الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عربة مدام بوفاري الأمين الخمليشي

عبد العاطي حميل

2012 / 12 / 9
الادب والفن



بعد كتابه السردي الأول " اشتباكات " ، يصدر للأديب المغربي الأمين الخمليشي كتابه السردي الثاني تحت عنوان " عربة مدام بوفاري " في طبعته الأولى 2012 . عن المكتبة الوطنية بالرباط . وقد جمع نصوصه وأعده للطبع الفنان التشكيلي المغربي خالد الأشعري ... يتخلق الكتاب من ستة نصوص ، كؤوس سردية ، مسكرة .. هي على التوالي : 1ـ حمجيق و بورشمان . 2 ـ همز وغمز. 3 ـ الدكتور . 4 ـ عربشات . 5 ـ عربشات ـ عربة مدام بوفاري ـ . 6 ـ يوم ممطر . هي نصوص سردية معتقة ، يتفاوت زمن كتابتها من الستينيات حتى التسعينيات . بعضها مؤرخ كالنص الأخير " يوم ممطر " صيف ـ .1966
الأستاذ الأمين الخمليشي الكاتب المهووس بالقراءة والكتابة حد الرهاب .. يمارس على نفسه النقد المبالغ فيما يكتبه من نصوص سردية .. سريعا ما يمزقها ، مدعيا أن ما كتبه لا يستحق النشر ، ولا يستأهل أن يزور الرفوف أو أن يوضع في المكتبات .. فالكتابة لديه مسؤولية وشعور حاد ، لا يهادن الركاكة والرداءة .. و لا يتغيا ـ كما العديد من الأسماء البراقة من الكتبة المتهافتين للتراكم الكمي ـ أن يكون له رصيد ثقيل من العناوين ، والعديد من البطاقات والشهادات التقديرية التي لا تسمن ولا تغني من جوع في الكتابة ولا تضيف إليه نصا جديرا بالمحبة والرضى النفسي الذاتي أولا .. إنه لا يكتب كي يفوح على الآخرين ، أو يتعنتر على المبتدئين في المنصات أو أمام الكاميرات .. الأمين الخمليشي لا يستنسخ التجارب السابقة ولا يجترها أو يحاكي غيره فيها .. كأنه مصاب بفوبيا الكتابة .. وقد تساءل الناقد البشير قمري ـ في لقاء ـ حول موضوح الخوف أو التخوف لدى الأمين الخمليشي . هل هو خوف الكاتب من القارئ ، أم هو خوف من مسؤولية الكاتب ؟ .. هذا الخوف المريع أو الحرص الفظيع يحول دون نشر ما كتبه الكاتب ، ويحرم القارئ من لذة الكتابة التي تتمتع بها كتابة الأمين الخميليشي . ، كتابه تعي إواليات السرد العالمية ، التي خبرها ، وعلم أسرارها . كأنه يصادر حق القارئ والناشر والفضاء الثقافي في كتابات لم تعد له .. وبهذه المصادرة المقصودة ، يطرز غيابه ، ويؤرخ حضوره المشتهى والمأمول ...
فرغم أن الكتابة لدى الأمين الخمليشي لا تبلى ـ فإنه يقدم لنا في منجزه السردي الجديد القديم " عربة مدام بوفاري " نصوصا غير مجنسة ضمن الكتابة القصصية . وهذا يفرح الكاتب دون شك وهو المنفلت دوما من التصنيف والتجنيس . يسعى إلى الانفلات والخروج كي يبصم الكتابة بنصوص سردية مفتوحة ، تشرع بواباتها للقراءة والتأمل في مكونات النص ذاته .. لغة وتركيبا كبنية دالة، تتصادى وبنية المجتمع بمفرداته : الزمان والمكان والشخصيات والأحداث ..وهي تتشكل متوازية ، تكتب نصا سرديا في ملامح المدينة ، بشخوصها المائزة والمارقة ، وفضاءاتها المفتوحة والمسكونة بذوات منغلقة ومغلقة ، محافظة تتظاهر بالحداثة وهي ترتدي أقنعة الهباء ..
في " عربة مدام بوفاري " الكتابة تستهدف شخصياتها وقراءها ، وتسطع رؤية الكاتب ومواقفه مما جرى ويجري في الواقع المكرس القائم ، فتعرضه للمشرحة ، تعريه وتفضح خباياه وعيوبه ، وقيمه الزائفة .. الكتابة أحيانا تقسو ، تسمي الأشياء بمسمياتها السياقية الخاصة ، مسمياتها الموروثة الشعبية ، والعالمة أيضا .. للكتابة هنا غوصها وطنزها وفلتاتها التي يمجها فقهاء الكلام وجمارك الخيال وحراس الأخلاق الأدعياء ..
هل يمكن اعتبار الأديب الأمين الخمليشي أول الصعاليك العقلاء في السرد المغربي ؟ ... وحيد زمانه ومكانه ، ولغته ، ومتخيله الحميمي حيث ، " الحانات ، ديور القحاب ، الثقافة ، الفنادق ، صخب المدينة ..." عوالم تخترقها الكتابة ووعيها الممكن ، الساعي إلى خلخلة قيم الزيف والادعاء والوصاية والاستعباد ...
" حمجيق وبورشمان " ، عنوان صادم في بنيته التركيبية والمعجمية والصرفية ، يسم نصا سرديا ينبني وفق لحظتين أو برنامجين سرديين لكل منهما بدايته ونهايته . الأول يحمل عنوان " حمجيق " . والثاني " بورشمان " .. وهما اسما شخصيتين محوريتين ، كل واحدة في لحظة سردية تكاد تكون بنية مكتفية بذاتها ...
+ حمجيق : بورتريه لشخصية أستاذ كل شيء ( نحو ، بلاغة ، تربية إسلامية ووطنية ...)..أستاذ بخيل ، يعيش الحرمان الجنسي ، ويكتفي لإشباع غريزته بممارسة العادة السرية ... يعرفه السارد بقوله : " هذا الورياغلي القح ، سليل آل بنعبد الكريم ... من أراد أن يتعرف عليه ، فليذهب إلى مقهى الفصول الأربعة ... هو حر في أن يجمع ويقتصد ليشتري إمزورن أخرى . لكن أن يصل به الأمر إلى استراق السمع في الغرفة ثم يغطي صوت اصطفاف أصابعه بما بين فخديه صوت ما يجري بين رفيقه وصاحبته في الغرفة ، في هذا الجوف من الليل . فهذا ليس من شيم آل بنعبد الكريم . يا حمجيق .. كما لو أن الصبانات مثلا انقطع حسهن من هذه المدينة . وأنت الذي تدرسهن ، يا حسرتاه .." .ص . 5 . فالسارد لا يتوقف على السخرية من حمجيق من خلال انتقاد سلوكاته غير السوية ، ويدعوه إلى أفعال غير سوية بديلة ...
+ بورشمان : شخصية مبؤرة ، محورية ، تتلقى الأوامر والتوجيهات والتحذيرات من الصوت العالي للسارد في أكثر من موضع . يقول السارد : " در مع هذه الزنقة . هذا أوان خروجهن من المدارس والإدارات .. دع عنك النطيحة وما أكل الضبع . السبع شبعان ... تفرج على من يتلاعبن بأعضائهن ما اندفع منها وما انضمر ، وما انكشف وما انحجب ... تحسبها وهي تحذق في عينك ، ألا إله لها إلا أنت ، بل هي كلها عيوذان ... " ص.6
اللافت للانتباه في كتاب " عربة مدام بوفاري " هو الاحتفاء بالإنسان وقيمه وأنساقه الفكرية : سلوكاته ، انفعالاته ، رغباته ، حرمانه .. ومحاولة استبطان رغباته ونزواته التي غالبا ما يسكت عنها ولا يبوح بها إلا لنفسه من خلال التداعيات والحوارات الداخلية الكاشفة عن مواطن القوة ومكامن الضعف ... ولعل للسارد أدورا هامة إضافية أهمها ...
( للكلام بقية )








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. خطبة باللغة العربية.. ما الرسائل التي أراد المرشد الإيراني إ


.. تاريخ كبير للفنان الفلسطيني???? كامل الباشا ?? #معكم_منى_الش




.. سر حب الفنان الفلسطيني???? كامل الباشا للمسرح منذ الطفولة #م


.. إسرائـ.يل سجنتني سنتين??.. قصة صعبة للفنان الفلسطيني كامل ال




.. الفنان الفلسطيني الكبير كامل الباشا يكشف لحظة حصوله على جائز