الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


في اللغة -3- ملاحظات للكتّاب العرب

عبدالله الداخل

2012 / 12 / 5
الادب والفن



1- لِمَ لا.. "سوف لا"؟
تستطيع "لن" وحدها أن تنفي المستقبل، فيُصبح استعمال "سوف" قبلها نافلاً.
إذاً فإن:
"لن" لوحدها أفضل من "سوف لن"!

لكني لا أجد مبرراً للإعتراض على استعمال "سوف لا" لسبب "سأتحدث عنه".

قلتُ "سأتحدث عنه" بدلاً من "سوف أتحدث عنه" وأعني أني سأقوم بالعمل الآن، في هذا المقال، على الفور، بعد الانتهاء من كتابة بعض الجمل، وليس فيما بعد، لكي لا يُفهَم أني "أسوّف" حتى وإنْ لم أقل "سوف"، ولا حتى مرة واحدة!

قرأتُ في أحد المواقع المعنية باللغة ما يلي:

لا تقل: (سوف لن أذهب)، ولا: (سوف لا أذهب)!
أوافق على الأولى وأعترض على الثانية! مع الاشارة إلى أن هذا يذكرنا بطريقة د. مصطفى جواد "قل ولا تقل"، ذات الصفة الأمرية أو الارشادية prescriptive، بالمقارنة ببعض الطرق الحديثة في التعامل مع اللغة، أو الطريقة الوصفية descriptive.

أفهم من كتابات أهل النحو أن "سَـ" تفيد في التعبير عن حدثٍ "سَـ"يحصل بعد الانتهاء من لفظ أو كتابة الجملة بفترة "قصيرة"، أي "المستقبل القريب"!
وأن "سوف" تفيد في نفس الهدف لكن بعد فترة "طويلة" أو "أطول"، أي "المستقبل البعيد"!
ليس هناك من مقياس، لكن هذه الأمور يمكن تحديدها في جمل لاحقة حيث تشكل جميع الجمل والعبارات وغيرها، مع علائقها المختلفة، خلفية "الخطاب" discourse.

مرة أخرى: في نفي المستقبل بـ "لن" من المعقول جداً عدم استعمال "سوف" معها لأن "لن" بحد ذاتها تفيد المستقبل، فما حاجتنا لـ "سوف"؟ فوجودها إذاً سيكون نوعاً من التوتولوجيا، أو الحشو، التكرار النافل، كما ذكرتُ أعلاه!

لكنْ ينبغي أنْ نعلم أنّ من الضروري أن نميز بين المستقبل القريب والمستقبل البعيد في النفي أيضاً بالاضافة الى حالات الاثبات في حالات مجيء الجمل المنفية لوحدها؛ فإذا استعملنا "لن" فقط وللنوعين من المستقبل في حالات استقلال الجمل المنفية، أعني إذا جاءت وحدَها، وكانت جملاً مفيدة تقف على قدميها دون إسناد من ورائها أو أمامها، فكيف يمكن التمييز بين نوعَيْ المستقبل ؟

ما يلي قولان مستقلان، جملتان مفيدتان مختلفتان في المعنى "حسب البصريين"!

سأذهب
سوف أذهب

كيف ننفي كلاً منهما مع المحافظة على المفاهيم الزمنية بنفس دقة ووضوح الفارق الكبير بينهما؟ أليس "سوف" حسب القواميس العربية "حرف تسويف" وأنه، وهذا هو المهم، "أطولُ زماناً من السين" كما يقول النحو؟

فإذا نفينا الأولى هكذا:
لن أذهب
فكيف ننفي الثانية؟
أنستطيع نفيها بنفس الطريقة بالضبط، هكذا:
لن أذهب
فكيف نميز بين نوعَيْ المستقبل، القصير والطويل في كل منهما؟

فإذا كنا لا نستطيع أن نفصل الحرف "سـ" عن "أذهب"، كما يُقال أو كما يقول العقلُ، فإنّ الحرف "سوف" مفصولٌ عن الفعل "أذهب" كلياً وعملياً، لفظاً ورسماً، أنظروا اليه! أحقاً هو حرفٌ أم كلمة ٌمن ثلاثة حروف ولها شخصية مهمة جداً بسبب وظيفتها الرائعة في اللغة العربية لأنها تدعونا أن ننظر الى المستقبل! وهل من الممكن مراجعة تسميته "حرف تسويف" أي التسويف الذي يُحتمَل أن يحمل مفاهيم "المماطلة" أو "التمييع" أو "الإرجاء السلبي" أو "التأجيل السلبي" إنْ صح التعبير!

سؤالٌ آخر:
"لن أذهب"
أليس في الجملة نوعٌ من العزم والتصميم؟ فكيف يمكننا أن ننفي حدثاً مستقبلياً بحياد نسبي، دون القوة التي تتمتع بها "لن"؟

هذا ما يجعلني أتفق مع علماء اللغة المحدثين بقولهم ان اللغة تتغير حسب المحيط المتغير، وهذا ما ينبغي أن نفتح قلوبنا وعقولنا له، لأن اللغة وسيلة للتفاهم means of communication!

فلِمَ لا .."سوف لا"؟

2
قرأتُ مرة لأحدهم:
"..الرصاصة المنطلقة من فوهة مسدسه"!

من فوهة؟

مفاجأة!

توقعتُ في الوهلة الأولى أن يقول "..من عَقِبِ مسدسه"! كما هو واقع التحرير العربي-الغربي اليوم الذي يمر من "أخمص" البندقية!

3
"محاكم التفتيش"
"تفتيش"؟
في ترجمة Inquisition التي تعني "إستجواب" أو، هنا طبعاً: "الاستجوابات"!
وهي حملة الإستجوابات أو التحقيقات والاضطهادات الدينية التي تعرض لها من كان غير مؤمن بالمسيحية في أوربا القرون الوسطى، فقد بدأت بالجرائم الرهيبة ضد المسلمين في الاندلس في نهاية القرن الخامس عشر، وهي من أسباب هجرة اليهود من البرتغال إلى أمستردام، التي تشبه اليوم هجرة المندائيين إلى الغرب بسبب اضطهادهم بعد الاحتلال الأخير للعراق (2003)، فغالباً ما كانت تلكم الاستجوابات تنتهي بالتنفيذ الفوري لأحكام رجال الدين الكاثولِك بنقل المشتبه بهم إلى جوار الرب! مع فارق أن كارثة المندائيين بهجرتهم التي أضيفت الى خسائر العراق الباهضة، قد تمت دون "تفتيش"!

فهل استـُعملتْ عبارة "محاكم التفتيش"، العربية، بسبب التصور أن المحاكم الدينية أو الاستجوابات كانت تبدأ بـ"التفتيش" عن المتهمين؟
الفرق بين "التفتيش" و "الاستجواب" واضح.

فكيف دخل هنا مفهوم مفردة "التفتيش"، وليس المفردة نفسها التي ربما كانت قد رحلت من العربية وتجوّلت شرقاً وشمالاً وعبر القرون لتعود الى العربية ثانية، بهذا المفهوم؟ هل عاد "مفهومُها" إلى اللغة الأم بعد تشكيل علاقات مع مفاهيم مختلفة من زمن الترجمات الفارسية بعد الاسلام، حيث سلكت هذه المفردة دربَ الحرير Silk Road شرقاً لتصل الى الهند ثم عادت في الأزمان العثمانية مرتدية ثوباً طبقياً؟ ما هو تفسير المختصين بعد مرور قرون على "تفسّـُخ" الرجل المريض وانقضاء ثمان وتسعين سنة على بداية "تفسيخ" جثته وإلحاق أوصاله بالامبراطوريات الرأسمالية الغربية، وذلك من أجل منع أشلائه من الوصول إلى عصر النهضة أو منع عصر النهضة من الوصول اليها، العصر الذي امتطت الرأسمالية موجته في بلدانها كي تصل حتى الشرق؟

4
"خصخص" و "خصخصة ً"!
الأصح
"خصَّصَ" تخصيصاً.
أو "خصَّ" خـَصاً وخـُصُوصاً وخـُصُوصة ًوخـُصُوصية ًوتـَخِصّة ًوخِصّيّة ًوخِصَّيْصى وخِصّّيْصاءَ!

لكن الأوضح طبعاً القول: "خصَّ" أو "خصص" أو "باع الى القطاع الخاص" (privatize)، بدلاً من كل هذا "الخضخضة" أو "التشنج" كما يرددون كثيراً هذه الأيام!
إذا كان من الجائز استعمال "خصخص" كفعل ٍمتعدٍّ، فهل من الممكن إذاً استعمال "تخصخص" كفعل لازم، أي على طريقة الفنان عادل إمام: يتبربر بالبرورة؟!

5
(سنحتاج نظارة أو مكبّرة هنا!)

لننظر إلى العبارتين (نعم، إنهما إثنتان):

دون تفكيك آليات الخطاب وإبعاده
دون تفكيك آليات الخطاب وأبعاده

ما الفرق بينهما؟
العبارة الأولى وردت في مقال للكاتبة المصرية هويدا صالح، وهي مفكرة مصرية وكاتبة ذات ثقافة واسعة، كما انها، كما يبدو لي، ناشطة مع أهداف الشعب المصري في الحرية، فقد رأيتـُها بوضوح في الأنباء المصورة وكانت مع حشود المحتجين ضد نظام حسني مبارك، وكانت كما هي في صورتها تماماً! يبدو أنها قد درست تحليل الخطاب Discourse Analysis؛ فما يوحي بهذا هو موضوعها المنشور في صحيفة الحوار المتمدن بعنوان "الخطاب الهامس في الفقه الأصولي" في العاشر من آب 2012 حيث ترد العبارة التي اناقشها هنا، أعني التي ترد فيها كلمة "إبعاده" بهمزة أو "هُمَيْزة" في أسفل الحرف "ا" (غ+shift=إ)!
أما العبارة الثانية فهي ما كتبتـُه (أنا) تحت عبارتها بهدف المقارنة، لأني أعتقد أن الكاتبة أرادت أن توضح لنا المفاهيم التي تنطوي عليها العبارة التي أضفتـُها، حيث الهُمَيزة في أعلى الحرف (ا+shift=أ)! أي:

إ vs أ

حسناً. ليَسمح لي من استوعب الفرق بأن اوضح باختصار:

إبعاده : نقله إلى مكان بعيد.
أبعاده: طوله وعرضه وارتفاعه وربما الزمن أو "الزمكان"، أي بعده الرابع!

ففيما يتعلق بالعبارة:
دون تفكيك آليات الخطاب وإبعاده
هل سيكون هناك من قراء الكاتبة من يظن أنها تعني: تجنب تفكيك آليات الخطاب وتجنب نقله إلى مكان آخر بعيداً عنه؟
هذا محتمل ولكن ما مدى احتماله؟ يعتمد هذا على مدى تواتر (تكرار) frequency هذا النوع من التعبير، في هذا النوع من الأسلوب، في الخوض في هذا النوع من المفاهيم في هذا النوع من الخطاب!

إذن لو لم تكن الكاتبة من الصنف المحنك sophisticated رفيع المستوى من الكتاب العرب، لأصبح هذا النوع من النقاش نافلاً.
ولكي أ ُنهي سفسطتي هذه أقول ان الاحتمال الأقوى هو ان الكاتبة كانت تعني:
دون تفكيك آليات الخطاب ودون تفكيك أبعاده
ولم تعن ِ:
دون تفكيك آليات الخطاب ودون إبعاده

وللحقيقة و"التأريخ" ينبغي ألا يفوتني أن أذكر أن تفكيك الأشياء ونقلها الى مكان بعيد لم يحصل علناً لتسعة أعوام، أي منذ السنوات الأولى لاحتلال العراق في 2003 فيما يتعلق بالمعدات الصناعية، مع ما يدخل ضمن ثروة العراق وبناه التحتية ناهيك عن أسلحة الجيش وثروته من الحديد، وحتى حطامه (السكراب، الخردة)!

6
"جاء من مسافة بعيدة"!
لماذا "بعيدة"؟
الأدق:
"أماكن بعيدة" و "مسافات طويلة".

إذاً
"جاء من مكان بعيد"
و
"قاطعاً مسافة ً(أو مسافاتٍ) طويلة"!

7
ما زال يصعب علينا التخلص من الـ"الرواسم"، فـ"الروسم" cliché (كليشيه، كليشة) هو التعبير المبتذل، بمعنى كثـُرَ استعماله، وأصبح "طمغة" جاهزة!
بعضها بدوي، والآخر ريفي.

"كالقشة التي قصمت ظهر الجمل"!

"مما زاد في الطين بلة"!
منها ما استعملتـُه في هذا المقال: "يحذو حذوَ"!
وهناك العشرات!

8
"مجاميع من الناس"!

الأدق
"مجموعات من الناس".

"مجاميع"، مفردها "مجموع"، كلمة رياضية أو إحصائية أو أدبية.
أما "مجموع" في الأدب: فـَ "خليط من فنون الكتابة" أو، ربما، "المؤلفات الكاملة"!

9
"مخلوقات"! creatures
الأصح (ولا أقول "الأدق"): "كائنات".

لأن "مخلوقات" كلمة دينية، و "كائنات" علمية.
ربما تكون "مخلوقات" أكبر من "كائنات" لشمولها "الجماد"!

الأدق، عند الحديث عن النباتات والحيوانات (بضمنها الانسان)، أن نقول "الكائنات الحية" أو "الكائنات العضوية" organisms.

فإذا كنتَ أحد رجال الدين، مثلا، فمن الطبيعي أنك تقول (أو تكتب) "مخلوقات"!

إختيارك إحداهما قد يقول لنا من أنت، أو، على الأقل، شيئاً مهماً جداً عنك!

10
"صناعة الموافقة"
Manufacturing Consent
عبارة تشومسكي الشهيرة، وعنوان أحد كتبه.

أحاول هنا "تعديل" الترجمة من "صناعة" الى "تصنيع" لأنها أدق، فهي ليست Consent Industry!

يترجمها البعض إلى "صناعة الإذعان"، لكني لم أجد "الإذعان" إزاء consent في قاموس البعلبكي، فليس فيها مفهوم "الرضوخ" لمطلب، ولا تحتوي على مفهوم "الإجبار" مثلاً، رغم أن كلمة "الاذعان" ربما تعطي فكرة أفضل عن المشكلة التي يتحدث عنها تشومسكي لأنه يعني موافقة "الأدنى للأعلى"، إن صح التعبير، وليس العكس!

لا بد أن أضيف اننا اذا أخذنا بنظر الاعتبار القول بأن تشومسكي جزءٌ من النظام الأميركي، وهذا ملموس، فهو أنما يشير الى طبيعة الفوضى في هذا النوع من النظام "الديمقراطي" الرأسمالي، أي الفوضى الناتجة من التعبير عن مصالح المجموعات المتصارعة، ولتشومسكي صوتٌ في هذه الفوضى، ربما كان واحداً من أكثر الأصوات ارتفاعاً، لكنه بالتأكيد واحدٌ من "أفضلها"، بسبب ندرة "الفضيلة" خاصة في "المدن" اللافاضلة، المدن الراسمالية الكبيرة في كل مكان!

أما في شرقنا العزيز فيبدو أن الجميع قد تخلوا عن "الفضيلة" لرجال الدين!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تأملات - كيف نشأت اللغة؟ وما الفرق بين السب والشتم؟


.. انطلاق مهرجان -سماع- الدولي للإنشاد والموسيقي الروحية




.. الفنانة أنغام تشعل مسرح مركز البحرين العالمي بأمسية غنائية ا


.. أون سيت - ‏احنا عايزين نتكلم عن شيريهان ..الملحن إيهاب عبد ا




.. سرقة على طريقة أفلام الآكشن.. شرطة أتلانتا تبحث عن لصين سرقا