الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


استلاب لغوي يغزو دوائر الحكومة الليبية

محمد عبعوب

2012 / 12 / 10
الادب والفن


لاحظت وبتحفظ ميل متكرر لدى شريحة مهمة من الموظفين في الدوائرالحكومية الليبية لاستعمال لغات أجنبية في الحوارات بينهم خلال ساعات الدوام الرسمي بهذه الدوائر .. ومن خلال بحثي وتتبعي لهذه الظاهرة، عرفت أن معظمهم كانوا يتواجدون خارج البلاد، إما كطلبة موفدين في دورات او درسات جامعية بالخارج، او كمهجَّرين قسريا بسبب مطاردات النظام السابق الذي كان يشن حربا شعواء على معارضيه ويطاردهم ويقتلهم حتى في المنافي، وهذا الأمر جعلني أتفهم وإلى حد ما ميل هذه الشريحة لهجر اللغة العربية في حواراتهم والركون الى استعمال اللغات الأجنبية لقرب عهدهم بها، وفي بعض الأحيان لاستعراض مهاراتهم اللغوية أمام بقية الموظفين المساكين اللذين لم يحظ حتى باتقان اللغة العربية التي كان النظام السابق يدعي زورا أنه يحميها ويجتهد لتجذيرها في وعي وثقافة الشعب..

حقيقة كان هذا اللجوء المصطنع وغير المبرر للغة أجنبية في الحوارات العادية بين هذه الشريحة من الموظفين، رغم إلمامهم الجيد باللغة العربية البسيطة المستعملة في الدوائر الرسمية وفي الشارع الليبي والتي رضعوا أبجدياتها من صدور أمهاتهم، كان يستفزني ويبعث فيا شعورا بالشفقة على هؤلاء المُستلبين لغويا الذين رسخ حصولهم على مفردات لغة اجنبية محدودة وبسيطة في نفوسهم تنكرا للغتهم الأصلية ونفورا منها يكشف عن هشاشة شخصيتهم وسطحية وعيهم لمفهوم الانتماء الوطني الذي تشكل اللغة والتمسك باستعمالها في الحياة اليومية واحدة من مظاهره.. وما يبعث على الحزن والأسى أن يذهب واحدا ممن تلقوا دراسة لغة اجنبية في جامعات ليبية في التماهي مع هذا التيار، وكنت قد جادلته حول الظاهرة ، إلى حد الكفر باللغة العربية ونعتها بأنها "لغة تخلف وأمراض" وهو بالامس القريب كان يطبل في جوقة القذافي حتى آخر أيامه في فندق ريكسوس، وهو الذي كان يتلطى لأربعة عقود بشعار الحفاظ على اللغة العربية وينوم البسطاء به، فيما يمارس على ارض الواقع حربا شعواء عليها، انتجت لنا أجيالا من الجهلة باللغة العربية السليمة والمتنكرين لها مثل صديقنا هذا.

ورغم ذلك كنت أجد لبعض هؤلاء العذر، خاصة صغار السن منهم الذين تشبعوا بثقافة مستلبة حضاريا ت نتيجة الصدمات التي عاشوها خلال انتقالهم للدراسة بالخارج، حيث اكتشفوا زيف الشعارات التي كان يرفعها النظام السابق والتي كان من ضمنها شعار الحفاظ على اللغة العربية والرفع من شانها في البلاد وحتى خارج البلاد، ووجدوا أن حتى لغتهم العربية لم تكن بالمستوى المطلوب ما زاد من مصاعب تحصيلهم في مجال اللغات الاجنبية.. إلا أن إصرار ودأب موظفين سامين كبار في وزارات مرموقة على استعمال لغات أجنبية في حواراتهم مع الموظفين داخل دوائرهم لا يبرره اي ظرف او موقف، فاللغة الرسمية المعترف بها للتعامل في ليبيا حتى الآن هي اللغة العربية، ولا أعتقد ان موظف بدرجة وزير او وكيل وزارة او رئيس دائرة او قسم بمؤسسات الدولة الليبية يعجز عن إيجاد الكلمات والمصطلحات العربية التي تساعده في توصيل معلومة ما للآخر المقابل له الذي ينتمي الى نفس اللغة، كما ان لغتنا العربية غنية بالمفردات والمصطلحات سواء العربية الأصيلة أو المنقولة عن لغات أجنبية، وبالتالي أرى أن في هذا التصرف تنطعا وتقليلا من قيمة اللغة التي تعكس ثقافة مجتمعنا.. وهذا يعكس حالة استلاب لغوي وحضاري لدى هؤلاء الموظفين يجب أن يعملوا على التخلص منها حتى لا تصبح ظاهرة عامة وتخلق طبقة موظفين مفارقة لانتمائها الوطني والثقافي داخل مجتمعنا الليبي المتمسك بانتمائه الثقافي والحضاري .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. احمد حلمي على العجلة في شوارع روتردام بهولندا قبل تكريمه بمه


.. مراسل الجزيرة هاني الشاعر يرصد التطورات الميدانية في قطاع غز




.. -أنا مع تعدد الزوجات... والقصة مش قصة شرع-... هذا ما قاله ال


.. محمود رشاد: سكربت «ا?م الدنيا 2» كان مكتوب باللغة القبطية وا




.. جائزة العين الذهبية بمهرجان -كان- تذهب لأول مرة لفيلم مصري ?