الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نقد الوهم الحقوقي البرجوازي

تودة نآيت الدايح

2012 / 12 / 10
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية


يعتبر مفهوم حقوق الإنسان إحدى أكثر المفاهيم شيوعا وتداولاً حتى صار عملة العصر الأكبر رواجا، فأُنشأت له جمعيات متخصصة كما أُفردت له التقارير من جانب مؤسسات تتخذ صفة "الحياد" وأن لا معيار لها غير إعمال حقوق الإنسان في شموليتها وكونيتها، فترفع من أسهم هذا النظام السياسي تارة وتجعل الآخر في موضع الاتهام تارة أخرى. وبين هذا وذاك تختفي مصالح اقتصادية وسياسية لبلدان المركز الإمبريالي التي توجه هذه المؤسسات والجمعيات بطرق مباشرة أو مستترة، عبر التمويلات ووسائل الدعاية الهائلة التي تحتكرها لما يخدم إخضاع الشعوب لسيطرتها. وهنا لا بد من إقامة تمايز بين حقوق الإنمسان كمبدأ عام وبين الأشكال الإجرائية لتطبيق هذا المبدأ، وهي أشكال تختلف وتتمايز باختلاف ظروف كل مجتمع ومراحل تطوره.

- شـذرات تـاريـخـيـة:

يعود مفهوم حقوق الإنسان إلى ظهور الطبقة البرجوازية على المسرح الاجتماعي في صراعها ضد الاقطاع في القرنين 17 و18، حيث تجلت أولى إرهاصات تبلوره في عريضة الحقوق التي أرسلها البرلمان الإنجليزي إلى الملك (شارل الأول) في عام 1628، والقانون الإنجليزي للحقوق 1689 بشأن حقوق الإنسان. وتعتبر إسهامات فلاسفة الأنوار أمثال: جون لوك وفولتير ومنتسكيو بارزة في مجال تمهيد الطريق أمام الاعتراف بحقوق الإنسان، والتي لعبت فيه الثورة الفرنسية في 1789 دورا حاسما في تكريسه من خلال إصدار وثيقة "إعلان حقوق الإنسان" التي تضمنت 17 فصلا، لتكسب فيما بعد الصيغة المتعارف عليها عالميا من خلال المواثيق والصكوك والعهود الدولية والبروتوكولات الملحقة بها.
غير أن برجوازية مفهوم حقوق الإنسان لا يعني البتة أن أنماط الإنتاج ما قبل الرأسمالية، لم تفرز تعبيرات قانونية وحقوقية معينة تعكس علاقات الإنتاج القائمة حينها والمستوى الذي بلغه تطور قوى الإنتاج؛ وقد حملت هذه التعبيرات الحقوقية مسميات عديدة: العدل، السلام، الإصلاح، الرحمة...، مستهدفة تلطيف حدة التسلط وتخفيف القهر والمعاناة والحد من الظلم البشري.

- نـقـض الـوعـي الـزاـئف:

إن الأصل البرجوازي لحقوق الإنسان لا يفقدها قيمتها كمكتسبات راكمتها البشرية عبر صراع مرير، غير أنه من الضرورة النقدية الوعي بمحدودية سقفها والأوهام التي ينسجها دعاتها، والتي لا تمس جوهر السلطة السياسية القائمة بما هي تعبير عن مصالح اقتصادية طبقية ووسيلة لتأمينها. إذ الجمعيات الحقوقية -بما فيها التي تضفي على نفسها صفة "الإستقلالية"- تقدم خدمة هائلة للنظام الرأسمالي بإسهامها في تلطيف حدة الصراع الطبقي والتنفيس عن الأزمات، لأن شكل تعاطيها مع القضايا يبقى على مستوى السطح دون أن ينفد إلى عمق الأشياء وأسبابها، وهذا الدور هو ما تعكسه على سبيل المثال الجمعية المغربية لحقوق الإنسان. لأصحاب النزوع الحقوقي أن يكونوا "قوة اقتراحية" وأن يتفننوا في أسلوب "المرافعة" عنها، لكن دون المساس بنمط الإنتاج الرأسمالي وعلاقات إنتاجه، لهذا ينساقون إلى الغوص والإغراق في جزئيات تافهة أمام قضايا مصيرية تهم الجماهير، من قبيل "المثلية الجنسية" في الوقت الذي تتعرض فيها وحدات إنتاجية للتفكيك وما يترتب عنه من تسريحات جماعية لآلاف للعمال!!

في مقاله «اشتراكية رجال القانون» الصادر في 1887 يتناول فريدريك إنجلس مسألة الحقوق كإحدى اتكاءات الطبقة البرجوازية في طور ظهورها الصاعد ، حيث أصبحت الدعوة للمساواة أمام القانون بمثابة «صرخة الحرب الكبيرة للبرجوازية»! و«كما أن البرجوازية ، في الماضي، في نضالها ضد النبالة بقيت، بالتقليد، تجر معها المفهوم اللاهوتي للعالم بعض الوقت، كذلك فإن البروليتاريا في البداية أخذت من خصمها المفهوم الحقوقي وحاولت أن تستمد منه أسلحة ضد البرجوازية». كما أن «المطالبة بالمساواة، شأن المطالبة بكامل ناتج العمل، كانت تضيع في تناقضات عصية منذ أن نحاول صياغتها تفصيلا على الأرضية الحقوقية فلا تصيب أولا تصيب إلا قليلا عقدة المشكلة، ألا وهي تغيير نمط الإنتاج». فالطرح الحقوقي كما الطرح الذي ينبذ النضال السياسي مثاليان، «كلاهما كان يخاطب الشعور؛ أحدهما يخاطب شعور الحقوق، والآخر الشعور الإنساني. كلاهما كان يصوغ مطالبه على شكل أمنيات ورعة». والخلاصة أن الطبقة العاملة «لا يمكن للوهم الحقوقي للبرجوازية أن يكفي للتعبير كليا عن الحالة التي توجد فيها. إنها -أي الطبقة العاملة- لا تستطيع هي نفسها- أن تتملك معرفة كاملة بهذا الوضع إلا إذا نظرت إلى الأشياء في حقيقتها الواقعية، بدون نظارات ملونة بألوان حقوقية».

- مـجـمـل الـقـول:

على ضوء ما سبق يمكن فهم الخلفيات التي تجعل بلدان المركز الرأسمالي الامبريالي تولي أهمية قصوى في تجنيد الجمعيات ومراكز البحوت تحت يافطة التبشير بشرعة حقوق الإنسان، ودعم ثقافتها والتربية عليها، لتتحول في حالات عديدة إلى أدرع ووكالات لشراء الذمم وترويض المواقف. يمكن أن ينبري بعض المنتسبين المتحمسين لهذه الجمعيات ليستعرض قائمة من إنجازات الحركة الحقوقية، لكنها في المحصلة النهائية لا تخرج عن نطاق من يتغاضى، بل ويطمس، أسباب الاضطهاد الطبقي لينتقد نتائجه. بحيث ينطبق عليهم توصيف إنجلس وهو ينتقد "الإشتراكية الصحيحة" التي «أحلت الجملة الأدبية محل المعرفة العلمية، تحرير البشر بواسطة "الحب" محل تحرير البروليتاريا بواسطة التحويل الاقتصادي للإنتاج، والخلاصة أنها تاهت في هذا الأدب وهذه الفخفخة العاطفية المقززة».








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. رئيسة حزب الخضر الأسترالي تتهم حزب العمال بدعم إسرائيل في ال


.. حمدين صباحي للميادين: الحرب في غزة أثبتت أن المصدر الحقيقي ل




.. الشرطة الأمريكية تعتقل عددا من المتظاهرين من جامعة كاليفورني


.. The First Intifada - To Your Left: Palestine | الانتفاضة الأ




.. لماذا تشكل جباليا منطقة صعبة في الحرب بين الفصائل الفلسطينية