الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عندما غضب غيضان الحكيم (من حكايات غيضان الحكيم)

محمود عبد الغفار غيضان

2012 / 12 / 6
الادب والفن


عندما غضب غيضان الحكيم (من حكايات غيضان الحكيم)

لم يجرِ عبد الجيد الخفير نحو المقابر مناديًّا مستغيثًا، فغيضان الحكيم لم يبرح مكانه بديوان العمدة منذ ليلة أمس. دخَّن الكثير من الشيشة الخاصة، لم ينطق كلمة واحدة، منع الدواب والناس من المرور في الشارع كي ينعم ببعض الهدوء. أمر شيخ الخفر بإغلاق الراديو الوحيد بالقرية بساحة الديوان. أزعجه صياح عدد من الجنازير (هامش تفسيري: تم شرح معناها في حكاية سابقة) على الشرفة الواسعة بغرفته. وقبل أن يُنادي أحد الخفراء لطردها، كان صوت عبد الجيد يتسلل عبر الباب محاولاً إلقاء تحية الصباح المرتعشة وإبلاغه بما ورد في تلغراف ابن لملوم المرسل من القاهرة من أخبار. بعد السب واللعن الاعتيادي، سُمح له بدخول الغرفة بمسافة قدم واحدة قبالة الباب.

متلعثمًا قال عبد الجيد إنَّ ابن لملوم قد أرسل تلغرافًا الليلة الماضية ذكر فيه إنها كانت ليلة سوداء على مصر كلها، وإنَّ عددًا من الشباب قتلوا في محيط قصر الرئاسة ( هامش تفسيري: كان عبد الجيد مستعدًا لدفع نصف عمره ليعرف معنى كلمة محيط القصر، ولكنه قمع هذه الرغبة خوفًا من بطش غيضان الذي لم يكن عبد الجيد متأكدًا من معرفته إياها!) وإن أنصار الرئيس ومعارضيه يتقاتلون حتى الآن. انتفض غيضان واقفًا بعد أن شبَّه هذا الصباح بسحنة عبد الجيد ناعتًا إياه بوجه البومة. ثم أمره أن يفتح ساحة الديوان ويأمر الجميع بأن تكون العودة من الحقول في القيلولة إلى هناك لا إلى ديارهم.
تناول الفطور وشرب عدة أكواب من الشاي ودخن ما يقرب من علبة سجائر بلومنت عريض يدخرها عادة للأوقات التي لا يتسع فيها المجال لأن يلف ابن مليجي له بعض السجائر بالماكينة الخاصة وأوراق البفرة التي لم يُسمح لأهل القرية باقتناء مثلها. بعد فترة علا صوتُ وقع أقدام الحمير متزامنًا مع تتباع ظلال المارة على شباب غرفته. انتظر حتى أخبره الخفير بحضور الجميع إلى ساحة الديوان التي كان قد أمر أنْ تُغطى ببعض الخيش وبخاصة من زكائب القطن الكبيرة. ألقى تحية مقتضبة وقال: هو يا واد أنت وهوا مش هنفهم بقى؟ هو مش سيدنا عمر قال للناس إنْ غُلطتْ حاسبوني؟ مش ده يا جاموس يا بقر يعني إن يبقى فيه ناس بيقولوا عليهم في الراديو "المعارضة"؟ هو ينفع تبقى عمدة عادل وتقتل اللي يقولك لأ؟ طب الناس تصدقك كِيفْ بعد كده؟ مش حفضونا (هامش تفسيري: حفظونا، حيث تُبدل الظاءُ ضاءً في قريتي) أجداد جدودنا إن " اللي يعمل قنطره يستحمل الدوس"؟؟ (هامش تفسيري: من يجعل من جسده جسرًا ليمر عليه الناس فعليه أن يتحمل مروروهم عليه) طب هو أنا عمري ولحد ما سبتكم وسبت قرفكم ورحت عشت في التُرَب سمعتْ إن فيه جوز انفار بيتعاركوا وما بعتش الخفر ولا رحت بنفسي قبل ما الخراب يضيع البلد كلها؟؟ صمت قليلاً ثم قال لعبد الجيد: هو الواد ابن لملوم ما قالش الرئيس عمل آه يا أبو وش عكر أنت؟ فأجاب عبد الجيد بالنفي. ضرب غيضان كفًا بكف وقال كلمات متتابعة فسرها الجميع بأنها سباب ولعنات لم يُعرف إلى مَن توجه بالضبط.

قبل أن يستقر الصمت لينعم ببعض الظل المنكسر على أريكة الحكيم، قال ابن عزوز الخفير الذي أنهى تعليمه بمدرسة المعلمين ويدعي أنه من المثقفين: - يا سيدي العمدة. يعني هو أنا ينفع أقول لجنابك لأ؟ يعني ينفع أطلب من جنابك ما تمنعش المرور من الشارع زي عشيه عشان الغلابة بيلفوا القرية كلها وهم رايحين عند دكان علي أبو الحاج علي يشتروا الجاز ولا الشاي والسكر، و الواد ابن أبو مليجي شتمنا امبارح عشان.... وقبل أنْ يُكمل كلامه، كانت نظرة واحدة من العمدة قد أعطت الإذن للخفر برميه في غرفة السلاحليك (هامش تفسيري: غرفة الحجز)، بينما انصرف الجميع دون انتظار الإذن على أصوات صراخٍ ممزوج بقرع السياط الشديد على كل ما تصطدم به خلال حركتها شبه الدائرية في الهواء.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عام على رحيل مصطفى درويش.. آخر ما قاله الفنان الراحل


.. أفلام رسوم متحركة للأطفال بمخيمات النزوح في قطاع غزة




.. أبطال السرب يشاهدون الفيلم مع أسرهم بعد طرحه فى السينمات


.. تفاعلكم | أغاني وحوار مع الفنانة كنزة مرسلي




.. مرضي الخَمعلي: سباقات الهجن تدعم السياحة الثقافية سواء بشكل