الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


دستور حيك بليل

إكرام يوسف

2012 / 12 / 5
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان


يثير مشهد استفتاء أعضاء الجمعية التأسيسية على مواد مسودة الدستور، الألم بأكثر مما يثيره من سخرية! فلا تستحق بلد بقيمة وقامة مصر، أن يفبرك دستورها بليل، على هذا النحو المهين، كما لو كان فعلا حرامًا، لا ينبغي أن يتم في النور!
وفي ظل جماعة تسلك سلوك الغزاة الفاتحين، مع أهل البلاد التي تم غزوها؛ اكتفى رئيس الجمهورية بتأييد أهله وعشيرته، ضاربا بعرض الحائط احتجاجات القضاة، والأطباء، والصحفيين، والنقابات العمالية، وأساتذة الجامعات، والكنيسة، والثوار الحقيقيين، وأهالي سيناء والنوبة، وسائر قوى المجتمع المدني.
وسرعان ما قرر رئيس الجمهورية طرح مسودة؛ أعدتها جمعية لا تمثل توافقًا شعبيًا، للاستفتاء خلال خمسة عشر يوما، لا تكفي لإدارة حوار مجتمعي جاد حولها! وخلال الفترة السابقة، جرى تشتيت انتباه الجميع، إعمالا لمبدأ "بص شوف العصفورة"! للإلهاء في ظل كافة الحكومات الاستبدادية؛ عبر إصدار إعلان دستوري غير مسبوق في ديكتاتوريته، ومعه تنطلق آلة التبريرات "أنها ديكتاتورية محدودة المدة"! تذكرنا بدعوات امهال المخلوع ستة شهور بعدما تعهد بالتزام حسن السير والسلوك خلال الشهور الستة الباقية على انتهاء ولايته! كما لو أن أمور البلاد تدار بالنوايا الحسنة و"العشم"! ورغم اعتراض كافة التيارات السياسية بلا استثناء، فيما عدا أهل وعشيرة الحاكم، كان الإصرار على تحدي إرادة الشعب، على النحو الذي صرح معه بعض المسئولين، بأن التصويت بنعم على الدستور هو السبيل الوحيد للتخلص من إعلان دستوري يجعل الرئيس على حد قول الدكتور كمال الهلباوي " لا يسأل عما يفعل وهم يسألون"! في سلوك، لم يجرؤ الديكتاتور المخلوع على مجرد التفكير فيه! وهكذا يحصر شعب مصر بين مطرقة إعلان دستوري استبدادي، وسندان دستور معيب لا يعبر عن أطياف الشعب، كما هو المفترض في جميع الدساتير. ومرةأخرى، يخيروننا بين الكوليرا والطاعون!
وربما يكون المتخصصون أقدر على تفنيد مسودة دستور حيك بليل؛ غير أنني، باعتباري مواطنة ـ لا تؤمن بفكرة المستبد العادل، وتدرك أنه مهما كانت استقامة الحاكم الأخلاقية، يظل الاستبداد مرتعا للفساد، الذي يترعرع في ظل اطمئنان الحكام، ومحاسيبهم، إلى حصانتهم ضد المساءلةـ أرى خطرا داهما تمثله المادة202 التي تنص على أن يعين رئيس الجمهورية رؤساء الهيئات الرقابية، المنوط بها مراقبة كافة مؤسسات الدولة ، ومن ضمنها مؤسسة الرئاسة! فكيف تراقب هذه الهيئات ـ مثلا ـ مصروفات، ونفقات مؤسسة الرئاسة، وهو أمر ـ كما تعلمون ـ كان مألوفا في العهد الملكي، عندما كان مصطفى النحاس، يطالب بتخفيض إنفاق القصر الملكي، وتخرج جموع الشعب لتهتف"الشعب مع الناس"، لترد عليها مظاهرات الإخوان المسلمين "الله مع الملك"!
وباعتباري، من محدودي الدخل، الذين يعانون من التفاوت الهائل في الأجور، أرى أن الفقرة الثالثة من المادة 14 "ضمان حد أدنى للأجور والمعاشات ... وحد أقصى فى أجهزة الدولة لا يستثنى منه إلا بناء على قانون"؛ لم تحدد الحد الأدنى أو معيار حسابه، كما فتحت باب الاستثناءات من الحد الأقصى للأجور!
ولكوني أعاني ـ مثل ملايين المواطنين ـ من أمراض، تتطلب توافر رعاية صحية لا تكبد المواطن أعباء فوق عبء المرض، فأنا اعترض على المادة62 من المسودة التي لم تحدد النسبة المخصصة للرعاية الصحية في الموازنة العامة ـ وطرحت الأمر ضمن صياغة مطاطة، تفتح الباب أمام استمرار الوضع كما هو.
وكمواطنة، تحلم بالعيش في مجتمع يتمتع بالشفافية، في ظل وسائل إعلام مستقلة، نزيهة وحرة، فأنا أرفض المادة 48 من المسودة؛ التي تسمح بغلق الصحف ووسائل الإعلام، في حالة صدور خطأ عن أحد المنتسبين إليها. حيث تعاقب المؤسسة بالكامل، بدلا من معاقبة المخطئ وحده! وهو ما يهدد حق المواطنين في الحصول على المعلومات!
فيما تسحب المادة 215 صلاحيات نقابة الصحفيين ومجلسها المنتخب في تنظيم شئون الصحف والرقابة عليها، وتحيلها إلى كيان "معين" أسمته المجلس الوطني للإعلام! بما يهدد استقلال وسائل الإعلام. وتجعل المادة 216 إدارة الصحف القومية ـ المملوكة للشعب ـ من اختصاص الهيئة الوطنية للصحافة والإعلام، وهي هيئة معينة، لم يحدد المختص بتعيينها! بينما يفترض أن تكون إدارة هذه المؤسسات من خلال مجالس إدارة منتخبة؛ لضمان استقلالها عن السلطة.
وأخيرا، أتخوف، كأم، من دستور، يتجنب تحديد سن الطفل ـ وكان قد تحدد في ظل النظام السابق بثمانية عشر عاما ـ خاصة بعدما سمعناه من إصرار البعض على جواز تزويج الفتيات بمجرد البلوغ! وإن كان النص منع تشغيل الطفل في "أعمال لاتتناسب مع عمره"، فهو لم يحدد هذه الأعمال التي تتناسب مع عمره، وتركها مرسلة، تهدد براءة أطفالنا ومستقبلهم.
هذا غيض من فيض يجعل الموافقة على دستور كهذا جريمة في حق الوطن والثورة والأجيال المقبلة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. اليمن.. حملة لإنقاذ سمعة -المانجو-! • فرانس 24 / FRANCE 24


.. ردا على الاحتجاجات المؤيدة للفلسطينيين: مجلس النواب الأمريكي




.. -العملاق الجديد-.. الصين تقتحم السوق العالمية للسيارات الكهر


.. عائلات الرهائن تمارس مزيدا من الضغط على نتنياهو وحكومته لإبر




.. أقمار صناعية تكشف.. الحوثيون يحفرون منشآت عسكرية جديدة وكبير