الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


دستور غير دستوري

رضوى الأسود

2012 / 12 / 8
الثورات والانتفاضات الجماهيرية


يقولون أن "التاريخ يعيد نفسه مرتين، الأولى تكون جادة، والثانية هزلية". ومن هنا أستطيع أن أؤكد اننا نعيش الكرة الثانية بإمتياز منذ أن أمسك الإخوان بزمام الحكم.
فالجمعية التأسيسية الأولى للدستور يتم حلها بحكم من الحكمة بسبب عوار شاب تكوينها، ليتم عقدها ثانية بنفس العوار الذي حُلت بسببه! وسوف يتم الاستفتاء على دستور معيب لا يساوي الحبر الذي كتب به، ولا يعبر سوى عن فئة وحيدة تستأثر بالحكم بسبب ظروف تاريخية فريدة ( ضغط ومباركة أمريكا واسرائيل والخليج ) ، وهو فصيل الإسلام السياسي، أو ما يحلو لى تسميتهم بالمتأسلمين.
وبهذا الاستفتاء الخطير، والذي نفي مرسي من قبل (كما نفى الكثير ثم نفذه بعد ذلك) طرح الدستور للاستفتاء ان لم يكن توافقيا، يتكرر سيناريو 19 مارس 2011 الذي قسم الشعب، الموحد آنذاك، قسمين، ولتكون القسمة هذه المرة كارثية ثم نعاني منها اعواماً يعلم الله مداها، وليكون مرسي هو بطل الفتنة التي هي اشد من القتل، وهو وجماعته الذين ايقظوها وغذوها بحشد مريديهم من قراهم باتوبيسات لا حصر لها، وبمظاهرات تتكلم عن الدستور الذي يطبف الشريعة وترفضه القوى المدنية والوطنية الكافرة. وهذا تدليس خطير ينطلي للاسف على الشعب البسيط.
يأتي دستور 2012 بعد ثورة عظيمة كثورة 25 يناير ليتفرد عن بقية الدساتير التي سبقته بعباراته الفضفاضة وعنصريته الواضحة، بعد أن تجمع على صنعه كل النكرات التي طفحت علينا مؤخرا، وإستبعاد كبار الرموز الوطنية، مع الانسحابات المتكررة للتيار المدني بكامله والنقابات والنساء والكنائس بكل اطيافها.
دستور خبيث كأصحابه، تأتيك بنوده فى عبارات إنشائية رنانة تثلج الصدور لأول وهلة، لتنتهى بفخ فى آخر العبارة وهو كلمة :"بالقانون". وبتحليل بسيط تتكشف لك المؤامرة الشيطانية التى رسمها الإخوان للشعب المصرى كله، وذلك بأن مجلس الشيوخ (الشورى) هو من سوف يسن القوانين طبقاً للإعلان الدستورى والدستور نفسه. إنه المجلس الذى يسيطر عليه الإخوان والذى تم تحصينه بالإعلان الدستورى!
سوف أعدو سريعاً فوق المشهد الهزلى والمخزى فى آن لجمعية العار التى وافقت على بنود تقترب من الـ 300 مادة فى 19 ساعة، وكيف أنها كانت تدار وكأنها جلسة عائلية فوق أحدى المصاطب، ليخرج الينا دستور معيب بشكل لا يصدق نتيجة إدارتها من قبل أصحاب الرؤى الصحراوية البترورياليه، يسابقون الوقت خوفاً من حكم المحكمة ببطلانها، وبالفعل أنصار الجماعة الآن يقفون أمام المحكمة يرهبون القضاة ويمنعون دخولهم للنطق بالحكم، وهو مانجحوا فيه حتى الآن. ولا يخفى على أحد أن هذا الترتيب بأمر المرشد، وتحت صمت فادح لأمن الدولة التى لم تتدخل لتفريق المتظاهرين،فهى فقط تجيد قتل وسحل وفقء عيون الثوار و القبض على أطفال بالزى المدرسى فى التحرير ومحمد محمود وقصر العينى!
سوف أورد هنا غيض من فيض، وهى البنود التى تستحضرنى الآن، وسوف أحاول عرضها من حيث الخطورة، أو فلنقل الكارثية:
1- مادة 33 : "... المساواة أمام القانون وعدم التمييز بين المواطنين." وقد تم حذف بقية العبارة "على اساس الجنس أو الأصل أو اللون أو الدين" والتى ظلت قائمة منذ دستور 1923 وحتى دستور 1971! وتكمن خطورة هذه المادة المبتورة فى أنه سيتم الإستناد عليها لعدم تمكين المرأة أو المسيحى من مناصب بعينها.
2- مادة 70 : "يحظر أن يعمل الطفل قبل السن الإلزامى ..." فى مخالفة صارخة لقوانين الطفولة التى تحظر العمل على الأطفال من أساسه.
3- مادة 73 : "يحظر تجارة الجنس ..." وكان الأولى بهم كتابة يحظر تجارة البشر، لأن الجنس جزء من كل.
4- مادة 10 :"... تخص الدولة والمجتمع على الإلتزام بالطابع الأصيل للأسرة المصرية ...". وهى المادة التى تم التحذير منها مراراً، ونحن الآن فى إنتظار عصابات و ميليشيات مسلحة سوف تطلق على نفسها ألقاباً على شاكلة "الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر".
5- مادة 12: "تعريب العلوم" والتى ستجعل الطالب المصرى خارج خريطة العالم المتقدم.
6- فيما يخص المحاكمات هناك مادة تقول بأنه "لا يحاكم المدنيين أمام المحاكم العسكرية إلا فى ظروف إستثنائية" ليظل ذلك الباب مفتوحاً لم يغلق ولتستمر محاكمة المدنيين عسكرياً ! أما فيما يخص حقوق المقبوض عليهم، فقد تم إهمال "حق الصمت" فى مخالفة واضحة لحقوق الإنسان والمواثيق الدولية.
7- مادة 48 : "والخاصة بحرية الصحافة، تقول: "...إتجاهات الراى العام والإسهام فى تكوينه وتوجيهه فى إطار المبادىء الأساسية للدولة والمجتمع" لنصطدم بعبارة فضفاضة أخرى، فمن يستطيع أن يُعرف المبادىء الأساسية للدولة والمجتمع؟ وهو فى الحقيقة فخ سوف تجعل المشرع يعود للإحتكام إلى الشريعة وهى ليست شىء محدد، بل مختلف عليه.
وفى هذه المادة يظل حبس الصحفيين قائماً، كما أن الصحافة ستظل تابعة للسلطة الحاكمة.
ومن هنا يتبين لنا القنبلة الموقوتة التي يسمونها زورا وبهتانا الدستور، وهو في الواقع دستور غير دستوري يعصف بحقوق المصريين ويخالف بشكل صارخ حقوق الانسان والمواثيق الدولية ويقهقهر مصر الى الخلف ويخرجها من السياق العالمي، وها هي البشائر قد بدأت باعلان الاتحاد الاوروبي قطع علاقاته السياسية والاقتصادية مع مصر.
يكرر مرسى أخطاء مبارك بجدارة يحسد عليها، متناسياً أن فى الماضى القريب جداً خلع الشعب ذاك الطاغية وكسر حاجز الخوف إلى الأبد، وهو الآن ليس بصعب عليه خلع طاغية آخر، بل أكثر منه جوراً. وهو ثبت أنه إخوانى أصيل يكرر بدأب عجيب نفس أخطاء الإخوان التاريخية منذ الملك فاروق و حتى الآن، من دون التعلم منها، ليثبتون نظرية جديدة تضحد ما قبلها، وهى أن التاريخ يعيد نفسه مرات لا حصر لها، الأولى جدية وكل ما بعدها كوميديا سوداء تنقلب على أصحابها خرابا ًودماراً.

قال مرسى فى خطابه الأخير عبارة ربما تكون الوحيدة الصحيحة والصادقة فى كل ما قاله منذ توليه الحكم وربما قبل ذلك :
"تصنع الدساتير وتستمر بإرادة الشعوب"
و انا أصدق تماماً على مقولته و ابشره بسقوط هذا الهراء المسمى بالدستور متزامناً أو متلاحقاً مع سقوط حكم الإخوان بغير رجعة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. لماذا تشكل جباليا منطقة صعبة في الحرب بين الفصائل الفلسطينية


.. Socialism the podcast 131: Prepare a workers- general electi




.. لماذا طالب حزب العمال البريطاني الحكومة بوقف بيع الأسلحة لإس


.. ما خيارات جيش الاحتلال الإسرائيلي لمواجهة عمليات الفصائل الف




.. رقعة | كالينينغراد.. تخضع للسيادة الروسية لكنها لا ترتبط جغر