الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ارتباك في بر مصر

مصطفى مجدي الجمال

2012 / 12 / 10
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان



طوال الأيام الماضية لا أجد وقتًا لأكتب سوى البيانات.. ولا أجد وقتًا لغير المشاركة في التظاهرات والاجتماعات ومتابعة الفضائيات وشبكات التواصل الاجتماعي..

في كل يوم.. إن لم يكن في كل ساعة.. يحدث جديد على المستوى التكتيكي. وأخطر ما في هذا أنك قد تغفل عن بوصلة التوجه الاستراتيجي..

لذا لا أنوي في هذه العجالة التطرق إلى التفاصيل الجارية.. وإنما التأكيد على مجموعة من الحقائق الرئيسية أولاً.

(1) جاءت جماعة الإخوان للسلطة ومعها خطة التمكين المعروفة للكافة. جاءت بعد ثورة شعبية كبرى ولكنها للأسف كانت بلا قيادة موحدة الصف ولا الرؤية. وهكذا ساعدت الظروف الجماعة بأن منحتها- دون توقع منها- المنصب الأول في دولة تحتل فيها مؤسسة الرئاسة المكانة والنفوذ المشهودين. إذ لم تقاوم المؤسسة العسكرية طويلاً بعد فشلها الذريع في إدارة الدولة، فضلاً عن الضغوط الأمريكية لتسليم دفة القيادة للإخوان في إطار حسابات إقليمية حرجة.

فكان أن أغرى هذا الجماعة بالإسراع في تنفيذ خطة التمكين، معتمدة أيضًا على ظهير داخلي قوي يتمثل في الجماعات السلفية التي يبدو أنها لا تستطيع العمل على برامجها سوى في كنف السلطة مثلما كان حالها في عهد مبارك. ومن المغريات التي دفعت جماعة الخوان إلى الإسراع في التغول أن خطط أخونة مفاصل الدولة تسير بسلاسة نسبيًا ودون ضجيج، وهناك أيضًا ظاهرة التأخون أو الاستعداد للتسليم بالأخونة.. فكل ما يهم الكثير من أصحاب المناصب العليا هو الاحتفاظ بامتيازاتهم وعدم إزاحتهم جانبًا، ومن هنا يتقدم الكثيرون الآن عارضين خدماتهم على الحكام الجدد. وهو رهان في كل الأحوال.

(2) قدم الإخوان للأمريكان ما لم يجرؤ حتى نظام مبارك على تقديمه من ضمانات في غزة وسيناء، ومن استعداد للانخراط في التحالفات الإقليمية المطلوبة.. ومن تقديم التنازلات تلو الأخرى للمؤسسات المالية الدولية. وظنت الجماعة أن هذه هي اللحظة الحاسمة للتقدم بخطوات كبيرة. ولكنها أخطأت خطئًا تكتيكيًا كبيرًا لأنها لم تحسب جيدًا حجم الغضب الذي يمكن أن تثيره خطواتها الجديدة في الشارعين الشعبي والسياسي الوطني. فكان الانتهاء الكاريكاتوري من مسودة الدستور، وتوالي الإعلانات "الدستورية" والقرارت الرئاسية ثم التراجع عنها في مشاهد هزلية تبين مدى الارتباك الذي تعانيه مؤسسة الرئاسة. خاصة بعد موجة الاستقالات من مؤسسة الرئاسة وأجهزة الإعلام، والمواقف القوية من القضاة.

(3) أمام هذا الفشل والارتباك لم يجد قادة الإخوان من حل سوى طلاق ميلشياتهم وأن يخرجوا من وراء الستار قياداتهم الفعلية.. فخرج الشاطر وبديع من جحريهما ليطلقا التهديدات ويقودا المعارك اليومية على الأرض وحشد الحلفاء.. فالرئيس محاصر في الاتحادية، وميدان التحرير خارج عن سيطرة الجماعة، ومقار الجماعة تتعرض للحرق والحصار، والإعلام الليبرالي يشكل خطرًا حقيقيًا عليهم، والقضاة أشهروا تحديات خطيرة، والكنيسة لا تتجاوب مع الإخوان بالطبع. فكانت المذبحة الإجرامية في محيط الاتحادية، وحصار المحكمة الدستورية العليا ومدينة الإنتاج الإعلامي، واضطلاع النائب العام الجديد بدوره في التغطية على ما تقترفه الجماعة وملاحقة المعارضين..

(4) رغم أن الجيش مازال على حياده "الظاهري" فان مرسى كان يتمنى أن يستخدمه في قمع المعارضة المدنية، إلا أن الجماعة تخشى جدًا اللجوء إلى هذا الحل غير المضمون، اللهم إلا إذا حصل الإخوان على ضمانات أمريكية. كما أن الشرطة مازالت أضعف من تكرار تجربة القمع الذي مارسته بفعالية في عهد مبارك، ولا يوجد كثير من الثقة المتبادلة بين الطرفين، ومازالت محاولات أخونة هذا الجهاز الأخطبوطي في مراحلها أولية.

... في ظل هذه المعطيات يصعب تصور أن تكون مصر مقبلة فعلاً على إجراء استفتاء ديمقراطي، ويقبل عليه المواطنون، في ظل الشكوك القوية في تأمين لجان الاستفتاء والإشراف القضائي. وربما يريد بديع إقبال عدد محدود من الناخبين حتى تتفوق كتلتهم التصويتية المصمتة. ومن المؤكد أنهم لن يتورعوا عن التزوير الفج، وان كان هذا سيكشفهم تمامًا لأنه لا يتوقع من وزارة الداخلية أن تشترك معهم بحماس في هذه المهمة.

على الجانب الآخر.. هناك مشكلات كثيرة في جانب المعارضة. أهمها ذلك التنوع الشديد في قواها. وهو في جانب كبير منه أمر موضوعي لا خيار لأحد فيه. لكن من نتائجه أن تتفاوت درجات الرغبة في قطع الشوط إلى منتهاه في مقاومة الإخوان، وهو ما يحتاج إلى قدرات قيادية "خارقة" لضبط الإيقاع. خاصة وأن تسارع خطة التمكين الاخوانية قد أثار التذمر وسط قطاعات كبيرة من القوى المحافظة والتقليدية. أضف إلى هذا تلك النزعات الذاتية السخيفة عند بعض "زعماء" المعارضة.

كما لم تدرك بعض القوى أننا في لحظة خاصة جدًا لصد وإيقاف الثورة المضادة وليس للمضي في عملية ثورية شاملة لم تتحقق شروطها الضرورية بعد، وان كان من الممكن أن يتحقق الكثير منها بأسرع مما يتوقع كثيرون.

تلوح أيضًا مشكلة كبرى تتمثل في إمكانية تفاقم الصراع إلى حد يستدعي تدخل الجيش. وهو موضوع لا يمكن التكهن به دون توافر معلومات موثوق فيها عن مواقف ومشاعر الرتب المختلفة. وان كان من المرجح أن يكون هذا التدخل لصالح عودة ثنائية حكم العسكر/ الإخوان بشروط مغايرة عما كان.

ما يهمني أكثر هنا أن جبهة اليسار المصري غير موحدة لأسباب تاريخية (لم يعد لها مجال أو مبرر) ولأسباب تتعلق بالمواقف غير الحازمة لبعض اليساريين من حكم الإخوان (وهو ما أفقدهم جزءًا من مصداقيتهم على الأقل)..

كذلك يتزايد البون بين اليسار السياسي واليسار المجتمعي (وخاصة الائتلافات الشبابية) ففي الحقيقية مازال الكثير من تلك الائتلافات لا يرتاح للتنسيق مع الأحزاب اليسارية وربما يميل إلى توريطها في مواقف غير متفق عليها.

أضف إلى هذا وذاك : ضعف العمل الجماعي وسط الحركة النقابية العمالية (حداثة عمر النقابات المستقلة ونفوذ سماسرة الحركة النقابية الجدد، أخونة اتحاد العمال الرسمي، جزئية ومحلية واقتصادية النضال الطبقي). كما انغمس يساريون كثيرون في المبالغة في اختزال الصراع الحالي في المسألة الدستورية، دون الاهتمام الكافي بالبعد الاجتماعي في الصراع الدائر الآن.

أخيرًا.. هناك ارتباك شامل في كل الجوانب.. ومن الممكن أن تتطور صدامات تكتيكية إلى معارك كبرى تنتج عنها تغيرات جذرية. ومن الممكن أن يتصاعد دور العامل الخارجي في "الأزمة" المصرية.

نحن مقبلون على صدام مروع.. وربما تسويات أليمة.. لكن "أليمة" لمن؟ ربما للجميع.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. وثائقي -آشلي آند ماديسون-: ماذا حدث بعد قرصنة موقع المواعدة


.. كاليدونيا الجديدة: السلطات الفرنسية تبدأ -عملية كبيرة- للسيط




.. المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي دانييل هاغاري يعلن مقتل جنديين


.. مقطع مؤثر لأب يتحدث مع طفله الذي استشهد بقصف مدفعي على مخيم




.. واصف عريقات: الجندي الإسرائيلي لا يقاتل بل يستخدم المدفعيات