وسنلتزم بكل حرف وفاصلة ونقطة في كافة الاتفاقات".
ومع أن اسرائيل عادت في 2.12.2012 لتلوح من جديد بالعقوبات المالية، الا ان تهديداتها ألأخيرة أصبحت أضعف نبرةً وأكثر محدودية في التسويق.

وأخيراً فانه لابد من الاشارة الى ان صعود اليمين الاسرائيلي وغلوائه جاء متزامناً مع ضعف وهوان فلسطيني وعربي يجعلهما عاجزين عن كبح ارادته في العدوان والتصدي لمشاريعه في انشاء دولة عنصرية في المنطقة. ومن النتائج الحتمية والمباشرة لهذا الوضع، الضعف المتواصل والمزمن لقوى اليسار الاسرائيلي والفلسطيني على حد سواء. وتبعاً لذلك أيضاً تقوضت جميع فرص السلام في المنطقة وفشلت جميع مشاريعه التي صاغتها وتبنتها دول كبرى في العالم. ولكي لا نحرث في البحر، لا بد من الاقرار بحقيقة انه لن يتعزز تفكير سياسي واقعي في اسرائيل الا بعد ان تدرك النخبة السياسية هناك بان هنالك قوة ردع متنامية قادرة على التصدي لمشاريع اليمين الاسرائيلي العدمية. فالمشروع الصهيوني يعول على الزمن ويتسابق معه، وسوف لن تترشح مشاريع سلمية متعقلة في وجه المشروع الصهيوني المدمر ما لم تقتنع النخبة السياسية او قسم مهم منها بأن ألزمن أصبح في غير مصلحة اسرائيل وشعبها وان شروط التسوية تنتقل الى غيرها!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الجيش الأمريكي يعلن إسقاط صاروخين باليستيين من اليمن استهدفا


.. وفا: قصف إسرائيلي مكثف على رفح ودير البلح ومخيم البريج والنص




.. حزب الله يقول إنه استهدف ثكنة إسرائيلية في الجولان بمسيرات


.. الحوثيون يعلنون تنفيذ 6 عمليات بالمسيرات والصواريخ والقوات ا




.. أمر أميري بتزكية الشيخ صباح خالد الحمد المبارك الصباح ولياً