الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إلى ما قبل قبل العصور الحجرية

خالد قنوت

2012 / 12 / 7
مواضيع وابحاث سياسية


الطريق إلى المنزل بعد يوم عمل طويل, يستغرق الساعة و النصف ركوباً بوسائل النقل العامة. لم أكن أمتلك سيارة بعد, لأني كنت قادماً جديداً لهذا البلد المتشح بالثلوج طوال السنة. عند موقف الحافلة توقفت اتقي شر البرد الذي ينخر العظام, نخراً. لاحظت رجل مسن و زوجته لديهما ملامح بلادنا, سرعان ما اكتشفت من لهجتهما الجميلة أنهما عراقيان. إلتقت عيوننا مع بعض و كأننا كنا نبحث عن بعضنا منذ زمن. اقتربت منهما و سلمت عليهما بالعربية. دخل الدفء إلى قلوبنا جميعاً. سألته كيف الأحوال في العراق؟ شاح بنظره عني و كأنه كان يريد أن يلملم دمعة لاحظتها بين عينيه. عالجت المشكلة بسؤال آخر: منذ متى و أنتم هنا؟ قال لي: (منذ شهر), و شرح لي أنه اضطر لمغادرة العراق بسبب الفوضى التي تعمه. سألني ماذا أعمل فكان حزنه واضحاَ عندما قلت له أني مهندس. قال لي أنه بروفسور في الهندسة و رئيس قسم الكهرباء و مدير أبحاث في جامعة بغداد.
سألته عن أحوله المعيشية فقال أن لديه أبنتان تقومان بتعديل شهادتيهما في الطب لتستطيعان العمل هنا و قد اقترضتا من الحكومة تكاليف الدراسة و من هذه التكاليف يعيشان جميعاً. قلت له إن كان يحب أن أساعده في الحصول على عمل. ابتسم و قال لي باللهجة العراقية : (يا أبن أخي, بعد هذا العمر, صعب جداً أن أتقدم بطلب توظيف من أحد قد يكون بعمر أولادي و لا يملك من العلم ما أملك, صعب).
انقطع الحديث عندما وصلت الحافلة في موعدها المحدد على شبكة الأنترنت, بالدقيقة.

اليوم اعتصر الحزن و الألم قلبي عندما سمعت بخبر اختطاف صديق عزيز علي. هو بكل المقاييس عالم و يعمل في مركز البحوث العلمية. منذ شهر وجدوا سيارته على طريق الربوة و لم تصل لأهله أي أخبارعنه و لم يتلقوا اتصالاً, كما هو معهود هذه الأيام, طلباً للفدية. الأنكى من ذلك أن النظام أوقف راتبه الشهري بسبب تغيبه عن العمل.
لقد درس هذا الرجل على نفقته الخاصة في فرنسا و اختص في مجال البحوث العلمية و له عدة محاضرات تتناقلها مراكز البحوث العلمية العالمية, اهتمامته السياسية منعدمة تقريباً, جل اهتمامه العلم و لا شيء غير العلم. مهذب و علاقته مع عائلته مثالية و حب أصدقائه له كبير.

تتقاطع المسألتان السابقتان مع تكرر استهداف ما للعلماء السوريين في ظل هذه الفوضى التي تعصف ببلادنا. من يذكر منكم الرقم الحقيقي لعدد العلماء العراقيين الذي اغتيلوا أو اختطفوا بعد الاحتلال الأمريكي للعراق, و من يعرف عدد العلماء العراقيين الذين غادروا العراق و تاهوا في العالم.
الفوضى دائماً, أفضل الوسائل للأنظمة الدكتاتورية لكي تمنن الشعوب بضرورة بقائها جاثمة على صدور الجميع و لكن الفوضى أيضاً أسهل الطرق للجماعات المسلحة المتطرفة و الجماعات الإجرامية التي أطلق النظام سراحها من سجونه لتعيث فساداً و قتلاً و اختطافاً و لتحقق مكاسبها سياسيةً كانت أم مادية.
أحد السوريين ذهب لمخفر الشرطة يطلب مساعدتهم لتنفيذ قرار محكمة بإخلاء بيته المستأجر, فكان جواب رجال الشرطة: (إذهب و اقتله و ادعي أن الجيش الحر قتله) هذه الحادثة حقيقية و لست خيالاً, تحدث في بلادنا.
لكن سؤال كبير و مهم علينا نحن السوريين أن نسأله لأنفسنا: (من مصلحة من التعرض للعلماء السوريين و أصحاب الكفاءات العلمية و الاختصاصات؟ إلا يكفي سياسة النظام الذي شرع أبواب الهجرة للعقول السورية و لم يحمها بإيجاد سبل العيش الكريم لهم في وطنهم و لم يحقق لهم المكان و الزمان لإبداعاتهم؟)
العلماء السوريون الذين رفضوا إغراءات الدول المتقدمة للعمل و العيش هناك و عادوا بعد تحصيلهم العملي العالي, للوطن للعمل في ظروف سيئة و مشحونة ترفض نجاحهم في جو من الفشل العام الذي أنتجه نظام أبعد ما يكون عن العلم و البحث العلمي و هو الذي أنفق ملايين الدولارات على طلاب فاشلين درسوا في جامعات فاشلة فقط لأنهم بعثيون و عادوا ليكونوا عالة على العلم و الوطن بشكل عام.
هنا و بكل صدق لا استبعد العامل الخارجي الذي من مصلحته غياب أي عقول و أدمغة سورية وطنية سيكون لها الريادة بعد سقوط النظام و بهذا يتعثر الوطن بالجهل و التطرف و الاحفاقات لزمن طويل حتى يرمم هذه الشريحة العلمية من جديد.

أعرف العديد من هؤلاء و أخشى عليهم خشيتي على سورية الجديدة التي سيعاد بنائها من جديد و سيكون لهؤلاء العلماء و لأصحاب الكفاءات العلمية المهمة الأساسية في ذلك.
النظام الذي استحلف بالقول: الأسد أو نحرق البلد, مهدداً الوطن الثائر بأنه سيعيده إلى العصور الحجرية و قد أنجز الكثير من خراب الوطن و فوضى بلا حدود فتأتي طيور الظلام و قوى داخلية و إقليمية و دولية لتستكمل خراب الوطن و تقضي على أسس و كوادر إعادة بنائه من جديد لترمينا كسوريين إلى ما قبل قبل العصور الحجرية.
أيها السوريون حافظوا و احرصوا على ما تبقى من علمائكم رجالاً و نساءً لأنهم سينيرون طريقكم إلى سورية الحديثة.
و أنت يا صديقي الغائب, أدعو الله أن تعود سليماً لعائلتك و لأصدقائك و لوطنك الذي يحتاج نور عقلك و علمك و أخلاقك.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إيران تشهد انتخابات رئاسية يوم الجمعة 28 يونيو والمرشحون يتق


.. الاعتداء على داعمين لفلسطين اعتصموا بمركز تجاري بالسويد




.. تقرير حالة انعدام الأمن الغذائي: 96% من سكان غزة يواجهون مست


.. مصادر العربية: إطلاق النار في محج قلعة أثناء القبض على من سا




.. -إيرباص- تُعاني بسبب الإمداد.. والرئيس التنفيذي للشركة يتوقع