الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تونس والاضراب العام : حتى لا تضيع البوصلة.

بيرم ناجي

2012 / 12 / 7
مواضيع وابحاث سياسية



بعد سليانة ، القطرة التي أفاضت الكأس، عرفت حكومة الترويكا بقيادة حركة النهضة أكبر أزمة لها منذ 23 اكتوبر 2011 و كان من المنتظر ان ترد القوى الديمقراطية المعارضة الفعل على السلطة الحاكمة بمشروع سياسي واضح لو كانت ناضجة و متوحدة . و لكن ماوقع هو العكس فكان رد الفعل من قبل رئيس الجمهورية الذي يشارك حزبه في الائتلاف الثلاثي الحاكم.

بعد خطاب رئيس الجمهورية كان من المفروض ان تلتقط المعارضة الديمقراطية الفرصة لفرض العودة الى طاولة الحوار الوطني الذي اقترحه اتحاد الشغل . ولكن القوى الديمقراطية المعارضة اكتفت بالقول ان رئيس الجمهورية أصبح يتبنى خطاب المعارضة و دخلت في خطاب استهزائي يبحث للرئيس عن شغل بعد تلويح النهضة بامكانية اقالته و هي التي لم تقم بذلك الا من باب رد الفعل التفاوضي الضاغط، لا غير، لأنها عاجزة عن ذلك بسبب احتمال خسارة الأغلبية النيابية في المجلس التأسيسي خاصة لو التحق حزب التكتل بالاحتجاج .

بعد خطاب الرئيس الداعي الى حكومة مصغرة من كفاءات و بعيدة عن المحاصصة الحزبية كان منتظرا ان ترد النهضة الفعل بمحاولة خلق مشكل جديد يوحي بأن التحالف الثلاثي أصبح في خطر و من ورائه مؤسسات الدولة بكاملها بما يخيف من الفراغ الحكومي . كان يمكن ان يدخل السلفيون على الخط و لكنهم لم يفعلوا لأنهم عرفوا تلاعب النهضة بهم بعد ان سقط متظاهروهم و مساجينهم قتلى برصاص النهضة امام السفارة الأمريكية و داخل سجون وزارة عدلها.

بعد سليانة وخطاب الرئيس الذي امتدح فيه مساهمة اتحاد الشغل في "تهدئة 23 اكتوبر 2012 " وبعد انتقادات مجلس التعاون الخليجي لراشد الغنوشي و دخول اخوان مصر في أزمة مفتوحة مع الجميع هنالك والخوف من عدواها ،الخ ، دخلت "لجان حماية الثورة " على الخط لاستعراض موازين القوى في لعبة لي أذرع "أخيرة" قبل التحوير الوزاري الذي أصبح ضروريا و توجهت ضد الاتحاد تحديدا.

ان النهضة، ظاهريا، ارتكبت بمهاجمة الاتحاد حماقة لأن المنظمة كانت قد أمضت صبيحة الهجوم اتفاقا مع الحكومة حول الزيادة في الأجور، مما يوحي بامكانية التفاوض بين الطرفين ، و لأن اليوم كان غير مناسب ، بسبب حساسية ذكرى اغتيال فرحات حشاد عند النقابيين و التونسيين عموما، و لأن المكان كان غير مناسب لأن الاعتداءات تمت في مقر الاتحاد و في الطريق الى ضريح الشهيد فرحات حشاد.
و لكن النهضة قد تكون فعلت "تلك الحماقة" حتى يسهل عليها التنصل منها – بحجة انها حماقة لا يمكن لها ارتكابها- و حتى تختبر بها حلفاءها و خصومها و تخيفهم على أمل تحسين شروط التفاوض و على أمل دفع خصومها الى ارتكاب أخطاء مقابلة أهمها الاستدراج الى العنف- هو ما تتوهم انها نجحت فيه لأضطرار حراس الاتحاد للدفاع عن أنفسهم و مقرهم- وتجعل الخطأ ميزة مشتركة عند الجميع لتعويم المشهد السياسي و التنصل من مسؤوليتها الأساسية عن تردي الأوضاع و حتى تحول اهتمام الرأي العام عن نتائج مجزرة سليانة للاهتمام بمعركة عصي "متبادلة" لا تتحمل مسؤوليتها الحكومة و لا النهضة بل "في اقصى الحالات" مجموعات منفلتة" من لجان "حماية الثورة" فيصبح المطلب الرئيسي ليس حل الحكومة و محاسبتها و تعديلها بل حل "لجان حماية الثورة" فقط.

ان النهضة تريد تحويل الأنظار عن مجزرة سليانة الحكومية، بعد الاستجابة لمطلب عزل الوالي، باتجاه مطلب جزئي لا غير. انها قد تستجيب لمطلب حل "لجان حماية الثورة" شكليا فتربح اظهار نفسها حريصة على السلم الأهلي و لكنها تعرف جيدا ان حل لجان "حماية الثورة" الشكلي لا يعني حلها الفعلي. ان حل "لجان حماية الثورة" هو "حل ما لا يحل" لأن الميليشيات تستطيع البقاء و العمل خارج أي اطار شكلي قانوني و دون مقرات و أزياء- صدريات خاصة تكلف النهضة مالا .
ان النهضة قد تكون مستعدة "للتضحية" بلجان "حماية الثورة" – شكليا- كقربان وهمي و عظم يلتقطه المعارضون و يتصورون انهم ينتصرون بتحقيقه بينما هم يرتكبون خطأ جسيما لو انهم ركزوا ضغوطهم على هذه المسألة الجزئية و حادوا عن النضال ضد ازدواجية العنف المادي و الرمزي الرسمي /الميليشياوي لكل من الحكومة و حركة النهضة في نفس الوقت.
انه سيكون من الأخطاء القاتلة الجديدة للديمقراطيين ان ينجروا الى معارك جزئية ، مركزين على جانبها الشكلي، مهملين المعركة الأساسية المتمحورة حول ديمقراطية و مدنية الدولة برمتها في علاقة بالتحوير الحكومي الضروري الآن. سيكون ذلك أشبه بالاهتمام برأس الحربة فقط و اهمال الحربة بكاملها و الحرباء المتلونة التي تمسك بها ، سترتكب المعارضة خطأ الاهتمام باقتلاع الشجرة التي تخفي الغابة لاغير.

هل وقع الاتحاد في الفخ؟
نعم ولا ، مع الأسف.
فرغم شرعية ما طالب به، و رغم تضامننا التام معه، الا اننا نعتقد ان النهضة استدرجت الاتحاد العام التونسي للشغل الى التشنج و جعلته لا يرد الفعل بثقابة و بعد نظر.
ان اعلان الاضراب العام في تونس ليست مسألة بسيطة و عابرة و ان يكون هذا الاضراب العام سياسيا، تحديدا، و ليس مطلبيا يزيد من خطورة المسألة.
ستستغل النهضة و بعض حلفائها هذا الاعلان للقول ان الاتحاد لم يعلن الاضراب العام ضد بن علي فلماذا يعلنه الآن؟
ستستغل النهضة الطابع السياسي للاضراب المتزامن مع ابرام اتفاقيات على الزيادة في الأجور للتنديد بما تسميه "تسييس الاتحاد".
ستستغل النهضة الظرف الاقتصادي الصعب للاقتصاد و للقدرة الشرائية للمواطن و تشكك في مدى ضرورة اضراب سياسي عام الآن.
ستستغل النهضة فترة نهاية الثلاثية الأولى من السنة الدراسية للعب على المشاعر العائلية و اظهار الاتحاد ضد مصلحة أطفالنا.
ستحاول النهضة القول ان هنالك مبالغة مسيسة في اضراب عام سياسي ضد عملية احتجاج محدودة تخللتها تجاوزات عنيفة "متبادلة".
كل هذه الحجج التي قد تسعملها النهضة هي من باب كلام الحق الذي يراد به باطل لتبرير العنف و الاستبداد.
ان ماأعلنه الاتحاد من اضراب عام صحيح و مطلوب و لكن الأهداف التي يسعى لتحقيقها هي المحدودة و المتواضعة و هنا الخطأ الجزئي الذي يرتكبه النقابيون ووراءهم الديمقراطيون التونسيون.

ان لائحة الهيئة الادارية تعبر عن هذا بوضوح و هذا نصها الكامل:

***


" نحن أعضاء الهيئة الادارية الوطنية للاتحاد العام التونسي للشغل المنعقدة بصفة استثنائية، المجتمعين اليوم 5 ديسمبر 2012 برئاسة الأخ حسين العباسي الامين العام للاتحاد العام التونسي للشغل، بعد استعراضنا للاعتداء الهمجي المنظم على الاتحاد في الذكرى الستين لاغتيال مؤسسه الزعيم النقابي والوطني فرحات حشاد، الذي قدم حياته فداء للوطن ودفاعا عن عزته وتحرّره وكرامة شعبه، وهو اعتداء آثم نفّذته مليشيات تابعة لحزب حركة النهضة، مستعملة كلّ أدوات الإرهاب والتخريب من حجارة وعصي وقضبان حديدية وغازات مشلّة للحركة، ممّا أدى إلى إصابة عديد أعوان الاتحاد وموظفيه ومناضليه وقيادييه، إصابات بليغة وتهشيم واجهته وإتلاف صور زعمائه مركّزين على مكتب الأخ الأمين العام، وإذ نذكر أن ما حدث يندرج في سياق مخطّط منهجي لاستهداف المنظمة متعدّد الحلقات، تمثّل في رمي القمامة في بطحاء محمد علي وبعض دور الاتحادات الجهوية والمحلية والإقدام على حرق البعض منها واتلاف محتوياتها والاعتداءات المتكرّرة على النقابيين والقيام بعمليات تشويه وتحريض منظمة، استهدفت الاتحاد وقياداته المناضلة، فإنّنا نعتبر الهجوم الوحشي على دور الاتحاد يوم أمس الثلاثاء 04 ديسمبر 2012، حادثة غير مسبوقة وقع التمهيد لها بتصريحات حشد وتحريض مناوئة للاتحاد والنقابيين من قبل قيادات حزبية ومسؤولين في الحكومة المؤقّتة
.
وبعد تدارسنا للأوضاع الخطيرة والمستجدات التي ضربت عرض الحائط بكلّ المبادئ والضوابط، فإننا نحن أعضاء الهيئة الادارية الوطنية نعبّر عن:

1- تمسّكنا باتحادنا منظمة وطنية منحازة للشعب ولمصالح الوطن رافضة لكلّ محاولات تدجينها أو تطويعها من أيّ طرف كان، مواصلة دفاعها عن استكمال أهداف الثورة من حرّية وعدالة وكرامة وطنية.

2- امتناننا لكلّ أفراد الشعب ولمكوّناته من جمعيات ومنظمات وأحزاب ونواب ديمقراطيين للشعب في المجلس الوطني التأسيسي وشخصيات وطنية أدانوا جميعا الجريمة النكراء ومرتكبيها معبّرين عن وقوفهم اللاّ مشروط إلى جانب الاتحاد.


3- شكرنا للمنظمات النقابية العربية والدولية التي ساندت إتحاد حشاد بالإبراق والبيانات وعبّرت عن تضامنها معه وإدانتها لما حدث.

4- دعمنا المطلق لكلّ الاضرابات العامة الجهوية التي وقع اقرارها في عديد الجهات دفاعا عن منظمتهم العتيدة الاتحاد العام التونسي للشغل.


5- تحميل الحكومة مسؤولية تفشّي كلّ مظاهر العنف التي تمارس ضدّ كلّ مكونات المجتمع المدني بما فيها الاتحاد.

نطالب بـ:

1- تقديم المعتدين إلى المحاكمة ومقاضاتهم على كلّ ما اقترفوه خاصة وأنّ الأحداث موثّقة بالصور والأشرطة والأسماء.

2- حلّ ما يسمى بلجان “حماية الثورة” التي أثبتت الأحداث التي عاشتها بلادنا في الأشهر الأخيرة، إنها مليشيات تتحرّك بأمر من الحزب الحاكم للاعتداء على كلّ من يخالفه الرأي.

3- رفع شكوى إلى منظمة العمل الدولية لاتخاذ موقف من الاعتداءات المتكرّرة التي تستهدف نقابي الاتحاد العام التونسي للشغل.

نعلن عن دخولنا في إضراب عام وطني احتجاجا على الاعتداءات التي استهدفت منظمتنا وذلك كامل يوم الخميس 13 ديسمبر 2012.
عاشـت نضـالات النقابييـن،
عـاش الاتحـاد العـام التونسـي للشغـل، حـرّا مستقـلا مناضـلا.
تونس، في 05 ديسمبر 2012
عن الهيئة الإدارية الوطنية
الأمين العام حسين العباسي" ( انتهى البيان)

***

اننا لو قارنا بين الجمل التالية لاتضح الأمر.

في المقدمة نجد : "... وهو اعتداء آثم نفّذته مليشيات تابعة لحزب حركة النهضة ... وإذ نذكر أن ما حدث يندرج في سياق مخطّط منهجي لاستهداف المنظمة متعدّد الحلقات..."

ثم في الفقرة الثانية التي تبدأ بفعل "نعبر" ورد

" تمسّكنا باتحادنا منظمة وطنية منحازة للشعب ولمصالح الوطن رافضة لكلّ محاولات تدجينها أو تطويعها من أيّ طرف كان، مواصلة دفاعها عن استكمال أهداف الثورة من حرّية وعدالة وكرامة وطنية."

ثم
"تحميل الحكومة مسؤولية تفشّي كلّ مظاهر العنف التي تمارس ضدّ كلّ مكونات المجتمع المدني بما فيها الاتحاد."

و لكن قي القرارات ورد في صيغة "نطالب ب ":



1- تقديم المعتدين إلى المحاكمة ومقاضاتهم على كلّ ما اقترفوه خاصة وأنّ الأحداث موثّقة بالصور والأشرطة والأسماء.

2- حلّ ما يسمى بلجان “حماية الثورة” التي أثبتت الأحداث التي عاشتها بلادنا في الأشهر الأخيرة، إنها مليشيات تتحرّك بأمر من الحزب الحاكم للاعتداء على كلّ من يخالفه الرأي.

3- رفع شكوى إلى منظمة العمل الدولية لاتخاذ موقف من الاعتداءات المتكرّرة التي تستهدف نقابي الاتحاد العام التونسي للشغل."


اننا نعتقد ان الطلبات أقل بكثير من المطلوب في هذه المرحلة. لقد اعترف الاتحاد في بيان الهيئة الادارية ب" امتناننا لكلّ أفراد الشعب ولمكوّناته من جمعيات ومنظمات وأحزاب ونواب ديمقراطيين للشعب في المجلس الوطني التأسيسي وشخصيات وطنية أدانوا جميعا الجريمة النكراء ومرتكبيها معبّرين عن وقوفهم اللاّ مشروط إلى جانب الاتحاد." و لكنه لم يرتق في مطالبه الى مطالب الشعب و الأحزاب الديمقراطية و النواب الديمقراطيين في المجلس التأسيسي .

أولا : ان الاتحاد حمل النهضة و الحكومة المسؤولية و لكنه لم يطالب بسحب وزارة الداخلية من النهضة في اطار التحوير الوزاري الضروري الآن و الذي طالب رئيس الجمهورية باجرائه و لكن أراد حصر شرط الكفاءة فقط في الوزارات ذات الطابع الاقتصادي و الاجتماعي و كتفى بالامتعاض من المحاصصة الحزبية.
طالما ان العنف ممنهج من قبل حركة النهضة و ان الحكومة تتحمل المسؤولية و تستعمل وزارة الداخلية لممارسة العنف الهمجي في سليانة و للتغطية على عنف السلفيين و النهضاويين و لاكتساح كل الولايات و المعتمديات عبر تنصيب الموالين لها فانه يجب سحب وزارة الداخلية من النهضة و تسليمها الى شخصية مهنية مستقلة الآن و فورا.

ثانيا : طالب الاتحاد ب" تقديم المعتدين إلى المحاكمة ومقاضاتهم على كلّ ما اقترفوه خاصة وأنّ الأحداث موثّقة بالصور والأشرطة والأسماء."
و لكن كيف سيتم ذلك ووزارة العدل نهضوية وتعرف ما تعرف من تدخلات مفضوحة في شؤون القضاة و تعطيلا واضحا لمسار العدالة الانتقالية في الوقت الذي تهدد فيه النهضة بالانتقام الجماعي من معارضيها؟
لا بد من المطالبة بسحب وزارة العدل من النهضة فورا لأنه لا يمكن ضمان هذه المحاكمة في صورة استمرارالظروف الحالية تماما.

ثالثا : طالما ان المسألة سياسية و ان رئيس الجمهورية – وحزبه- نفسه دعيا الى تعديلها و ان حزب التكتل بدأ يتذمر هو الآخرفانه من الضروري الدعوة فورا الى اعادة احياء مبادرة الاتحاد في الحوار الوطني و جمع كل الأحزاب الديمقراطية للغرض من أجل اعادة تفعيلها فورا للنقاش في سبل الخروج من الأزمة الحالية.

رابعا: تكوين تنسيقية دائمة الانعقاد مع كل الأحزاب الديمقراطية و رابطة حقوق الانسان، بالتوازي مع اشتغال هياكل الاتحاد ، لمراقبة سير الأحداث من هنا حتى موعد الاضراب العام و بعده.

ان الاضراب العام أرقى اشكال النضال النقابي و لا بد ان يهدف الى تحقيق أقصى ما يمكن من الاصلاحات الاستعجالية الضامنة لمسار الانتقال الديمقراطي بالتعاون مع كل القوى الديمقراطية من أحزاب و جبهات منظمات اجتماعية و شخصيات وطنية .

كما ان الاضراب العام السياسي، بوصفه ارقى اشكال النضال النقابي، يتطلب تنظيما و متابعة و تقييما وتوجيها بالتنسيق مع كل الأطراف الديمقراطية المساندة له.

نعم للاضراب العام و لكن لا تضيعوا بوصلة الانتقال الديمقراطي.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. Ynewsarab19E


.. وسط توتر بين موسكو وواشنطن.. قوات روسية وأميركية في قاعدة وا




.. أنفاق الحوثي تتوسع .. وتهديدات الجماعة تصل إلى البحر المتوسط


.. نشرة إيجاز - جماعة أنصار الله تعلن بدء مرحلة رابعة من التصعي




.. وقفة طلابية بجامعة صفاقس في تونس تندد بجرائم الاحتلال على غز