الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الثورة تتسع وتتعمَّق والحركة الجماهيرية تتجاوز قيادات جبهة الإنقاذ الوطنى

خليل كلفت

2012 / 12 / 9
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان


الثورة تتسع وتتعمَّق
والحركة الجماهيرية تتجاوز
قيادات جبهة الإنقاذ الوطنى
1: منذ احتجاجات ذكرى مذبحة شوارع محمد محمود وقصر العينى والشيخ ريحان ومحيط مجلس الوزراء، وقمع هذه الاحتجاجات، ثم صدور الإعلان الدستورى الرئاسى، إعلان تحصين إعلانات وقرارات وقوانين رئيس الجمهورية ضد القضاء منذ توليه وفى المستقبل، ومنح رئيس الجمهورية سلطات مماثلة تقريبا لسلطاته فى ظل إعلان قانون الطوارئ، ثم "سَلْق" مشروع الدستور والدعوة إلى الاستفتاء عليه فى 15 ديسمبر القادم، تجمعت وتنامت وتطورت واتسعت موجة جماهيرية كبرى من موجات الثورة السياسية الشعبية، وفى الوقت الحالى تزداد هذه الحركة اتساعا وعمقا، مرتفعة إلى الذروة التى بلغتها ثورة يناير 2011 فى موجتها الكبرى الأولى فى يناير وفبراير من تلك السنة، ومتجاوزة لتلك الذروة من نواحٍ بالغة الأهمية.
2: فمن ناحية، اتسعت الحركة فى القاهرة وعواصم المحافظات والعديد من المدن الأخرى بصورة لم يسبق لها مثيل منذ الثورة، وحتى أثناء الثورة فى بعض المناطق. وتتميز هذه الحركة بمظاهراتها واعتصاماتها وإضراباتها الممتدة التى يتزايد طولها الزمنى، وبكل هذا الحجم، ربما ليتجاوز الطول الزمنى لكل الأحداث منذ اندلاع الثورة. وقد أثبتت الحركة ثباتا واستبسالا فى وجه العناد الرئاسى وفى وجه الاشتبكات الضارية التى فرضتها جماعة الإخوان المسلمين وفرضها الإسلام السياسى على الحركة الشعبية ورغم ارتفاع أعداد القتلى والجرحى. وهناك تطورات متطرفة فى كثير من المناطق من جانب بعض قطاعات الحركة الجماهيرية الشعبية مثل الهجوم على مقار الإخوان المسلمين واقتحام أو إحراق عدد منها. ولا يمكن تفسير مثل هذه التطورات المتطرفة إلا بحدة الغضب الشعبى فى مواجهة السلوك السياسى لرئاسة الجمهورية وجماعة الإخوان المسلمين وحزب الحرية والعدالة ومعظم أطراف الإسلام السياسى وهو سلوك سياسى خارج على الدستور والقانون ويكرِّس الاستبداد والطغيان والديكتاتورية والترويع والإرهاب. أما ظاهرة الحديث عن الاستقلال عن مصر أو عن حكم الإخوان فى بعض المحافظات فإنه من ناحية رمز لرفض الهجوم الرئاسى الإخوانى على الديمقراطية بحقوقها وحرياتها كما يتضح من الإعلان الدستورى ومشروع الدستور والاستفتاء العاجل عليه والعناد فى التشبُّث بهذه القرارات الاستبدادية، ولا يمكن النظر إلى هذا الحديث على أنه يعنى بحال من الأحوال نزوعا انفصاليا عن مصر. غير أن لمثل هذا الحديث الذى ارتبط أحيانا باقتحام مقارّ حكومية فى بعض المحافظات بُعْدًا رمزيا آخر يتمثل فى التطلع إلى اللامركزية بوصفها هدفا من الأهداف الأساسية الأصيلة التى أبرزتها الثورة.
3: ومما يعطى لهذا الامتداد المكانى والزمانى للحركة الجماهيرية كل أهميته ومغزاه ودلالته أن أهداف ومطالب وشعارات الحركة أخذت تتطور وتتصاعد بسرعة عاصفة منذ بدأت بمطلب إلغاء الإعلان الدستورى الاستبدادى الجديد وانتقلت فى سياق تصعيد سريع متواصل، عبر مطلب "إلغاء الاستفتاء على مشروع الدستور"، إلى شعارات "الشعب يريد إسقاط النظام"، و "يسقط حكم المرشد"، و "ارحلْ"، وغيرها، ليرتفع سقف المطالب إلى الذروة. ولا يتمثل العمق المتعاظم للحركة الجماهيرية من جانب واحد فى ارتفاع سقف أهدافها وشعاراتها إلى الحدود القصوى المفتوحة على مزيد من التصعيد من حيث ربط هذه الشعارات بأشكال نضالية أعلى تصعيدا؛ حيث إن ما يمنح تعميق راديكالية شعارات الثورة كل مغزاه شيء بالغ الأهمية: التسييس المتواصل خلال قرابة عامين، بما يؤدِّى إلى فرز أكثر تقدما للقوى الاجتماعية والسياسية، وإلى فهم أعمق لحقائق الثورة والثورة المضادة، وإلى ثقة أعلى بالنفس وبحركة الجماهير الشعبية، وبتراجع الثقة التى لم تكن فى محلها فى جماعة الإخوان المسلمين والتحرر من الأوهام عن الجيش لتنفتح آفاق جديدة وتطلعات جديدة. وعلى هذا فإن المزيد من الوعى السياسى والخبرة النضالية هو الذى يقوم بتغذية مزيد من الإصرار على تحقيق أهداف الثورة قبل "تمكين" أعدائها من سرقتها بصورة لا تترك مجالا لأىّ أمل فى استردادها ومن تصفية الثورة بصورة نهائية.
4: ورغم هذا التقدُّم الكبير إلى الأمام من جانب الحركة الجماهيرية، وعشرات ومئات من قياداتها الوسطى، ما زال كبار زعماء ورموز جبهة إنقاذ الثورة يعلنون فى بياناتهم وتصريحاتهم وشروطهم للاستجابة للحوار الذى يدعو إليه رئيس الجمهورية شروطا دون المستوى الذى بلغه سقف مطالب الحركة الجماهيرية بكثير عند إلغاء الإعلان الدستورى، وتأجيل الاستفتاء (والمطلوب: إلغاؤه وإلغاء الجمعية التأسيسية للدستور وإلغاء مشروع الدستور)، والتحقيق فى اشتباكات الاتحادية، وذلك رغم الاستعداد الواضح للتصعيد فيما يتعلق بوسائل وأشكال النضال بالدعوة إلى توسيع نطاق الاعتصامات فى مختلف مناطق مصر، والحديث عن أن الحركة الجماهيرية تتجه إلى الإضراب العام. ولا يرقى هذا بالطبع إلى مستوى إصرار الحركة الجماهيرية على رحيل الرئيس محمد مرسى؛ انطلاقا من فقدان الثقة الشعبية فى حكمه وحزبه وجماعته بالتحالف مع أطراف أخرى فى الإسلام السياسى. وهناك أمل فى ألا تتسع الفجوة بين مطالب الحركة الجماهيرية ومطالب زعماء جبهة إنقاذ الثورة، تفاديا لإحباط ذلك للحركة. والحقيقة أن هؤلاء الزعماء أنفسهم مسئولون مع القوى السياسية والثورية عن سلسلة من أخطائهم التى حملت جماعة الإخوان المسلمين المتحالفة مع المجلس الأعلى للقوات المسلحة إلى مجلس الشعب المنحل ومجلس الشورى القائم والجمعية التأسيسية التى أنتجت هذا المشروع المرفوض وصولا إلى نتائج الانتخابات الرئاسية التى جاءت بالرئيس مرسى.
5: وتتمثل الحجة الأساسية فى دفع الإخوان المسلمين ومَنْ والاهُمْ فى الدفاع بالباطل عن أىّ إعلانات دستورية أو قوانين أو قرارات لرئيس الجمهورية مهما خالفت وانتهكت الدستور والقانون والملاءمة السياسية فى صيغة أنه "الرئيس المنتخب". وبالطبع فإن الانتخاب لا يعصم رئيسا من الخطأ، ولا يمنحه سلطات غير السلطات المنصوص عليها فى دستور البلاد، ولا يسمح له بالخروج على الدستور والقانون اللذين أقسم على احترامهما، والحقيقة أنه لا أحد من رؤساء مصر قد التزم باحترام الدستور والقانون مهما كانت الاتجاهات والمبررات المتباينة لعدم احترامهما فى مختلف العهود. غير أن هذه الحجة تفقد كل أساس تقوم عليه نظرا إلى أنه لم يوجد فى مصر رئيس منتخب بالمعنى الحقيقى، ولا رئيس مدنى منتخب بالمعنى الحقيقى، منذ انقلاب 23 يوليو 1952 العسكرى إلى الآن. ذلك أن كل انتخابات مصر بعد ذلك الانقلاب العسكرى تقوم على تزييف إرادة الشعب بأساليب سياسية وإدارية لا حصر لها؛ وآخر التزييف التزوير. ولم تكن الانتخابات الرئاسية التى جاءت بالرئيس محمد مرسى انتخابات حرة ونزيهة، ليس فقط لأنه لا توجد فى مصر انتخابات حرة أو نزيهة، بل بحكم الظروف التى جرت فيها الانتخابات حيث تم تخيير الناخب بين كابوسيْن كان يهرب من كل منهما إلى الآخر فلم تكن الأصوات التى حصل عليها هذا أو ذاك حقيقية، بالإضافة إلى التزييف الذى لا مناص منه فى سياق إجراء الانتخابات وسط جماهير تسحقها "متلازمة" الفقر والجهل والمرض، وتصفية الحياة السياسية عقودا لتقتصر على أحزاب ديكورية يختفى تحت ضبابها نظام الحزب الواحد.
6: وفى الوقت الذى تتجه فيه الحركة الجماهيرية إلى الإصرار العنيد على التحرر من رئاسة مرسى وحزبه وجماعته على أساس أنها تقود بالضرورة إلى الدولة الدينية التى تتمثل أدواتها الحالية فى رئاسته وفى سيطرة الجماعة على قرارات هذه الرئاسة وكذلك فى مجلس الشورى والجمعية التأسيسية للدستور والأحزاب السياسية ذات المرجعية الدينية جميعا بلا استثناء وفى إعلانات وقوانين وقرارت صدرت منذ الإطاحة بالرئيس السابق مبارك، تكتفى زعامة جبهة إنقاذ الثورة بمطالب وشعارات وأهداف دون ذلك بكثير، وتستعد لخوض الحوار المرفوض شعبيا مع الرئيس وإنْ بشروط مهمة أهمها إلغاء إعلان 21 نوڤمبر 2012 الدستورى وتأجيل أو إلغاء الاستفتاء، رغم اتجاه أشكال النضال إلى التصعيد من جانب هذه الجبهة. وتلعب الأحزاب التى قام بتأسيسها منشقون عن جماعة الإخوان المسلمين (حزب مصر القوية وغيره) وأحزاب أخرى وأفراد آخرون دورا بالغ السوء فى هذا الإطار حيث يجرى الحديث من جانبهم (رغم مقاطعة بعضهم للحوار مع الرئيس) عن حلول وسط لا تأخذ الإعلان الدستورى كحزمة واحدة بل تقبل بعض بنودها وترفض بعضها الآخر وتطالب بالتالى بتعديله لا أكثر.
7: وفى سياق رفض جبهة إنقاذ الثورة للحوار الذى دعا إليه ظهر السبت 8 ديسمبر اجتمع محمد مرسى (الذى لم يبق فى الاجتماع سوى أقل من نصف ساعة: ربما "مِنْ كَسْفِتُه") مع أكثر من خمسين شخصا ينتمون جميعا تقريبا إلى الإخوان المسلمين والإسلام السياسى على طريقة "چورچ الخامس يفاوض چورچ الخامس" مع زعم أن الحوار كان مع القوى "الفاعلة" فى الحياة السياسية، وصدر عن الاجتماع إعلان دستورى جديد يُلغى إعلان 21 نوڤمبر الدستورى، ويمثل الإعلان الجديد خدعة سياسية وقانونية جديدة تُدين كل من شاركوا فيها.
8: وتُلغى المادة الأولى من الإعلان الدستورى الجديد "الإعلان الدستورى الصادر بتاريخ 21 نوڤمبر"، ولكنْ مع الإشارة إلى أنه "يبقى صحيحًا ما ترتب عليه من آثار"، وسيطول الجدال حول ما إذا كان المقصود بصحة "ما ترتب عليه من آثار" إقالة النائب العام وتعيين النائب العام الجديد أم يمتد إلى مجلس الشورى على سبيل المثال ما دام النص لم يذكر "تغيير" النائب العام على وجه الحصر.
9: وتنص المادة الثانية التى تحل محل المادة الأولى فى الإعلان الدستورى السابق على أنه "فى حال ظهور دلائل أو قرائن جديدة تُعاد التحقيقات فى جرائم قتل، والشروع فى قتل، وإصابة المتظاهرين، وجرائم الإرهاب التى ارتكبت ضد المواطنين فى المدة الواقعة ما بين يوم 25 يناير 2011، ويوم 30 يونيو 2012، وكان ارتكابها بسبب ثورة 25 يناير، أو بمناسبتها أو متعلقا بها"... "فإذا انتهت التحقيقات إلى توافر أدلة على ارتكاب الجرائم المذكورة، أحالت النيابة العامة القضية إلى المحاكم المختصة قانونا، ولو كان قد صدر فيها حكم نهائى بالبراءة، أو برفض الطعن بالنقض المقام من النيابة العامة على حكم البراءة". وتختلف هذه المادة عن المادة الأولى فى الإعلان السابق فى عدة نقاط مهمة: وبادئ ذى بدء لا تحتاج هذه التحقيقات والمحاكمات ما دامت مبنية على "ظهور دلائل أو قرائن جديدة" إلى إعلان الدستورى، كما أن عدم قانونية تحقيقات ومحاكمات جديدة بدون "ظهور دلائل أو قرائن جديدة" كان يجعل هذا النص فى الإعلان الدستورى بلا معنى، وكل هذه المادة الزائدة عن اللزوم لمجرد استبقائها لحفظ ماء وجه الرئيس، من ناحية، وللاستمرار فى دسّ السُّمّ فى العسل لتمرير الإعلان الجديد بزعم اشتماله على عناصر إيجابية، من ناحية أخرى. وتختلف هذه المادة الثانية عن تلك المادة الأولى فى تنازلٍ لصالح رجال النظام السابق حيث كان الإعلان الدستورى السابق ينص على أن "تعاد التحقيقات والمحاكمات في جرائم قتل وشروع فى قتل المتظاهرين بواسطة من تولى منصبا سياسيًا وتنفيذيًا فى عهد النظام السابق" أىْ أن النص السابق كان يشمل رجال النظام السابق كما كان يشمل كل "عهد النظام السابق". وهناك اختلاف مهم ثالث (رغم الطابع العبثى أصلا على النص فى إعلانات دستورية على إعادة التحقيقات والمحاكمات) ويتمثل فى حصر إعادة التحقيقات والمحاكمات على الفترة بين "يوم 25 يناير 2011، ويوم 30 يونيو 2012" التى لا تشمل الفترة التى انقضت منذ تولِّى الرئيس مرسى بما فى ذلك جرائم ذكرى شارع محمد محمود وقصر الاتحادية.
10: وتنص المادة الثالثة على ما يلى: "فى حالة عدم موافقة الناخبين على مشروع الدستور، المحدد لاستفتاء الشعب عليه يوم السبت الموافق 15 من ديسمبر 2012، يدعو رئيس الجمهورية، خلال مدة أقصاها ثلاثة أشهر، لانتخاب جمعية تأسيسية جديدة، مكوَّنة من مائة عضو، انتخابا حرا مباشرا. وتنجز هذه الجمعية أعمالها خلال فترة لا تتجاوز ستة أشهر من تاريخ انتخابها"... "ويدعو رئيس الجمهورية الناخبين للاستفتاء على مشروع الدستور المقدم من هذه الجمعية خلال مدة أقصاها ثلاثون يوما من تاريخ تسليمه إلى رئيس الجمهورية"... "وفى جميع الأحوال تجرى عملية الفرز وإعلان نتائج أىّ استفتاء على الدستور باللجان الفرعية علانية فور انتهاء عملية التصويت، على أن يعلق كشف بكل لجنة فرعية موقعا من رئيسها، يشتمل على نتيجة الفرز". وبهذه المادة الثالثة يقوم الإعلان الجديد بتخيير الشعب بين كابوسيْن جديديْن: 1: فى حالة التصويت ب "نعم" يحلّ كابوس حكم الرئيس محمد مرسى بالدستور الاستبدادى المقترح طوال فترة قرابة ثلاثة أعوام ونصف باقية من مدة رئاسته، وفى حالة التصويت ب "لا" سيكون للرئيس مرسى أن يحكم بالإعلانات الدستورية السارية حاليا، وبالسلطات التشريعية التى يملكها الآن، وبالتحصينات الواردة فى الإعلان الدستورى الجديد، أكثر من عام حيث يتم الاستفتاء على مشروع الدستور اللاحق بعد عشرة شهور بعد استفتاء 15 ديسمبر فى حالة عدم الموافقة على المشروع الحالى وفى أعقاب ذلك تأتى الفترة اللازمة لإجراء الانتخابات النيابية لنقل السلطة التشريعية من الرئيس مرسى إلى الپرلمان المنتخب. وذرًّا للرماد فى العيون أو دسًّا للسمّ فى العسل تنص هذه المادة على "انتخاب جمعية تأسيسية جديدة، مكونة من مائة عضو، انتخابا حرا مباشرا" وكذلك على إجراء "عملية الفرز وإعلان نتائج أىّ استفتاء على الدستور باللجان الفرعية علانية فور انتهاء عملية التصويت"، فى خدعة جديدة حيث لا تخرج الاستفتاءات والانتخايات المصرية عن التقاليد المصرية السيئة السمعة.
11: وتواصل المادة الرابعة فى الإعلان الجديد تحصين الإعلانات الدستورية الواردة فى المادة الثانية من الإعلان السابق فتنص على أن "الإعلانات الدستورية، بما فيها هذا الإعلان، لا تقبل الطعن عليها أمام أية جهة قضائية، وتنقضى الدعاوى المرفوعة بهذا الشأن أمام جميع المحاكم"، على أن هذا التحصين لم يشمل "القوانين والقرارات" الرئاسية، غير أن التحصين يشمل الإعلان الجديد، ويشمل النص بحكم منطوقه وصياغته حتى الإعلانات الدستورية السابقة على تولِّى الرئيس مرسى.
12: وبالطبع فإن حركة الجماهير الشعبية قد تجاوزت كل هذا بل إن زعماء معارضة جبهة إنقاذ الثورة أعلنوا على الفور رفضهم للإعلان الجديد ورفضهم للاستفتاء على مشروع الدستور، وفى كل هذا رفض تام لفرض الخيار بين الكابوسيْن: كابوس حكم مرسى بطريقة وكابوس حكم مرسى أيضا بطريقة أخرى. ولأنه لا توجد فى مصر أىّ ضمانات لاستفتاءات أو انتخابات حرة نزيهة فإنه يمكن أن نتوقع أن الاستفتاء سيكون لا محالة ب "نعم" وحتى إذا فرضت الحركة الجماهيرية الحالية على هذا الاستفتاء إرادتها الرافضة عن طريق مقاطعتها بصورة حاسمة فإن السيد محمد مرسى سيكون قد كسب فترة أكثر من عام يكون قد فوَّت أثناءها على الحركة الجماهيرية تطورها الطبيعى واستعدت جماعته التى ستكون عندئذ أكثر "تمكينا" من اكتساح الاستفتاء اللاحق وانتخاباته بالتزييف والتزوير أيضا.
13: وتتعاقب التطورات بسرعة مدوِّخة، وتواصل الجماعة بجمهورها وميليشياتها وجماعات الإسلام السياسى الأخرى بجمهورها وميليشياتها سلوكها المنفلت بهدف ترويع الشعب والحركة الجماهيرية والسياسية والثورية. ونشهد مواجهة الموالاة لمليونيات الحركة الجماهيرية الثورية بمليونياتها، ومحاصرة الموالاة للقضاء فى شخص المحكمة الدستورية العليا لمنع جلساتها، ومحاصرتها للإعلام فى شخص مدينة الإنتاج الإعلامى، وتهديدات القتل والاعتداءات على رموز الحركة الجماهيرية ووسائل أخرى عديدة، وصولا إلى مجزرة قصر الاتحادية التى راح ضحيتها عدد من الشهداء وقرابة ألف إلى الآن من الجرحى وضحايا التعذيب على يد الإسلام السياسى الحنيف. ويجرى كل هذا بترتيب مباشر من مكتب الإرشاد ومباركة وحماية رئيس الجمهورية الذى لم يحرِّك ساكنا بل اتهم ضحايا محيط قصره الرئاسى نفسه بجُرْم مجرمى الإخوان المسلمين والإسلام السياسى، قالبا الحقائق عن عمد. كما تنمو وتتطور القوى الجهادية الإرهابية بما فى ذلك تنظيم القاعدة فى سيناء وغيرها بصورة تهدِّد بعودة الإرهاب إلى مصر على نطاق أوسع من إرهاب عقود سابقة فيها.
14: وتصدر عن الجيش فى هذه الفترة بيانات متعاقبة تشدد على أنه يلتزم بحماية الأمن القومى وينحاز إلى الشعب المصرى. ولا شك فى أن موقف الجيش يمثل عاملا من عوامل كبح جماح الإخوان المسلمين إلى جانب العامل الرئيسى المتمثل فى الثورة الشعبية، ويصدر هذا الموقف من المؤسسة العسكرية عن الحيلولة دون الانزلاق إلى حرب أهلية أو إرهاب جهادى واسع النطاق ينطوى على نفس الخطر فى إطار الإستراتيچية العامة للمؤسسة العسكرية والتى تتمثل فى تصفية الثورة ولكنْ مع تفادى حرب أهلية من شأنها كما يدلّ تاريخ الحروب الأهلية المرتبطة بثورات سياسية تمزيق وتدمير الطبقة الرأسمالية التابعة الحاكمة ودولتها وسلطتها ونظامها. وعلينا مرة أخرى أن نبتعد عن التقليل من دور احتمالات احتدام وتفاقم التناقضات العميقة التى قد تعصف بتحالفات الثورة المضادة بممثليْها السياسييْن الرئيسييْن فى مصر: الإخوان المسلمون على رأس الإسلام السياسى من ناحية، والمؤسسة العسكرية (التى ما تزال لها السيطرة الفعلية الجوهرية) والقوى السياسية الليبرالية اليمينية والممثلون السياسيون والإداريون الباقون من نظام مبارك من ناحية أخرى.
15: وهنا يغدو الطرق على الحديد وهو ساخن للتحرر من الكابوسيْن المذكوريْن ومن كل كوابيس حكم ونظام ودولة الإخوان المسلمين ضرورة من ضرورات تفادى الدولة الدينية والحرب الأهلية فهما فى الحقيقة شيء واحد. ويعود بنا هذا إلى المربع الأول بعد أن ازدادت القوى الثورية تسييسا وتَسَيُّسًا ونضجا وتجربة نضالية وتحررت من أوهام كبرى تتعلق بالمؤسسة العسكرية وبالإخوان المسلمين وحلفائهم السلفيِّين. وفى حالة النجاح فى الإطاحة السلمية بالوسائل السياسية الجماهيرية بحكم مرسى والإخوان المسلمين، تماما كما جرت الإطاحة ب مبارك، ستكون القوى التى أطاحت به هى القادرة بحكم إنجازها السياسى الكبير على استلام السلطة، من خلال مجلس قيادى بصيغة ما على أساس توافقىّ، وتبقى مسألة مشاركة الثوريِّين أو عدم مشاركتهم فى الحكم قضية عينية يجرى بحثها المباشر فى الوقت الملائم. وبالطبع فإن هدف الثوريِّين الحقيقيِّين سيكون النضال من أجل إقامة جمهورية ديمقراطية شعبية تشترط النظام الپرلمانى وليس الرئاسى، كما تشترط فى المحل الأول الديمقراطية الشعبية من أسفل وهى التى تمنح لهذه الجمهورية هذا الاسم. على أن كل هذا سيكون فى مهبّ الريح فى حالة عدم قدرة الحركة الجماهيرية الشعبية على تحويل مصر إلى دولة صناعية حديثة بكل الآثار الاجتماعية والاقتصادية التاريخية لمثل هذا التطور بوصفه الإطار العام لتفادى المصير الكابوسى للعالم الثالث (وإنْ كان من المؤسف أن أكثر الناس لا يشعرون)، وللسير بمصر إلى الأمام كبلد مستقل حقا ومزدهر حقا ومفتوح على آفاق المستقبل الرحبة. 8 ديسمبر 2012








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - فكرة الخوارج الجدد
عبد الله اغونان ( 2012 / 12 / 9 - 21:09 )
قالت الخوارج لاحكم الا لله فرد الامام علي
حق يراد به باطل
مع الخوارج الجدد لاحكم الا للشعب
حق يراد به باطل
يقصدون لاحكم الا للشغب
لأزلام النظام لرئيس يتنازل لهم عن كل الصلاحيات فاز ديمقراطيا لكنهم يريدونه مجرد واجهة لهم
فسد الزمان سبحان الله
اذا صلح الحاكم فسدت الرعية

اخر الافلام

.. البريك العنابي.. طبق شعبي من رموز مدينة عنَّابة الجزائرية |


.. بايدن يعلن عن خطة إسرائيلية في إطار المساعي الأميركية لوقف ا




.. ارتفاع حصيلة الضحايا الفلسطينيين إثر العمليات الإسرائيلية في


.. مراسل الجزيرة يرصد آخر التطورات بالمحافظة الوسطى بقطاع غزة




.. توسيع عمليات القصف الإسرائيلي على مناطق مختلفة برفح