الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عندما تصبح الطائفة تهمة

محمد الشمالي

2012 / 12 / 8
مواضيع وابحاث سياسية


من يضمن بأن الحرب التي تدور رحاها اليوم لن تدخل مرحلة تمزيق طائفي وخندقة بين العلويين من جهة والسنة من جهة أخرى في حال لم تشارك الطائفة العلوية في إسقاط النظام أو بقيت ـ على الأقل ـ ساعده الأيمن في قمع الثورة حتى النهاية ؟ هذه المعادلة تبدو جلية لكل السوريين بما فيهم الإخوة العلويين أنفسهم . ولو تتبعنا خطاب الطبقة المثقفة منهم وحتى القسم الموالي منها للنظام للاحظنا عندهم هذا الشعور بعدم الإرتياح والقلق وإحساس بأنهم كانوا منذ البداية ضحية فخ النظام ونظرياته في المؤامرة وحماية الأقليات والوحدة الوطنية . الموقف ليس سهلا ويتطلب في الحقيقة الجرأة والتصميم على الخروج بأنفسهم من موقع خطر فرضته عليهم عوامل وظروف عديدة لايمكننا التطرق إليها الآن . فهم بين نارين : نار النظام المجنونة ونار الثورة التي ستحرق كل من يقف في وجهها .
لوكنتُ معنيا بهذه المعادلة لكنتُ هربت ولجأتُ في حضن منزلي أو قريتي أو مدينتي لكي أستنشق هواء صحيا لايشتم رائحة الدم ، لاسيما دم أخوتي . لوكنتُ علويا ممن تلطخت يدهم بالدم دفاعا عن موقف أو انصياعا لأوامر سلبتني حريتي لكنت لجأت لشاطىء البحر في الصباح عند اول لحظات لشروق الشمس ولأعرت السمع إلى حيث مئات الألوف من البيوت البائسة التي يمزق فضائها صرخات الثكالى وأنين الجرحى ! لوكنتُ معنيا لتخيلت سيدة من عمر أمي تتلهف لرؤية ابنها الذي قد لن يعود أبدا وأطفالا من عمر أطفالي يترقبون على أحر من الجمر عودة أب قد لا يعود أبدا ! وليكن
حتى هذه اللحظة الإصطفاف وراء النظام وخندقه الدموي لا تبرره في أغلب الأحيان سوى إعتبارات ضيقة نابعة من الظرف المهني أوالمصلحة الشخصية أوالعواطف العفوية التي تحركها قيم أخلاقية عابرة كإخلاص المرؤوس للرئيس وتفاني الشخص ورغبته في التعبير عن عرفانه بالجميل تجاه ولي نعمتة ومعلمه وقائده ...أريد أن أقول إن كل ما يدفعنا حتى الآن للموالاة ليس في الحقيقة أكثر من دوافع عادية وعابرة كالتعاطف أوالحب أوالإخلاص للشخص الذي إخترنا رايته بحكم موقعنا الظرقي ولهذا السبب بالذات فالقتل الذي مارسناه لا يمكن وصفه بالعمل البطولي حتى ولو بدا لنا للوهلة الأولى وكأنه متطابق مع قيم وثوابت وطنية ، شعارات مفرّغة استخدمها النظام بدهاء لخندقة بطانته وطائفته والمستفيدين من حكمه ضد الشارع الحر وذلك من أجل الدفاع عن وجوده وامتيازاته . أي عمل بطولي هذا الذي نحرم من خلاله طفلا من حياته أو أما من أولادها أو مواطنة من شرفها! وأية مكافأة دينية ودنيوية يمكننا أن ننتظر من عمل يتنافى مع كل القيم الإنسانية ! القتل في كل الأعراف الدولية والديانات السماوية ليس مشروعا إلاّ في حالة الدفاع عن النفس وفي حالة الذود عن الأرض والعرض والدين . الشارع المنتفض الأعزل منذ بداية الحراك وحتى الآن تلقى رصاص غدرنا بصدر مفتوح . صبينا جام حقدنا وغضبنا عليه ووصفنا شاباته وشبانه بال" جراثيم "وقمنا بالتعامل معهم كما لوكانوا فعلا جراثيم. أي دفاع عن النفس هذا العمل الهمجي !
هذا يقودني للإستنتاج أن ولائنا لبشار الأسد " كرمز وطني " أو كأيقونة ألبسناها بشكل أو بآخر ثوب القدسية والكمال ليس بالضرورة مقترنا بمشاعر حقد وكراهية مسبقة ضد الطائفة السنية . فالكراهية التي ولّدت العنف لم تأت إلاّ تباعا وتزايدت مع تعبئة النظام إعلاميا ونفسيا ضدها وضد من يساندها . ومع ذلك وبالرغم من تزايد العنف والعنف المضاد فالعلوي الموالي بقى لحد ما بعيدا عن الخندقة الطائفية الصريحة وخطابه السياسي وشعاراته عكست بذلك تعلقه بشخص الرئيس أكثر من تعلقه بالطائفة :
أولا ــ فهو يكره كل معارض " لحبيبه ولسيده بشار" إن كان هذا المعارض سنيا أوعلويا أو درزيا أو إسماعيليا أو كرديا... ثانيا ـ هو يدرك تماما بأن المعارضة للأسد ليست ذات لون ديني أو قومي واحد بنفس الوقت الذي يدرك فيه بأن من يوالون الأسد ليسوا جميعهم من الطائفة العلوية وإن كانت هذه الأخيرة تشكل العمود الفقري لهذه الموالاة عسكريا ومدنيا .
هذا يقودني للإستنتاج أيضا بأنه بزوال الأسباب تزول النتائج المترتبة عليها .أي بزوال النظام والعائلة الحاكمة سيزول الشعور المعادي للطائفة السنية شيئا فشيئا .هذه الفرضية تترسخ مستقبلا في ظل دولة ديموقراطية ومؤسسات مدنية تضمن مساواة كل فئات المجتمع السوري في الحقوق والواجبات .
من أجل التوصل إلى هذا المستوى من التفكير وتغيير الإتجاه لا بد من وقفة أمام الذات لا بد من نظرة تفاؤل في المستقبل ولفتة إلى الماضي .معرفة كل العوامل والحقائق والقيم التي تجعل منا جميعا ، مسيحيين علويين وسنة وأكراد ودروز واسماعيليين وآشوريين وتركمان ومتواليين ، شعبا سوريا واحدا .هذا الوعي يبقى شرطا أساسيا ونقطة إنطلاق لرفض كل شعور بالإنتماءت الضيقة التي تتنافى مع الشعور الأكبر والأكثر نبلا والأكثر إنسانية ألا وهو الشعور الوطني
إذا حافظت الثورة على حاضنتها الشعبية وتمسكت بقيمها وبمبادئها فسيكون النصر نصر لكل السوريين بغض النظر عن انتماءاتهم الدينية والقومية .وقتها ستغيب وللأبد عن الساحة السياسية مقولة المولاة لكي تحل محلها مقولة الأغلبية السياسية التي ستخرج من صناديق الإقتراع . وقتها لن يكون هناك أقليات بل أقلية سياسية ستأخذ دورها كمعارضة حقيقية في نظام ديموقراطي حقيقي.
التمسك بفكرة أو بعقيدة أو بثقافة هو حق مشروع لكل مواطن والإنتماء لطائفة أولدين أو لقومية ليس فعلا محرما بحد ذاته . فالإنتماء على هذا المستوى يبقى مشروعا وصحيا طالما لم يطغى أولم يسمو على انتماء آخر أنبل منه وأسمى ألا وهو الإنتماء للوطن.
الشعور الطائفي يبقى تهمة طالما حل محل الشعور الوطني واستمد مقومات وجوده ومرجعياته العاطفية خارج حدود الوطن الجغرافية .ولكنه على العكس يصبح هذا الشعور عامل إغناء ثقافي وحضاري عندما ينفتح على بقية ثقافات الوطن ليتفاعل معها على كل المستويات، عندها يصبح الوطن حاضنة حقيقية للطائفة ، وبدل أن يتناقض مع مقومات وجودها فهو يتبناها ويحميها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مدير المخابرات الأمريكية يتوجه إلى الدوحة وهنية يؤكد حرص الم


.. ليفربول يستعيد انتصاراته بفوز عريض على توتنهام




.. دلالات استهداف جنود الاحتلال داخل موقع كرم أبو سالم غلاف غزة


.. مسارات الاحتجاجات الطلابية في التاريخ الأمريكي.. ما وزنها ال




.. بعد مقتل جنودها.. إسرائيل تغلق معبر كرم أبو سالم أمام المساع