الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الثورة السورية والمعادلات الصعبة

هيبت بافي حلبجة

2012 / 12 / 5
مواضيع وابحاث سياسية



تنتابني قشعريرة باردة حينما أرى المشهد السوري وهو يتعرى رويداً رويداً ، ذلك المشهد الذي كشف النقاب ليس عن دولة عميقة تحكم سوريا ، إنما عن إرادة منظمات دولية عميقة تخنقها بكل صرامة ووحشية وتلجم كل حركة نحو الأمام ، ذلك المشهد الذي يوضح إلى أي مدى هي المعارضة السياسية السورية تعيش في حالة أملاق وأدقاع في الفقر وفي الإدراك ، ذلك المشهد الذي يؤكد كم هو بسيط وساذج هذا المثقف السوري العام .
تعتورني أحاسيس تثير في جوانحي وفرائصي الأشمئزاز والقرف حينما أرى كيف كتب ( بضم الكاف ) التاريخ السوري منذ منتصف القرن الماضي حتى هذه اللحظة ، كيف دون ( بضم الدال ) هذا التاريخ المغترب بأياد مضرجة بدم هذا الشعب المقهور المقموع ، كيف تم أغتيال الفرد والمجنمع على أيدي هؤلاء القوميين العنصريين الذين مزقوا أوطانهم عمداً وقصداً
لن أسرد في هذه العجالة التاريخ الأسود للإرادة الدولية العميقة وكيف إنها خططت ونفذت وقطعت الأنفاس في منطقة الشرق الأوسط ، كما أنني لن أركز على الأمن الأسرائيلي ودوره في حماية النظام السوري وما يشكل ذلك من حالة أسرائيلية خاطئة في قراءة الثورات العربية ، كما أنني لن أقف عند المشروع الفارسي وتغوله على حساب أعتبارات أصلية في المنطقة ومحاولته تقويض أسس المجتمعات لصالحه ، كما أنني لن أتحدث عن الضياع في المواقف الكردية والشخصية الكوردية ولا عن جهل الأطراف الكوردية والكوردستانية في قراءة الأحداث كما هي لا كما نود ونتشهى ، أو في الأستناد على المعادلات الجوهرية القادمة لا على تلك التي تتمحور حول جزئيات سطحية ، إنما أثب مباشرة إلى الجهة المعاكسة لأسرد بعض من تلك المعادلات الصعبة التي لازالت تجعل حتى هذه اللحظة هذا التاريخ أكثر ماساوياً ، أكثر تعقيداً .
المعادلة الأولى : إن التاريخ في منطقة الشرق الأوسط لايتمتع بالمزايا ولابخصائص التاريخ البشري الطبيعي وكأني به فارغ في مضمونه ، أحدب في سلوكه ، متمرد في أن تقهره المعادلات الرياضية الفيزيائية بل أنه لايستطيع حتى أن يتعقلها كأنها صيغ تحتسب خارج مفهوم الأنتماء البشري أو جزء من مقولة المنفعة اللاضرورية .
إن التاريخ في منطقة الشرق الأوسط مستقطب نحو تاريخ عقل مبسط وحيد المستوى الفراغي ، أولي في التصور الصادق ، مختزل في أتجاه واحد .
بالمقابل لدى الفكر الرأسمالي ومجتمعاته وأنظمه ، العقل يقتفي أثر تطور الواقع وحيثيات وقائعيته ، أما في فكرنا فإن الأحداث والدالات تتبع الملامح الأصلية لهذا العقل الذي لايتغير ، الذي يأبى أن يتجشم مشقة البحث في مفهوم ومقاصد الأشياء ، لذلك لدى غيرنا العقل متماه ومواز ومختزل في الطبيعة ، أما لدينا فإن هذه الأخيرة ضائعة وشريدة في عقلنا .
نحن نبحث عن تاريخ العقل وغيرنا يبحث عن عقل التاريخ ، لذلك لديهم آينشتاين ، ماركس ، هيجل ، فوكو ، تشرشل ، ديغول ، بيسمارك ، سارتر وآلاف من هذه الأسماء ، ولدينا شخصيات كرتونية ممزقة في سوريا وآلاف من أمثالها تلهث وراء شبح التلفزيونات والفنادق الفارهة .
المعادلة الثانية : لقد كشفت الثورة السورية من جانب آخر إن الديمقراطية كمفهوم ومنهج وأجراءات لازالت مفقودة في مجتمعاتنا ، وإن تجربتها مابرحت تحبو مشوهة على قارعة طريق تتلبدها الغيوم الداكنة الدامسة .
من هنا لايمكن الأنتقال من نظام مستبد قمعي إلى نظام ديمقراطي إلا من خلال جسم مشوه ، جسم لاديمقراطي يملك جينات غير طبيعية ، يتصرف وفقاً لمورثات ذات طفرة خاصة ، هذا هو حال المجلس الوطني السوري ، والإئتلاف الوطني ، والمجلس الوطني الكوردي ، والمجلس الوطني السرياني ، والحكومة الأنتقالية القادمة ، وكل الشخصيات الليبرالية دون أستثناء شخص واحد .
في كل هذه التجمعات لاأحد يبحث ويطالب بمفهوم الجماعة والمجتمع ، فالكل يبحث عن بروز الأنا والصنم وعوامله وأحابيله .
في كل تلك التجمعات لاأحد يبحث عن مفهوم الثورة وطبيعتها ، هل هي سياسية أم جامعة ، هل هي حزبية جهوية أم أنها حالة تمرد بالمطلق على فشل الذات ، على أبتذالية التاريخ والشخصيات في سوريا ، هل هي أنتصار لفكرة محددة أو أدلجة خاصة أم أنتصار لكل أنواع المعرفة .
المعادلة الثالثة : كما إن الثورة السورية قد عرت تماماُ محتوى الديمقراطية في البلدان الغربية وبرزت الفارق القاتل ما بين الديمقراطية كأجراءات وما بين الديمقراطية كذهنية لديها ، وأثبتت بما لايقبل الأرتياب إن التجربة الغربية في هذا المضمار قد غافلت بالمطلق أبعاد ذهنية الدمقرطة ، و توقفت تماماً عند مضمون الإجراءات ولم تتعداها .
ويمكننا أن نشبه ذلك بحالة منح الحق لصاحبه من خلال أمرين مختلفين متباعدين ، الأول : ثمة قوة تجبر الشخص على منح الحق لصاحبه ، وهذا ما نسميه بحالة الغصب ، أو حالة الأكثرية ، أو حالة الأمر الواقع الذي لامفر منه البتة إلا بإقراره .
والثاني : يمنح ( بضم الياء ) المحتوى لشخص لأنه صاحبه ، ولأن ذلك من حقه أو خصائصه .
ومن هنا تحديداً قلنا في أكثر من مناسبة إن ما تسمى بالديمقراطية الغربية ليست إلا في النهاية إلا صورة من صور الإحتكام إلى القوانين ، أي أنها ديمقراطية قوة القوانين .
المعادلة الرابعة : ولقد برهنت الثورة السورية على إن الأولوية لمن يحمل السلاح وليس لمن يحضر المؤتمرات سيما تلك التي أذت الثورة وتلك التي جرت في أستانبول وقطر .
وإذا ما أدركنا التداخل البنيوي ما بين هذه المعادلة والمعادلة الثانية أدركنا ثلاثة أمور في غابة الأهمية وفي غاية الحرج :
الأمر الأول : سبب أنهيار النظام من الداخل كنتيجة طبيعية حتمية مرتبطة بالزمن وبالقوة المعنوية .
الأمر الثاني : ضعف تأثير الهياكل السياسية العربية والكردية على نتائج الثورة .
الأمر الثالث : عدم وجود أي تأثير للعامل الشخصاني في مقومات الثورة ، فلا يهم من ترأس هذا الوفد أو ذاك ، أو من ترأس هذه الجهة أو تلك ، اومن كان أصلاً موجوداً أم غائباً .
المعادلة الخامسة : ولقد أكدت أنها سوف تكون على مرحلتين والأجدر تسميتها بالثورتين ، الأولى : أجتثاث النظام السوري ومراكزه الأصلية والفرعية سيما تلك التي تتعلق بمفهوم الشبيحة العربية والكوردية ، والثانية : أجبار التيار الليبرالي على الظهور لتأصيل المفاهيم الديمقراطية من ناحية ، ولمنح المثقف السوري شخصيته التاريخية الأصلية التي فقدها على براميل القمامة والتفاهة من ناحية ثانية ، ومن ناحية ثالثة لتأصيل محتويات الثورة نفسها لأنها ثورة سوسيولوجية حقيقية شاملة بكل ما لهذه المقولة من معنى حديث .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عواقب كبيرة.. ست مواقع بحرية عبر العالم يهددها خطر الاختناق


.. تعيش فيه لبؤة وأشبالها.. ملعب غولف -صحراوي- بإطلالات خلابة و




.. بالتزامن مع زيارة هوكشتاين.. إسرائيل تهيّئ واشنطن للحرب وحزب


.. بعد حل مجلس الحرب الإسرائيلي.. كيف سيتعامل نتنياهو مع ملف ال




.. خطر بدء حرب عالمية ثالثة.. بوتين في زيارة تاريخية إلى كوريا