الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


رهان الشعوب في القرن الواحد والعشرين

يوسف العادل

2005 / 3 / 16
اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم


لوتتبعنا مسار حركة التاريخ الإنساني منذ مطلع القرن العشرين، لرأينا أن دول النظام الرأسمالي آنذاك قد اقتادتها أزمة الرأسمال العالمي إلى خيار الحرب العالمية الأولى التي خيضت دون أية لواجم، ووضعت أوزارها وتمخضت عنها نتيجتان:
1. ظهور الإتحاد السوفييتي وتآكل النفوذ الرأسمالي العالمي بنفس القدر الذي شغله هذا الإتحاد عالمياً في الجغرافية والسياسة والاقتصاد.
2. ظهور منظمة عصبة الأمم المتحدة بعيد الحرب كخيار مرجعي سلمي من جهة، ولتسجيل نتائج الحرب في إطار النواظم والاتفاقيات والمبادئ، حيث يتكرس المهيمن على الأرض والوثائق معاً من جهة ثانية.
ومع ظهور عصبة الأمم كان يجب أن يسود القانون الدولي كمرجعية يتم الاحتكام إليها في كل النزاعات الجارية، وبالتالي ستتعطل مرجعية الحرب، وهذا بالطبع لم يحصل، فشهد العالم حرباً عالميةً ثانيةً تمخض عنها أيضاً نتيجتان مكررتان لما حصل في الحرب العالمية الأولى:
1. تعاظم نفوذ الإتحاد السوفييتي على خلفية خروجه منتصراً على النازية، ليتكرس بعد ذلك طرفاً نداً للنظام الرأسمالي العالمي الذي يخشى مده الشيوعي.
2. استبدال عصبة الأمم المتحدة بهيئة الأمم المتحدة التي باتت وإن على نفس أرضية العصبة، أكثر عدداً ونفوذاً وفاعلية.
ويبدو أنه كان على التاريخ أن يتحرك على نفس المسار إلى نفس المحطات الدورية المتكررة حيث الحروب المتتالية
( ثالثة، رابعة الخ)، لكن المستجد التكنولوجي المتمثل بصنع القنبلة الذرية وظهورها على مسرح التاريخ الصناعي الحربي، قد وضع حداً حاسماً للحروب العالمية التقليدية التي ستصبح مع وجود السلاح الذري حرب فناء جماعي ذاتي لا يوجد فيها رابح أو خاسر.
ومن هنا كان على التاريخ الإنساني أن يتابع مساره بخيارات أخرى، وكانت عندئذِ الحرب الباردة، التي انتقل فيها الأقطاب إلى الحروب بالوكالة على أرض الغير، حيث يكتفي هؤلاء بتقديم المال والعتاد والسلاح والخبرة مقابل جني الأرباح والمكاسب، وشهد العالم عشرات بؤر التوتر في العالم منذ خمسينات القرن العشرين، واستمرت هذه الحرب الباردة إلى نهاية ثمانينات القرن العشرين، لتتمخض عنها أيضاً نتيجتان:
1. انهيار الاتحاد السوفييتي وعودة وحدانية القطب الرأسمالي إلى سابق عهده في مطلع القرن العشرين.
2. اندفاع الولايات المتحدة الأميركية لتتبوأ عرش العالم كما كانت عليه بريطانيا العظمى مطلع القرن العشرين.
وإذا كان الإتحاد السوفييتي والسلاح النووي قد عطلا منطق الحروب الكونية المباشرة ، فإن غياب الإتحاد السوفييتي عن مسرح التاريخ لن يعيد الحروب الكونية إلى سابق عهدها، ما دام السلاح النووي يملك زمام المبادرة في وقف هذه الحروب الكبيرة المتوقفة فعلاً حتى الآن في مطلع القرن الواحد والعشرين مع ظهور نتيجتين:
1. إمكانية إطالة أمد إدارة أزمات الرأسمال العالمي بعيداً عن وقوع الدول الرأسمالية في مغبة الحروب الكبيرة المباشرة المدمرة التي تنجب الثورات وحركات التحرر في نهاية المطاف كما حصل على طول أغلب مسار القرن العشرين.
2. صيرورة العالم قريةً صغيرة على خلفية كل الجبروت التكنولوجي الإعلامي غير المسبوق والمنتشر في العالم، مما سهل لم الجسد البشري ورصه وتهيئته لفعل شيء ما خارج طوق الاحتواء الرأسمالي المطبق على العالم ، وهنا ستجد شعوب العالم نفسها :
. بعيد انهيار الإتحاد السوفييتي متحررةً من سطوة الإيديولوجيات التي سادت خلال العقود السابقة وآلت إلى الإفلاس، وهي:
• ليبرالية النظام الرأسمالي العالمي لاسيما في العهد الإمبريالي الحالي التي لم تحمل للعالم غير الحروب والدمار والخراب الشامل.
• التجربة الاشتراكية التي انهار نموذجها السوفييتي، وانهارت معها القناعات البشرية بالفكر الاشتراكي إلى حين.
• القومية التي جرت أنظمتها الساحات المعنية إلى المآلات الكارثية.
• الأصولية الإسلامية التي تتصدر منذ فترة قريبة قيادة العمل الوطني المقاوم لتستعيد نفسها من مخبئها التاريخي البعيد عن السياسة السلمية ومسائلها الاجتماعية والحياتية،حيث لم تتنطح تاريخياً وعبر أي برنامج سياسي لبناء الجنة الدنيوية على طريق الظفر بالجنة الأخروية.
إذن لقد خرجت شعوب العالم من المائة سنة التي مضت مثقلةً باستبداد مشين ألحق بها الظلم والقهر والحرمانات المزمنة، لكنها خرجت كذلك وهي تتأبط حزمة إمكانيات جبارة تجعل من حركة التاريخ في مداه المجدي تنطوي على آمال عريضة كما يلي:
• التجربة النضالية التاريخية وإنجازاتها على الصعد النظرية والعملية، حيث شكلت ( بروفة ) لتجربة قادمة.
• وسائل الاتصال الجبارة المرتكزة على قاعدة تكنولوجية متطورة باضطراد.
• التغيرات العاصفة التي ستجبر الأنظمة السياسية في العالم على الانحناء أمامها وامتصاصها بالمزيد من إجراءات الإصلاح التي ستمنح هذه الشعوب فرصة اختراق دفاعات هذه الأنظمة وتحقيق مكاسب سياسية ذات مردود مستقبلي.
• الذخيرة المعرفية التي تختزن معظم الأجوبة المطلوبة لأسئلة القضايا المصيرية الكبرى في السياسة والاقتصاد والعلوم الأخرى.
يبدو أنه مع تعطل آليات الحروب الكبيرة المنهكة للشعوب واعتماد آليات العمل السلمي يمكن تعليق الآمال على سيرورة عمل نضالي تعطي إفرازات نخبوية سياسية تقود نضالات القرن الحالي إلى الانتصارات الممكنة.
فإلى أقل من مائة سنة قادمة.
يوسف العادل
15/3/2005








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ليبيا: ماذا وراء لقاء رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني


.. صفاقس التونسية: ما المسكوت عنه في أزمة الهجرة غير النظامية؟




.. تونس: ما رد فعل الرئيس الأسبق المنصف المرزوقي بعد فتح تحقيق


.. تبون: -لاتنازل ولا مساومة- في ملف الذاكرة مع فرنسا




.. ما حقيقة فيديو لنزوح هائل من رفح؟ • فرانس 24 / FRANCE 24