الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


في نقد البرنامج الانتخابي الحزبي: المناسباتية والتعالي والارتجال

عبد الإله بوحمالة

2012 / 12 / 6
مواضيع وابحاث سياسية


مع اقتراب موعد كل انتخابات تشريعية، يصبح من المألوف في وسائل الإعلام طرح السؤال حول البرامج الانتخابية التي تقدمها الأحزاب السياسية المشاركة، وهو السؤال الذي يفهمه بعض المهتمين بالظاهرة الحزبية في المغرب على أنه المدخل الموضوعي الممكن لمحاولة التفريق والتمييز بين أحزاب تكاد تتشابه من حيث النشأة والتاريخ ومن حيث السلوك السياسي والشعارات والوعود والخطابات، بينما يتحفظ آخرون حيال هذا الفهم ويحتجون بكون التشابه لا يستثني البرامج بل يطالها أيضا، طالما أنها تحرر وتنزل، في معظم الأحيان، تحت طلب ظرفي، من فوق بعد أن يدبجها فرد أو أفراد معدودين من نخبة الحزب ومثقفيه، إن لم تختصر الطريق باللجوء إلى النقل والاستنساخ من هنا وهناك.
إن الأحزاب السياسية جميعها، بما فيها الأحزاب الصغيرة أو تلك الناشئة حديثا، تجد نفسها مرغمة على تقديم برامج في شكل وعود ومقترحات وحلول، وهي مدفوعة لذلك حتى ولو كانت مدركة وواعية تمام الوعي بعجزها عن فعل وتحقيق أي شيء في هذا الصدد، فقد جرت العادة أن الحزب الذي لا يقدم أجوبة ولا يقترح حلولا، ولا يرفع سقف الأهداف عاليا هو حزب لا دور له في المشهد السياسي ولا جدوى من وجوده بل الأكثر من ذلك أنه يحكم على نفسه بنفسه بالتلاشي والاختفاء عند أول تجربة له في اختبار التصويت.
بطبيعة الحال لا أحد ينكر أن مطلب معرفة البرنامج الانتخابي الحزبي في بلد كالمغرب، الأغلبية الساحقة فيه من المصوتين أميين، يبقى مطلبا نخبويا، كما أن لا أحد ينكر بأن التصويت في المغرب هو تصويت على الأشخاص بالدرجة الأولى، وكل ابتعاد للنظام الانتخابي عن مركزية الأشخاص هو تعقيد لعملية التصويت بالنسبة للشريحة الأكثر ممارسة لهذا الحق.
لكن نخبوية هذا المطلب ليست قاصرة على المغرب بسبب هذا العائق الثقافي المتمثل في القاعدة العريضة للأميين، إذ نجد أن الأحزاب السياسية في الدول المتقدمة وذات التقاليد الديمقراطية العريقة التي تتقلص فيها نسب الأمية، بدورها، لا تعول دائما على الجهد الفردي للمواطنين في الاطلاع على برنامجها السياسية وقراءتها وتحليلها مهما كانت مختصرة ومبسطة وواضحة، لأن معظم الناس هناك ممن يتوصلون بهذه البرامج عبر بريدهم، دون أن ينتظروها أو يبحثوا عنها، يحيلونها مباشرة على المهملات، بل هي تعول أيضا، إلى جانب ذلك، على آليات أخرى ودعامات مكملة يلعب فيها الإعلام دورا أساسيا إلى جانب الحملات الانتخابية والنقاشات السياسية...
لذلك فمشروعية طرح سؤال البرامج في السياقات الانتخابية لا تنتهي عند حدود وجود هذه البرامج من عدمه، طالما أن تسطيرها على الورق ليس في النهاية بالشيء المعجز ولا الفارق، وبالتالي فإن توفر الحزب على برنامج انتخابي لا يشكل، في حد ذاته، مؤشرا يمكن أن نحكم من خلاله على أهلية الحزب وجدارته ومصداقيته والتزامه بالقواعد الديمقراطية، وإنما تمتد هذه المشروعية، إلى أبعد من ذلك، إلى أسئلة أخرى أهمها كيف تبلور الأحزاب برامجها الانتخابية تلك، انطلاقا من تقييمها لإمكاناتها الخاصة ووعيها بشروط اللعبة السياسية ومتطلبات التنافسية.
في المغرب تدفع آفة المناسباتية وتلازم الحديث عن البرامج مع اللحظة الاستثنائية للانتخابات، وارتباط النقاش حولها فقط باهتمامات لحظوية لدى الصحافيين والإعلاميين، وسهولة التملص، بعد ذلك، من كل الوعود المقطوعة، بدون تحمل أية مسؤولية قانونية أو أخلاقية ـ تدفع ـ الأحزاب إلى الاستهانة بها بدءا ومقدما، كما تدفعها لأن تنتج وتصوغ، في إطار سد الذرائع، برامج أقرب ما تكون إلى المقترحات التي تطغى عليها، في معظم الأحوال، نفحة المتمنيات والوعود والعناوين الغامضة العريضة، إن لم تكن مغرقة في التنظير والتعقيد والمبالغات اللغوية.
إن البرنامج السياسي في نهاية المطاف هو تلك الوثيقة المشكلة من مجموعة مبادئ وأهداف وقيم وتوجهات وأجوبة يقدمها الحزب على الإشكاليات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تطرح في المجتمع في شكل سياسات عامة وتدابير وإجراءات وذلك انطلاقا من العناصر التالية:
ـ أولا: المرجعية:
فكل حزب لابد وأن ينتمي إلى أسرة أو منظومة إيديولوجية، وكل منظومة يجب أن تقرأ الواقع وتحلله بأدواتها الخاصة، وعلى أساس هذه القراءة تصوغ برنامجها وتقدم تصوراتها وحلولها المفصلة. فهذا هو الذي من شأنه أن يجعل من التعدد الحزبي تعددا مثمرا يمكنه أن يفرز في المقابل تعددا في اختيارات واستراتيجيات المشاريع المجتمعية المقترحة، التي على أساسها يمكن للناخب أن يقارن ويفاضل ثم يختار، وعلى أساسها يمكن للحزب، بعد الفوز في الانتخابات، أن يبني ائتلافات وتحالفات منطقية وسليمة.
فمن العبث مثلا أن يتبنى حزب ما إيديولوجية اشتراكية، ثم يتحالف مع أحزاب وتنظيمات ذات خلفية رأسمالية أو ليبرالية ثم يطبق في النهاية سياسة لقيطة لا تمت له ولا لحلفائه بصلة.
ـ ثانيا: السياق:
أي قراءة وتحليل الظرفية الزمنية التي تنظم فيها الاستحقاقات الانتخابية، واستشراف ما بعدها، فعلى ضوء ذلك فقط يمكن للحزب أن يبلور مشاريع وتصورات وحلول منسجمة مع متطلبات الواقع الراهن، ولا يمكن بأي حال من الأحوال القفز على تجذر الحزب ولحمته مع بيئته وظرفيته أو القيام بترحيل حلول من الزمن الماضي أو من واقع مغاير وتبنيها ومحاولة إقناع الناخبين بجدواها.
ـ ثالثا: الامتداد:
أي مراعاة حجم انتشار الحزب ونوعيته داخل المجتمع. لأن وضعية حزب ما في المعارضة ليست هي ذاتها حينما يتسلم المسؤولية التنفيذية، وشروط الأولى ليست قطعا هي شروط الثانية، والتغيير الحاصل في الموقع يخلق جيوبا وقوى ممانعة تعرقل تنفيذ ما سطر نظريا في البرنامج الانتخابي حينما يتحول جزئيا أو كليا إلى برنامج حكومي.
وإذا كان المقصود بحجم الانتشار واضح منه السند الشعبي الجماهيري، فالنوعية في هذا الباب يراد بها فئات أخرى من المستهدفين تعتبر، براغماتيا، مهمة إلى أبعد الحدود، وحضورها الحاد في ذهنية واضعي ومدبجي البرامج الانتخابية هو الذي يفسر ذلك التعقيد والتنظير والمبالغات المشار إليها سابقا.
فالأحزاب تنجر مكرهة أو طوعا منها إلى صياغة برامجها والتعبير عن رؤاها بلغة موجهة ومتعالية تقنيا وإيديولوجيا وفلسفيا، وأحيانا قد يستعصي علينا فهم ذلك إلا إذا أدركنا أنها تستهدف بمحتوى برامجها أطرافا أخرى، غير قاعدة التصويت، أي الأطراف التي في يدها حقيقة سلطة الحل والعقد، كالدولة والنظام أو اللوبيات الاقتصادية والسياسية وأحيانا حتى الجهات المانحة الخارجية من بنوك دولية وصناديق، ممن قد يحبطون بطرقهم الخاصة ونفوذهم طموحاتها للوصول إلى السلطة إن لم تتضمن برامجها، بشكل من الأشكال، إبراء ذمة واضح ونوايا حسنة صريحة تجاه المسلمات، أولا، وتجاه المصالح، ثانيا، وتجاه ضمان حد أقصى من الاستمرارية في حكامتها المستقبلية، ثالثا.
ـ رابعا: الموارد البشرية:
أي مراعاة خزان الحزب من الأطر المؤهلة لتحمل المسؤولية بما تقتضيه هذه الأخيرة من كفاءة وحنكة سياسية وقدرة على تدبير الشأن العام ناهيك عن ترجمة البرنامج على أرض الواقع.
فالحزب الذي لا يتوفر على قاعدة كافية كميا ونوعيا من الأطر المثقفة والمؤهلة والمتخصصة المنتشرة عموديا وأفقيا عبر دواليب الإدارة والمؤسسات لا يمكنه، مهما حشد واستقطب من أنصار ومتعاطفين، أن يبدع وأن يتحرر في صوغ أفكار وتصورات واختيارات وحلول وتدابير وإجراءات، لن تجد في نهاية المطاف من يتبناها ومن يؤمن بها ويدافع عنها وينفذها في الميدان بنجاح.
وهكذا فبالتماس هذه المداخل الأربعة عند صياغة البرنامج الانتخابي الحزبي يكون الحزب قد حقق الشرط الأول من الشروط التي تشرعن وجوده، كما يكون قد حدد، بالتالي، هويته المتمايزة عن باقي الأحزاب ورسم أمام أنظار الناخبين خريطة الطريق الخاصة التي تحكم أهدافه ومبادئه وأولوياته وأسلوب عمله، لأن المشهد السياسي الحزبي إذا تناسلت فيه الأحزاب دون امتلاكها لمشاريع مجتمعية ولا برامج سياسية، مشهد مفتوح على الإفلاس وعلى سيادة كائنات حزبية هلامية لا فرق بين وجودها من عدمه.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مظاهرة في العاصمة الفرنسية باريس تطالب بوقف فوري لإطلاق النا


.. مظاهرات في أكثر من 20 مدينة بريطانية تطالب بوقف الحرب الإسرا




.. الاحتلال الإسرائيلي يقصف المدنيين شرقي وغربي مدينة رفح


.. كيف تناولت وسائل الإعلام الإسرائيلية عرض بايدن لمقترح وقف حر




.. تركيا تدرس سحب قواتها من سوريا