الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العلمانيون السوريون ومعضلة التحالفات

ياسر محمد أسكيف

2012 / 12 / 12
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي



هي معضلة حقا ً . ولأنها كذلك , فليس أفضل من الهروب إلى الأمام , وإعادة انتاجها . إذ تقدّم إعادة الانتاج , المدروسة , والمُتقنة , شيء من الطمأنينة , وراحة البال , لبعض المنظرين والكتاب .
وهذا تماما ً ما يفعله المُنظّر والباحث ( ياسين الحاج صالح ) في مقال يتناول العلاقة بين المعارضة العلمانية والتيارات الاسلامية ( الحوار المتمدن – تاريخ 20 – 11 – 2012 ) . يقرّ الباحث في بداية مقاله بأن ( المعارضون العلمانيون يجدون أنفسهم في وضع مُعضل في العلاقة مع الاسلاميين ) ولكنه رغم الوضع المُعضل , يبدي الكثير من الإصرار على اقتراح صيغة , أو صيغ , تجعل من علاقة ما , أو تفاهم ما , أهون الشرّين . وخاصة أن الكاتب يدرك بأنه ( إذا كان التحالف مع الاسلاميين حلا ً لمشكلة فإنه مولّد لمشكلات ) غير أنه يجد في صيغة ( المجلس الوطني السوري ) تجسيدا ً للتحالف الذي لا ( يوجب على أي طرف أن يتخلى عن رؤاه الخاصة ) وهذا ما سيتراجع الكاتب عن الإقرار به مؤكدا ً بأن توازن هذا المجلس قد بدأ يختل ( بفعل تنامي وزن الاسلاميين وبقاء وزن غيرهم ثابتا ً أو تراجعه ) وتنامي وزن الاسلاميين هذا كان يستند إلى تنامي قوتهم العسكرية في وجه النظام , ذلك التنامي الذي أدرّ عليهم مساعدات ماديّة ومعنوية .
نلاحظ أن الكاتب على امتداد مقالته يؤكد بأن أي شكل من أشكال التحالف غير ممكن , لأن التحالف هو تنوع وتمايز في إطار من الوحدة والانسجام , وهذا الأمر يقتضي ضمنا ً توفر مكوّنات ديموقراطية لا إلغائية أو إقصائية تعترف بالآخر كتعيّن مُختلف وليس كمُفردة . والكاتب ذاته يعترف في غير مكان بأن الاسلاميين إقصائيين واستيلائيين ( أنظر " ثورة سورية أم ثورة اسلامية في سوريا . – الحوار المتمدن – تاريخ 25-11-2012 ) .
إذا ً المهمّة التي يتصدى لها الديموقراطي العلماني السوري في لحظته الثورية الراهنة هي مهمة مُرّكبة لأنها تقتضي التصدي لمحاولة الهيمنة الاسلامية بالتزامن مع الثورة ضد النظام , وهذا ما يبدو مُستحيلا ً بنظر الكاتب الذي يرى أن القرب ( من متن الثورة وتطورها يضعك في موقف ضعيف التأثير على مظاهر الأسلمة المتعلقة بها . أما إذا كنت منشغل البال بصعود الاسلاميين فستجد نفسك بعيدا ً عن متن الثورة وعملياتها الفعلية . ) أليس هذا اعتراف صريح وواضح بأنها ثورة إسلامية بامتياز , وبأن أي عمل ثوري يستمد شرعية وجوده من صبغته الاسلامية , أو من إذعانه لها , وتمسحه بها . وهل يفهم من القول السابق إلا أنك لا تجرؤ على انتقاد الاسلاميين في الأوساط ( الثورية ) وأنك إذا ما فعلت ذلك فستجد نفسك منبوذا ً ومطرودا ً من المتن ( الثوري ) . ما هي ( العمليات الفعلية ) للثورة السورية إذا ً , تلك التي سيجد المرء نفسه بعيدا ً عنها إذا ما انشغل ( ولنلاحظ هنا فقر الدلالة في مفردة " انشغال " التي لا يبدو أنها تعني سوى إضاعة الوقت ) باله بصعود الاسلاميين . هل هي إلا العمليات العسكرية التي تهدر المزيد من الدماء , وتسبب المزيد من الدمار . ؟
وللخروج من المعضلة التي تتمثل في استحالة القيام بالمهمّة المركبة ليس هناك من خشبة خلاص سوى البحث عن الهدف الجامع ( الحائز على الأسبقية على الفوارق الأيديولوجية بين التيارات ) والذي يحقق الحصانة للرؤى الخاصة لكل طرف ويتيح له ( العمل على تأكيد نفسه كقوة فاعلة لا يمكن القفز فوقها ) وهذا الهف ليس سوى ( إسقاط النظام ).
الدعوة صريحة وواضحة وتحيّد بالفعل أي خلاف أيديولوجي , انها كدعوة تساوي بين الجميع , ولكن هل تتعدى المساواة حدودها النظرية , شأن الدعوة تماما ً . ؟ خاصة وأن الكاتب ذاته يقرأ أسباب اختلال التوازن في ( المجلس الوطني السوري ) في تنامي القوّة العسكرية للإخوان المسلمين , أي أن القوة العسكرية , وليس الدروع الأيديولوجية , أو الرغبات والنوايا , هي من يحدّد الحواجز التي تمنع البعض من القفز فوق بعض , وهذا ما لا تتوفر عليه التيارات العلمانية والديموقراطية , الأمر الذي سيبقيها , في أي تحالف مع باقي المعارضات المسلحة , على قاعدة اسقاط النظام , وفقط اسقاط النظام , مجرّد تابع هزيل , إن لم نقل مطيّة سهلة الركوب . وهل يمكن النظر إلى هذا المخرج من المعضلة المطروحة إلا كضحك على ذقون العباد , واستخفاف بعقولهم .؟ وخاصّة أن هذا الاستخفاف يتعزّز حينما يعود الكاتب للقول ( أننا لا نتصوّر توصية حاسمة غير الانخراط في الصراع في كل وقت وبمختلف أشكاله ) إذ ( من شأن المشاركة الفعلية في الثورة , أن تنتزع للمشاركين مواقع في سوريا الجديدة , مواقع للصراع واستئناف الصراع من أجل أوضاع أكثر توافقا ً مع توجهاتهم ) هي صكوك غفران إذا ً , أو سندات طابو لحصص في ملحق الثورة , وهي ما يذكر بتهديدات برهان غليون بأنه على الطائفة العلوية أن تشارك في الثورة كي تضمن لها مستقبلا ً في سوريا القادمة .
ليس مهما ً إذا ً شكل سوريا الجديدة ( مقبرة أو حصيلة زلزال ) , لأن هذا الشكل لا يعني شيئا ً, ما دام هناك , وبكل تأكيد , استئناف للصراع . غير أن الذي لا يعيره الكاتب أي اهتمام هو الراهن , الذي لن يعود راهنا ً أبدا ً . وأن الظروف السورية التي تجعله اليوم يرى ما يراه , ستتغير , كما تشير يوميات الأزمة السورية , بحيث لن يسمح لأحد بالرؤية , أو حتى بالحدس . وبالتأكيد ستطول بعدها الأيام قبل أن يجد ( ملحق الثورة ) مكانا ً وبيئة لولادته .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. لحظة سقوط صاروخ أطلق من جنوب لبنان في محيط مستوطنة بنيامين ق


.. إعلام سوري: هجوم عنيف بطائرات مسيرة انتحارية على قاعدة للقوا




.. أبرز قادة حزب الله اللبناني الذين اغتالتهم إسرائيل


.. ما موقف محور المقاومة الذي تقوده إيران من المشهد التصعيدي في




.. فيما لم ترد طهران على اغتيال هنية.. هل سترد إيران على مقتل ن