الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


صعلوكيات / -إعلان دمشق- وجبهة النصرة : زواج العقل ؟

روبير البشعلاني

2012 / 12 / 8
مواضيع وابحاث سياسية



SYRIE / L opposition
L universel avec l universel et le confessionnel avec le confessionnel

الطائفي مع الطائفي والشاملي مع الشاملي

استغرب البعض دفاع الصحافي صبحي حديدي في مقالة له نشرتها "القدس العربي" قبل يومين عن "جبهة النصرة" الاسلامية في سوريا وبدا ذلك كما لو كان متناقضا مع تاريخه ومع تعاطفاته السياسية. كذلك استغرب البعض وجود السيد سمير نشار القريب من قيادة "اعلان دمشق" في الصورة التي نشرها نزار نيوف على الفايسبوك وتظهر مدى التنسيق العسكري بين القيادتين, التقدمية الليبرالية والاسلامية الأصولية, في حلب.
الاستغراب مرده الإختلاف الأيدولوجي الكبير بين التنظيمين والتفاوت الكبير في الأهداف السياسية المعلنة : فريق يريد الوصول إلى حكم وطني ديمقراطي يساوي بين مواطنين وفريق يريد حكما إسلاميا عقائديا واضحا لا وجود فيه لغير المنتمي الى الجماعة.
غير أن التوصل الى فك ألغاز هذا التفاهم ليس بالأمر العسير لا سيما اذا ما رجعنا الى حركة تطور تيار "إعلان دمشق" منذ بداية الحراك السوري والنقطة التي وصل اليها اليوم ان كان لجهة أهدافه أم لجهة تحالفاته. تلك الاهداف والتحالفات التي بنيت على أرضية قراءة معينة للعمران البشري العربي والسوري منه على وجه أخص.
فمجموعة "إعلان دمشق" التي تنطلق من حتميات ومضمرات نظرية "وطنية"( بمعنى غير طائفية), مفترضة استكمال الرسمالية هيمنتها على مجتمعاتنا, وضعت برنامجا سياسيا وأهدافا تنطبق مع هذه الفرضيات المعلنة والمضمرة . وهي بذلك تقلد مثيلتها وشقيقتها الحركة الوطنية اللبنانية التي انطلقت مثلها من الفرضيات نفسها لتضع الهدف الرئيس نفسه "في هذه المرحلة": إقامة حكم وطني ديمقراطي. ورياض الترك هنا لا يفترق بأي شيء عن جورج حاوي 1975 الذي كان يقود " إعلان دمشقه" يومها في بيروت.
بيد أن حسابات الحقل الوطنية الديمقراطية لم تطابق حسابات البيدر الطائفي في ظل الصراع العالمي الجديد على مركز الرأسمالية العالمي, فالإجتماع أو العمران البشري في لبنان كما في سوريا والذي لم يصل الى مرحلة الصياغة "الوطنية" أي الطبقية بل بقي ما قبل رأسمالي, "أهلي", لم يتح (ولا يمكن ان يتيح طالما هو المسيطر) إمكان تفتح برنامج وطني شامل ومخترق للقوى الاهلية يبعد شبح الانقسام العامودي المولد لحروب أهلية لا نهاية لها.
في لبنان نجح الحاوي في التقاط المعضلة بسرعة مذهلة وبدلا من الانسحاب من صراع أهلي لا مصلحة له فيه الا في جانبه الاقليمي والدولي قام بالتكيف مع المعطيات الجديدة بمساعدة زعيم الطائفة الدرزية كمال جنبلاط الذي نقل الهدف فورا من "الوطني" الى "المشاركة", أي الطائفي, أي الى تحسين مواقع الطائفة السنية في الحكم ذي الغلبة المارونية الطائفية.
ومشى الحزب الشيوعي اللبناني حينئذ بقيادة الحكيم الحاوي بمشروع الطائفة السنية بدون تكليف منها طبعا الى أن توصلت هذه الطائفة بفضله وبفضل غيره من الطوائف( الشيعة والدروز) والاحزاب العلمانية الى تحقيق أهدافها بالمشاركة لا بل بتغيير الغلبة نفسها. عندها طبعا قامت قيادة الطائفة السنية بالإستغناء عن خدمات الحاوي وعزلته الى حد عدم دعوته حتى الى مؤتمر " الطائف" الذي كرس الغلبة الجديدة التي كان هو من صناعها الكبار على الارض.
أما في سوريا ولأسباب أجهلها لم يتأقلم الحاويون الجدد, جماعة "إعلان دمشق", وعلى رأسهم "مانديلا سوريا", مع معطيات الصراع الطائفي والعشائري والمناطقي على الأرض بل بالعكس دفعهم التنكر الأعمى والطفولي لوجودها الى التوهم بأن حركتهم هي القيادة الفعلية للثورة او على الأقل هي في الطريق لتسلمها عبر تنسيقية هنا او هناك. مما أدى فعليا الى تقزيم حجمهم وانعزالهم عن أي مشاركة حقيقية ليس فقط في المشاركة بالقيادة بل حتى في متابعة حيثياتها. فالجماعة تتأرجح فعليا بين خطين إجرائيين : من جهة لا تنخرط كليا في التحالف الطائفي السني لكن بدون الانفكاك عنه نهائيا ومن جهة ثانية تفتش عن حليف لها يكون "نظيفا " من الموبقات الطائفية. لا تترك المجلس الوطني ولا الائتلاف الجديد لكنها تسمح لنفسها بانتقادهما علنا مما أثار حنق السفراء الغربيين على رياض الترك وحردهم منه تاركين لأبواقهم تنقل "رأيهم" به كعنيد وما شابه.
عدم الإعتراف بالبنى المادية للإجتماع السوري والعربي كبنى قرابية , رحمية ودينية, قاد هذه الجماعة الى اعتبار القوى الجهوية والطائفية السورية مجرد أدوات للقوى الخليجية أو التركية أو الغربية غير ممثلة فعليا لقوى المجتمع السوري, كما زادها عنادا وقناعة ب"صحة خطها" الوطني العام. وبدلا من كشف أسباب وقوف الخليج والغرب وراء دعم "ثوار" من طائفة معينة واتخاذ موقف من ذلك قرر هذا التيار الهروب الى الأمام. ففي الوقت الذي يرغب, من جهة, في الإنضمام الى تحالف عريض معارض, يتفق معه على ضرورة إسقاط النظام, فيجد أنه ليس في "مكانه" تماما في صف الثوار الطائفيين, يحاول, من جهة ثانية, الابتعاد أو التميز لكنه لا يستطيع التميز الى حد العودة الى الوراء والإنضمام الى نظام طالما حاربه باعتباره نظام طائفي واستبدادي.
وهنا تكمن خلفيات المأزق الحقيقي لجماعة "إعلان دمشق". فالإنطلاق من فرضيات إجتماعية خاطئة قاده الى تحديد تناقضات خاطئة للقوى السياسية المتصارعة والى تعيين أهداف تنحصر بالحرية والديمقراطية مما أشاح النظر عن التناقضات الداخلية الفعلية المتمثلة بصراع على الغلبة بين قوى أهلية جهوية وطائفية وتبرع بعض أطرافها ومن اجل الغلبة بخدمة مصالح اقليمية ودولية غير وطنية إطلاقا. غير أن مجريات الصراع الفعلي وتشكل القوى على الارض " الثورية" دفعته الى التململ منها وممانعته لها ولسيطرتها دون الوصول طبعا الى فهم كنهها الفعلي وسر سيطرتها كقوى جهوية وطائفية لا تسعى الى الحرية بل الى تغيير الغلبة وهوية المستبد وهذه المرة لصالح الغرب والخليج.
الخصم طائفي مستبد حاكم والحليف طائفي يستعد للاستبداد اذا حكم وبتكليف من المستعمرالغربي : تلك هي المعادلة-المأزق التي يجد نفسه بها تيار " اعلان دمشق" اليوم. وأما اللجوء الى خزان "الشعب" من أجل قلب هذه المعادلة فهو حاليا وهم نظرا للعمران البشري الذي لم يصل بعد في تطوره الى بروز الشعب وهيمنته على حساب العصبيات. وأما الهروب الى الامام والتفتيش عن حلفاء سياسيين غير طائفيين فوهم آخر لم يجد ضالته الا عند الاسلامويين الشامليين ( حتى لا نستعمل تعبير الشمولي الذي أصبح له دلالة أخرى) , أي العقائدي الاسلامي الذي يعتقد بأن الإسلام ليس وسيلة لخلق عصبية قرابية محلية بل عقيدة دولية تصلح لحكم الناس في كل زمان ومكان.
الدفاع عن "جبهة النصرة" والتحالف معها عند أصحاب هذا التيار ليسا إذا صدفة أو اكتشافا يستدعيان كل هذا الاستغراب بل خاضعان لمنطق سياسي محكم الاطباق هو الهروب من الطائفي الى الشاملي, الهروب من الواقع للوقوع طبعا بما هو أدهى وأخطر: نسيان الحرية الى الأبد. وتبريره المنطقي ينبع من القناعة بأنه تحالف "ظرفي" بين قوى "شاملية" غير طائفية تعود لتختلف بعد السيطرة على النظام. إن عدم الوضوح المتأتي , برأينا, عن قراءة خاطئة للإجتماع البشري في بلادنا قاد هذا التيار, الشيوعي بالأصل, وهو تيار بالمناسبة يتعدى سوريا ولبنان, الى الهروب من وهم بسيط ليقع بأوهام أكثر تعقيدا. لا يتردد في كل يوم من أن يغير الهدف والتحالفات الموصلة اليه بدل أن يعيد النظر بفرضياته الاساسية التي تجعله يتقزم اكثر فأكثر وينعزل عن مجتمعه الفعلي وينتقل من فشل الى فشل. فكلما تحالف مع حليف يجد أنه ليس الحليف "النموذجي".
في لبنان مثلا عدّل الحزب الشيوعي في أهدافه المرحلية مرات عدة في أقل من ثلاثين عاما. ومن غير المفيد ربما الإشارة الى ما يعكس هذا التغيير من "وضوح" في الرؤيا العامة ومن تغييرات بهلوانية على مستوى التحالفات السياسية. فقد تفيق ذات صباح فترى نفسك حليفا لطرف كان عدوا غاشما قبل أن تنام. أنتقل الهدف الرئيس إذا من الشيوعية الى الإشتراكية, فالحكم الوطني الديمقراطي, فالمشاركة, فالعلمانية, فيما انتهى اليوم الى القبول بالنسبية في الانتخابات كهدف مرحلي "واقعي". وهناك على ما سمعت تيارات تضع النجاح بإنشاء " نقابة مهنية" هدفا مرحليا فائق الثورية.
إن التحالف أو "التنسيق " مع "جبهة النصرة" الشاملية من جهة والابقاء على تحالف ولو نقدي مع القوى الطائفية الإخوانية المتعاملة مع الاستعمار من جهة أخرى لن يقودا الى الحرية ولا الى تغيير النظام, ربما الى قلبه بدون تغييره. ولا إلى حل معضلة ومأزق التيارات اليسارية, ولو تدثرت بعباءة الليبرالية الغربية, لأنهما في أحسن الأحوال سوف يقودان الى غلبة طائفية جديدة في الداخل وتبعية أكبر للمستعمر الخارجي والى عزل هذه التيارات من جديد وخنقها بنويا كما جرى مع الحركات اليسارية اللبنانية قي نهاية القرن الماضي.
إن التغيير بدون وضوح رؤيوي للواقع الملموس وبالبرغم من كل النيات الحسنة لا يحقق الخير المزعوم بل يؤدي الى تأبيد النظام ولو تغيرت الرؤوس والى خنق الحركات التغييرية وعزلها وفقدان مصداقيتها امام نفسها وامام الآخرين كما أنه يؤدي الى بيع البلاد للأجنبي مرة جديدة.
التفتيش عن قوى أصولية للتحالف معها باعتبارها غير طائفية لن يحل المأزق الذي وجد تيار "إعلان دمشق" نفسه به بل هو في أحسن الأحوال هروب الى الأمام. فلا التيار "الإعلاني" يمثل قوة إجتماعية حقيقية, أيا تكن قوته السياسية, ولا الحليف الأصولي بأحسن حال لهذه الناحية. المأزق يتعدى هذا التيار كما يتعدى الإطار الجغرافي السوري لكي يطال مسألة التمثيل الإجتماعي الحقيقي للقوى السياسية في ظل نسق من الإنتاج ريعي الفعل , رأسمالي الشكل, قرابي العمران تابع لناهب رأسمالي فعلي.المأزق هو مأزق حركة التغيير في العالم العربي ككل التي ما زالت تقرأ إجمالا في كتاب غيرها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مقتل 5 أشخاص جراء ضربات روسية على عدة مناطق في أوكرانيا


.. هل يصبح السودان ساحة مواجهة غير مباشرة بين موسكو وواشنطن؟




.. تزايد عدد الجنح والجرائم الإلكترونية من خلال استنساخ الصوت •


.. من سيختار ترامب نائبا له إذا وصل إلى البيت الأبيض؟




.. متظاهرون يحتشدون بشوارع نيويورك بعد فض اعتصام جامعة كولومبيا