الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لماذا لم تلحق فلسطين بثورات الربيع العربي؟

سنية الحسيني

2012 / 12 / 5
القضية الفلسطينية


لم يأت بعد ربيع فلسطين، وليس من اليسير التنبؤ بموعد قدومه أو شكله أو آلياته، أو حتى أهدافه، على الرغم من أزمة الديمقراطية التي تعانيها الأراضي الفلسطينية، مثلها مثل مثيلاتها من الدول العربية، سواء تلك التي انطلقت منها الثورات، أو تلك التي تنتظر. فالأراضي الفلسطينية تعاني أزمات إضافية أشد وطأة من مجرد قصور ديمقراطي، أو أزمة حريات، أو عدم إحكام القانون، والتي تبقى مجرد كماليات في غير أوانها. فأخطر أزمات الفلسطينيين تكمن في استمرار الاحتلال الإسرائيلي، وفشل خيار التحرير عبر المفاوضات، والتي قد تكون السبب الرئيسي في تأجيل أو تأخير أو حتى استبعاد ربيع فلسطيني شبيه بالربيع العربي، الأمر الذي يفسر صعوبة تطبيق نظريات السياسة التي تنبأت بانتقال ثورات الربيع العربي بين مختلف الدول العربية على الحالة الفلسطينية.

أولويات مختلفة

إن اختلاف الأولويات بالنسبة للفلسطينيين، مقارنة بإخوانهم في الدول العربية، يجعل الفلسطينيين أسرى لحسابات معادلة صعبة ومعقدة تتعدد فيها أشكال المعاناة. فأزمة الديمقراطية في الأراضي الفلسطينية أزمة مستعصية، لا تقل بأي شكل من الأشكال عن أزمات الدول العربية التي انفجرت ثوراتها. إلا أن قضية التحول الديمقراطي في الأراضي الفلسطينية ليست أولى الأولويات بالنسبة للفلسطينيين، في ظل معاناة متصاعدة ومستمرة لقهر المحتل الإسرائيلي، وفشل نهج التفاوض، بعد نحو عشرين عاماً، في تحقيق حالة التحرر للفلسطينيين.

فالاحتلال الإسرائيلي بممارساته المختلفة على مدى العقدين السابقين، في ظل عملية تفاوضية عقيمة، غير من حيثيات معادلة التفاوض، لدرجة دعت عددا من صانعي القرار الفلسطيني إلى الاعتراف بأن حل الدولتين لم يعد ممكناً. وتأثرت القضية الفلسطينية سلبياً بالربيع العربي، وبنتائج تصاعد الأحداث في خضم عملية التحول الديمقراطي التي تمر بها المنطقة العربية، فباتت قضايا الربيع العربي تشغل البند الأول على الأجندة العربية.

وبعد أن كانت القضية الفلسطينية محور اهتمام الدول العربية، لم تعد تداعياتها تؤرقهم. كما انشغلت الولايات المتحدة بالتحولات الجوهرية في المنطقة الناتجة عن الربيع العربي، فباتت محور اهتمامها، وغدت القضية الفلسطينية في ذيل أولويات صانع القرار الأمريكي. واستغلت إسرائيل انشغال العالم بالربيع العربي وتطورات أحداثه، فتمادت في سياساتها ضد الفلسطينيين وقضيتهم.

إن الاحتلال الإسرائيلي قد يكون السبب المباشر لانطلاق ربيع فلسطيني جديد يلحق بالانتفاضة الأولى عام 1987 ، والثانية عام 2000، لتكون الانتفاضة الثالثة ربيع الفلسطينيين الذي لا يشكل إلا امتداداً لنضال فلسطيني طويل، لكن ما قد يجعله مختلفاً هذه المرة اقترانه بالتغيرات السياسية الجديدة في المنطقة.

مؤشرات لم تنضج:

لم ينضج الربيع الفلسطيني بعد، رغم خروج عدد من التظاهرات، وتشكيل عدد من التجمعات الشبابية، وتحرك العديد من الناشطين عبر مواقع التواصل الاجتماعي. وعلى الرغم من قلة عدد التحركات الشبابية الفلسطينية، وعدد المشاركين فيها، وبساطة تحركاتها، فإن ذلك لا ينفي أهميتها، وإمكانية تصاعدها في الأيام المقبلة. فالسياسة الفلسطينية من الجائز أن تخرج عن أسر السياسة الرسمية، وتتحرك بفعل قوى شبابية جديدة، خصوصاً في ظل سيادة حالة من انعدام القيادة في الأراضي الفلسطينية المحتلة اليوم.

وعلى ما يبدو أن الربيع العربي قد أسهم في نهوض التحرك الفلسطيني الشبابي، والذي نشط معظمه بشكل متصاعد خلال عامي 2011 و2012 ، أي مع بزوغ فجر الربيع العربي. إلا أن انطلاق الأراضي الفلسطينية المحتلة نحو ربيعها يختلف بلا شك عن الربيع العربي، وثمة مؤشرات على حراك فلسطيني تأثر بالربيع العربي من أبرزها:

- شهد عام 2011 تحركات فلسطينية، وصلت لحد التظاهرات والاعتصامات في شوارع مدينة رام الله في الضفة الغربية، ركزت مطالبها على إنهاء الانقسام الفلسطيني أحياناً، ومناصرة الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال أحياناً أخرى.

- حظي عام 2012 بنشاط أكبر للحراك الفلسطيني، في الأول من يوليو، انطلقت مسيرة وسط مدينة رام الله، تلبية لدعوة نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي، للتنديد بزيارة نائب رئيس الوزراء الإسرائيلي (شاؤول موفاز)، وللمطالبة بإلغاء لقاء (عباس– موفاز). وكانت مجموعة شبابية ناشطة تطلق على نفسها اسم "شباب بتحب البلد" قد تقدمت بمذكرة إلى النائب العام الفلسطيني، تطالب باعتقال (موفاز) لحظة دخوله رام الله للقاء الرئيس الفلسطيني، لمسئوليته عن جرائم ضد الفلسطينيين في غزة والضفة، وقيادته للحصار الذي فرض على الرئيس الراحل (ياسر عرفات).

- في الرابع من يوليو، اشتدت مظاهرات مدينة رام الله، رداً على الاعتداءات العنيفة التي جوبهت بها المسيرة الأولى من قبل قوات الشرطة الفلسطينية،التي جرحت واعتقلت عددا من المتظاهرين، ومنعتهم من الوصول إلى مقر الرئاسة.وكانت مجموعة " فلسطينيون من أجل الكرامة" قد دعت إلى هذه التظاهرات التصعيدية، والتي ضمت بين صفوفها المئات، جاء بعضهم من فلسطين المحتلة عام 1948، وحملت شعار " نعم للحرية لا للمفاوضات لا للقمع".

ونددت التظاهرات بقمع المحتجين المعارضين للقاء المؤجل بين الرئيس الفلسطيني و( موفاز)، وعارضت المفاوضات بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل، وطالبت بوقفها، وتطبيق حق عودة اللاجئين إلى ديارهم الأصلية، كما دعت إلى إسقاط اتفاقية أوسلو، ووقف التنسيق الأمني، وإلغاء اتفاقية باريس الاقتصادية "المجحفة بحق الفلسطينيين.

وبينت الهتافات واللافتات التي هتفها أو حملها المتظاهرون، رغم قلة عددهم، تطورا نوعيا مهما في موقف الشارع الفلسطيني، جاء عبر التصريح عن توجهات شعبية مغايرة عن توجهات وأهداف واستراتيجيات السلطة الفلسطينية، جاء أهمها: "حيفا ويافا بلادنا"،و"من غزة حتى سخنين.. شعب واحد لا يلين"، و"أوسلو ولّى وراح واحنا رجعنا للكفاح".

إن أهم الأولويات التي تحرك ربيع الفلسطينيين هي قضية الاحتلال، وهي قضية محسومة لا جدال حولها في الشارع الفلسطيني. إلا أن موقف التحركات الشعبية الفلسطينية قد عكس أيضاً خلافها الواضح مع سياسة السلطة الفلسطينية وسلوكها. فالرفض الشعبي للنهج التفاوضي الذي تعتمده السلطة الفلسطينية، حتى اليوم، يعكس حالة الخلل الديمقراطي التي تعانيه الأراضي الفلسطينية المحتلة.

ولا تخرج مطالبة المتظاهرين للسلطة الفلسطينية بضرورة وضع إستراتيجية جديدة لتحرير الأسرى الفلسطينيين، واعتماد سياسة الكفاح، وانتخاب مجلس وطني جديد يمثل جميع الفلسطينيين، ويعيد الوحدة بين جميع أفراد الشعب الفلسطيني في الوطن والشتات، وترسيخ وحدة الشعب الفلسطيني،في إطار منظمة التحرير الفلسطينية، عن إطار ذلك الخلل الديمقراطي.

عوائق أمام الديمقراطية

من الصعب إنكار أن حالة الديمقراطية في فلسطين تعاني مأزقا لا يقل عن مأزق الديمقراطية الذي عانته الدول التي قامت بها الثورات العربية، أو تعانيه الدول التي تنتظر قيام الثورات فيها. فيعاني النظام السياسي الفلسطيني حالة تشوه ، تمثلت في سيطرة السلطة التنفيذية على السلطتين التشريعية والقضائية، وانفراد السلطة التنفيذية، مجسدة في الرئيس أو الحزب، سواء في الضفة الغربية، أو في قطاع غزة بالقرار الفلسطيني، في ظل غياب تام للرقابة الشعبية التي تمثلها السلطة التشريعية، وعجز واضح في دور الأحزاب الفلسطينية الأخرى، والتي تعاني الإهتراء والضعف بصورة تتطابق تماماً مع صورة الأحزاب غير الحاكمة في الدول العربية الأخرى، والتي باتت تشكل جزءا تابعا للحزب الحاكم، وليس جزءا من النظام السياسي نفسه.

وقد أسهم الانقسام الفلسطيني بشكل كبير في زيادة حدة تعطيل السلطة التشريعية عن أداء الأدوار المنوطة بها، وعلى رأسها الدور الرقابي. كما أن للاحتلال، الذي يعتقل 21 نائباً فلسطينياً، دوراً لا يمكن أن يغفل في هذا السياق.ويبقى الجهاز القضائي الفلسطيني تابعاً للسلطة التنفيذية ، مما ذهب بهيبتها وعرضها لكثير من الانتقاد. وتأتي دعوة (حنان عشراوي) عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير إلى ضرورة تكريس حكم القانون، ومبدأ الفصل بين السلطات، واحترام وصون الحريات العامة والشخصية، لتوضيح ما وصلت إليه حالة القضاء في فلسطين.

فقيادة الجهاز القضائي الفلسطيني، سواء في الضفة الغربية أو في قطاع غزة، تأتي عبر التعيين من السلطة التنفيذية، وليس عبر التسلسل الإداري والوظيفي، كما يأتي تعيين العديد من القضاة عبر قرار من قبل السلطة التنفيذية. وتستخدم السلطة التنفيذية الجهاز القضائي لتنفيذ سياستها في اعتقال أصحاب الرأي والمعارضة، وحجب المواقع الإلكترونية غير المرغوبة.وتزخر السجون في قطاع غزة والضفة الغربية بمعتقلي الرأي من كلا الحزبين الحاكمين، فتح وحماس، في ظل استمرار حالة من الانقسام، شجعت الاحتلال الإسرائيلي على التمادي في الإجحاف بالحق الفلسطيني.

وتبدو الانتخابات الرئاسية والتشريعية في فلسطين كحلم بعيد المنال، في ظل عدم وجود نية حقيقية لإجرائها، وحتى التوقع بقبول نتائجها "إن حدثت"، في إطار حالة استقطاب حزبي خطيرة. فالانقسام الفلسطيني يُبقي الوضع في الأراضي المحتلة مجمداً، والقرار السياسي الفلسطيني الموحد مغيباً، في ظل إقصاء سياسي حزبي تنتهجه حركة فتح في رام الله، وحركة حماس في غزة. يأتي ذلك على الرغم من المناشدات الشعبية الفلسطينية بضرورة إنهاء الانقسام. إن حالة الانقسام أفقدت الشعب الفلسطيني ثقته بالأحزاب الفلسطينية ودورها السياسي، وأسهمت فى حدوث أزمة قيادة حقيقية، لم تمر بها القضية الفلسطينية عبر تاريخها.

كما تعاني الأوضاع الاقتصادية في الأراضي الفلسطينية المحتلة، مثلها مثل أوضاعها السياسية والأمنية، فيعيش جزء كبير من السكان قرب خط الفقر، وتصل معدلات البطالة في قطاع غزة والضفة الغربية إلى أعلى المعدلات في العالم، فتزيد على 20 % في الضفة الغربية، و35 % في قطاع غزة. ويبقى النمو في اقتصاد السلطة الفلسطينية ليس مستقراً لاعتماده على المساعدات الخارجية، فتلعب المعونة المقدمة من المانحين دوراً رئيسياً في استمرار عمل الاقتصاد. فالقيود الشاملة على حركة البضائع والأشخاص داخل الضفة الغربية، والفصل شبه التام بين الضفة الغربية وقطاع غزة، ونظام نقاط التفتيش والحواجز الذي تفرضه إسرائيل، وسيطرتها على أغلب مناطق الضفة الغربية "المنطقة ج"، قد أسفرت عن تفتيت الاقتصاد الفلسطيني، وتشويهه بشدة.

وأفاد البنك الدولي في تقرير نشره أخيراً بأن السلطة الفلسطينية ليست جاهزة للتحول إلى دولة مستقلة، بما يتناقض مع ما حاولت السلطة الفلسطينية من إشاعته في العامين الأخيرين حول "بناء الدولة"، مما يبرز حقيقة أزمة المصارحة بين السلطة والشعب.

خاتمة:

وعلى الرغم من كل ما تعانيه الأراضي الفلسطينية، سواء في الضفة الغربية، أو في قطاع غزة، من سوء للإدارة والمحسوبية والفساد من جهة، ومن سوء للأوضاع الاقتصادية، وما يتبعه من حالة الفقر والبطالة من جهة أخرى، ومن انفراد السلطة التنفيذية بالقرار في البلاد، دون مراقبة تشريعية أو محاسبة قضائية من جهة ثالثة، فإنه يبقى من الصعب الوصول إلى حالة الصدام بين السلطة والشعب، في ظل ممارسات الاحتلال الإسرائيلي الموجهة إلى جميع الفلسطينيين، سلطةً وشعباً، للنيل من حقوقهم، وفي ظل الضغوط الأمريكية المستمرة على السلطة الفلسطينية لإخضاعها للشروط الإسرائيلية.

إلا أن خطر المواجهة بين السلطة والشعب يبقى قائماً، إذا وقفت السلطة ضد الإرادة الشعبية. ولم يأت قرار السلطة الفلسطينية بتأجيل لقاء (عباس–موفاز) الأخير، وفتحها ملف التحقيق مع المسئولين الفلسطينيين عن أعمال العنف بحق المتظاهرين أخيراً، والإفراج عن معتقلي المظاهرات، إلا لإثبات أن الشعب والسلطة في خندق واحد.

إن تمادي إسرائيل بممارساتها تجاه الفلسطينيين في الأراضي الفلسطينية المحتلة، مستغلة انشغال الدول العربية بثوراتها، والاهتمام الأمريكي باستثمارها، قد يحول الأجندة الفلسطينية عما هي عليه اليوم، ويفتح الخيارات المتعددة للشعب الفلسطيني في مواجهة إسرائيل. وتبقى الأوضاع في الأراضي الفلسطينية المحتلة مؤهلة للتصعيد، خصوصاً في ظل الضغوطات الإسرائيلية والأمريكية المكثفة على السلطة الفلسطينية لإرجاء ذهابها إلى الجمعية العامة للاعتراف بدولة فلسطينية. وتلجأ الولايات المتحدة وإسرائيل في العادة لممارسة ضغوط مالية على السلطة لمنع أو تأجيل إجراءات سياسية أو دبلوماسية تضر بالمصالح الإسرائيلية مع الفلسطينيين. إلا أن التحركات الفلسطينية الشعبية الآنية تصعب إمكانية رضوخ السلطة الفلسطينية لأية ضغوط، حتى وإن كانت مالية








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. انطلاق معرض بكين الدولي للسيارات وسط حرب أسعار في قطاع السيا


.. الجيش الإسرائيلي يعلن شن غارات على بنى تحتية لحزب الله جنوبي




.. حماس تنفي طلبها الانتقال إلى سوريا أو إلى أي بلد آخر


.. بايدن يقول إن المساعدات العسكرية حماية للأمن القومي الأمريكي




.. حماس: مستعدون لإلقاء السلاح والتحول إلى حزب سياسي إذا تم إقا