الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تطرف وتطرف، وهو ووهم

محمد باليزيد

2012 / 12 / 12
القضية الفلسطينية


حين صوتت الأمم المتحدة لصالح إعطاء فلسطين صفة دولة مراقب، وردا على فرحة الفلسطينيين بذلك، صرح مسؤولون إسرائيليون قائلين: "سوف يستيقظ الفلسطينيون، غدا صباحا ويرون أنه لا شيء تغير على الأرض بتصويت الأمم المتحدة وأن فرحتهم كانت وهما ويفهمون أن من يجب عليهم أن يتناقشوا معه ويطلبون اعترافه بهم هو دولة إسرائيل وليس الأمم المتحدة."
نعم، لا أحد يعرف، أكثر من إسرائيل، أنه لا قيمة لقرارات الأمم المتحدة وأن قرارا واحدا فقط من بين قرارات هذه الهيئة، القرار الذي جزأ أر ض الشعب الفلسطيني وأقام عليها دولة لشعب لقيط، هذا القرار وحده له معنى. وأنه بعد هذا القرار ، كل قرارات هذه الهيأة لا تساوي الحبر الذي كتبت به.
بعد القرار الأخير بوقت وجيز أعلن عن مشروع استيطاني جديد، هذه السياسة التي لم تتخل عنها إسرائيل لا بعد كامب ديفيد ولا بعد أوسلو... وكان هذا فعلا لتوضح الحكومة الصهيونية للشعب الفلسطيني، وكذا للمنتظم الدولي، أن الأمم المتحدة لا تعني شيئا. وكيف تعني قرارات هذه الهيئة شيئا والدولة المغتصبة تتمتع بصفة عضو كامل في حين الشعب الذي نهبت أرضه لم يتمتع بصفة "مراقب" إلا بعد 64 عاما من سرقة أرضه؟؟
بعد قرار التقسيم (29/11/1947) مرت القضية الفلسطينية (1) بتطورات عدة أهمها ظهور منظمة التحرير (1964) التي تبنت الكفاح المسلح كخيار وحيد لتحرير فلسطين. وإذا أردنا الكلام عن الظرف الدولي سنقول بأن الكفاح المسلح لم يكن استجابة للظرف الدولي وإنما كان الجواب المنطقي على الاحتلال بالقوة وأن الظرف الدولي هو الذي يتغير منطقه من منطق منطقي إلى منطق ظرفي. الشعب الفلسطيني كان ضحية تغير المنطق هذا فكانت النتيجة، أوسلو(13/09/1993)، مسايرة المنطق الظرفي على حساب منطق القضية. كانت النتيجة الاعتراف بالعدو والجلوس معه على الطاولة والسعي وراء اعترافه بدولة فلسطين. ولأن المفاوضات، بعد كل حرب، لا تحدد نتائجها الأخلاق وإنما تلك الحرب بالذات، هكذا جاءت أوسلو وما بعدها.
قبل أوسلو وكامب ديفيد كان الخطاب الذي تبتز به إسرائيل العالم وتغلط الرأي العام العالمي هو أن الشعب اليهودي، ضحية تاريخ البشرية، يريد الفلسطينيون، ومعهم العرب، أن يلقوا به في البحر. وبعد ذلك، بعد أن وقعت مصر السلام مع إسرائيل وفعل شبه ذلك المرحوم ياسر عرفات، هل تغير تصرف/تطرف إسرائيل الذي يتلخص في نهج واحد وحيد:
_ الاستيلاء على ما يمكن من أراضي الفلسطينيين
_ إجلاء ما يمكن من الفلسطينيين
_ بناء ما يمكن من المستوطنات ؟؟
كل ذلك لم يتغير لسبب واحد وحيد: هذا الكيان المصطنع، هذا الشعب المنتشي بقوته وجبروته (2)، هذه الدولة اللقيطة لا تعرف سوى منطقا واحدا هو منطق القوة. وترى أن الفلسطينيين لم يجلسوا معها على طاولة المفاوضات إلا لأنهم أضعفوا وأن عليها أن لا تفوت أية لحظة لاستغلال ضعفهم لخلق واقع على الأرض يزحف نحو "إسرائيل الكبرى" وإخلاء المنطقة من أي "فيروس محتمل"، أية جماعة من الفلسطينيين يمكن أن تشكل في المستقبل، ولو البعيد، نواة لشعب فلسطيني يقرأ التاريخ ويتذكر أنه على تلك الأرض قد أبيد أجداده ووُطن محلهم شعب سمي إسرائيل.
أمام دولة لا ترى في لجوء الفلسطينيين إلى المفاوضات أو إلى الأمم المتحدة سوى ضعفا منهم عليها استغلاله في اتجاه رمي الفلسطينيين وراء البحر، أمام واقع كهذا من الطبيعي أن يترعرع بين الفلسطينيين، بعد أوسلو وبعد كامب ديفيد، جيل يرى أن المفاوضات مع الإسرائيليين مجرد وهم وأن الحلم برميهم وراء البحار، حتى وإن ظل ذلك مجرد وهم نتيجة موازين القوى الحالية، أن هذا الحلم/الوهم أفضل من وهم التفاوض معهم. فرب وهم أفضل من وهم.
وبقدر ما القضية الفلسطينية قضية غريبة وبعيدة على أن تحشر فقط في خانة احتلال أو استعمار، بقدر ما هي "الدولة الصهيونية" غريبة وبعيدة على أن تصنف فقط كدولة احتلال أو استعمار أو حتى استيطان. وإليكم الجديد من حماقات هذا الكيان "ال..." (3):
[[ اليوم، وعلى رغم عدم طرح ملف المفاوضات مع الفلسطينيين، رفعت إسرائيل الى اجندتها الدولية ملف اللاجئين الفلسطينيين من خلال حملة "أنا لاجئ يهودي، التي اطلقتها وزارة الخارجية ويشرف عليها نائب الوزير داني ايالون، الذي يعتبر نفسه واحداً من هؤلاء اللاجئين اليهود، فوالده -كما يقول- من أصل جزائري، اضطر إلى مغادرة بيته وبلاده والهجرة إلى إسرائيل، ولذلك فإن عائلته هي ضمن من يعتبرهم أيالون "اللاجئين اليهود من الدول العربية" الذين تسعى إسرائيل الى تحصيل تعويضات لهم من الدول العربية. ووفق طرح ايالون للحملة، فإنه يريد اليوم "تصحيح الغبن التاريخي الذي لحق بعائلته والعائلات اليهودية"]] (4)
ما تعلمه إسرائيل ويعلمه العالم أجمع هو أن الكيان الصهيوني، وقت تأسيسه وبعد ذلك بعقود، كان في حاجة إلى بشر ليستولي بهم على أرض الشعب الفلسطيني. ذلك أن الاستيطان، خلاف الاستعمار، لا يكتفي بمجموعات جنود مدججين بالسلاح لنهب خيرات البلاد وإرسالها خارج الحدود. الاستيطان في حاجة إلى "شعب" بديل ليغرسه مكان الشعب الذي سيُقتلع من أرضه. لذلك أغرت الصهيونية اليهود وجرتهم من مناطق عدة من العالم. اللعبة هنا ليست وحيدة الوجه، فقد يكون هناك من اقتنع بادعاءات الصهيونية ورحل عن طيب خاطر وقد يكون من لم يقتنع تماما لكن ظروفا محلية كحروب أهلية أو ميز عنصري أو مجرد ضائقة مادية أدت به إلى أن يسقط في النهاية في شباك الصهيونية مهما كان طعمه مختلفا عن الطعوم الأخرى. ... وقد يكون، وليس بالضرورة عند العرب أو عندهم وحدهم، قد يكون هناك زعماء دول أو زعماء مناطق تعاونوا مع الصهيونية من أجل خلق تيار جارف لليهود اتجاه فلسطين مستعملين الترهيب العنصري أو المالي (إثقال اليهود بالضرائب) أو غير ذلك من الوسائل التي لن يعرف ابتكارها سوى من له الحاجة بها. أمام هذا الوضع ينطرح سؤال:
هل اليهود بإسرائيل (أو بعضهم) فعلا لاجئين؟؟
اعتبارا لما سبق ذكره فإن بعض اليهود بفلسطين يمكن اعتبارهم لاجئين مع بعض الملاحظات أهمها ما يلي: هؤلاء اللاجئين لم يتوجهوا إلى دولة ذات سيادة ويطلبوا اللجوء فيها وإنما إلى "دولة/عصابة" للاستيلاء على أرض شعب آخر. لكن حتى دون أخذ هذه الملاحظة الأخيرة بعين الاعتبار فإن المسألة ليست مسألة "لاجئين والسلام". فأولا، قبل أن يطالب هؤلاء "اللاجئون" بحقهم المزعوم عليهم أن يسألوا أنفسهم: من كان وراء "لجوئهم" إلى فلسطين ومغادرة أوطانهم الأصلية؟ أليست هي الدولة والإيديولوجية/العقيدة الصهيونيتان؟ هذه الدولة التي هم الآن مواطنون مخلصون لها هي أول مسؤول عن هجرتهم ومسؤوليتها أكبر من مسؤولية زعيم دولة أو زعيم منطقة أو قبيلة رشته الصهيونية ليدفع بهم إلى أحضانها.
لكن في هذه المسألة هناك ما هو أهم مما قلناه إلى حد الآن:
كيف أن اللاجئين الفلسطينيين، الطرف الآخر (الأصلي) في المسألة، لا يطالبون بأي تعويض؟؟ الجواب يكمن في أنهم هم فعلا اللاجئون الحقيقيون. فاللاجئ الحقيقي لا يطلب تعويضا عن موطنه الذي هجر منه وإنما يطالب بالرجوع إليه. وما طلب "اللاجئين اليهود" بالتعويض سوى دليل على أنهم، كما أنهم لم يفلحوا أن يكونوا سوى شعبا مزيفا، هم كذلك لاجئون مزيفون. أما إذا اعتبر هؤلاء اليهود أنفسهم فعلا لاجئين فإن الحل الجذري لقضيتهم هو أن يعودوا إلى أوطانهم الأصلية وممتلكاتهم الأصلية وتعايشهم [وسيكون اليوم أحسن من الأمس] مع كل السكان بود واحترام. لكن هذا الحل لن يرضي الصهاينة [لا أقصد اليهود أو الإسرائيليين] الذين ما فكروا في هكذا مسألة إلا لأنهم محترفين في النصب والنهب ويريدون أن: _ يبتزوا الدول العربية.
_ يشوشوا على القضية الفلسطينية ويجعلوا الدول العربية في مقام الدفاع عن نفسها بدل الدفاع عن فلسطين
_ يشوشوا على الرأي العالمي فيما يخص مسألة اللاجئين الفلسطينيين
_ يقدموا أنفسهم ضحايا وهم المجرمون.
ومن بين سياساتهم أنهم يضعون اليد اليمنى على شبر استولوا عليه اليوم واليسرى على الذي سيستولوا عليه بعد عقود حتى لا تعرف أنت أتدافع على الذي تنتزعه منك اليد اليمنى أم اليسرى.
قال عباس في الأمم المتحدة: "نحن لم نأت هنا من أجل نزع الشرعية عن دولة قائمة فعلا هي إسرائيل..."
ما يزال عباس يفكر بأوسلو التي ماتت أو ولدت ميتة. وعلى كل حال، فعلى منبر الأمم المتحدة لا يمكن قول أكثر من ذلك.



1) منظمة التحرير الفلسطينية أو اختصارا: م.ت.ف، منظمة سياسية شبه عسكرية، معترف بها في الأمم المتحدة والجامعة العربية كممثل شرعي وحيد للشعب الفلسطيني داخل وخارج فلسطين. تأسست عام 1964 بعد انعقاد المؤتمر العربي الفلسطيني الأول في القدس نتيجة لقرار مؤتمر القمة العربي 1964 (القاهرة) لتمثيل الفلسطينيين في المحافل الدولية وهي تضم معظم الفصائل والأحزاب الفلسطينية تحت لوائها. ويعتبر رئيس اللجنة التنفيذية فيها، رئيسا لفلسطين والشعب الفلسطيني في الأراضي التي تسيطر عليها السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة بالإضافة إلى فلسطينيي الشتات.
كان الهدف الرئيسي من إنشاء المنظمة، هو تحرير فلسطين عبر الكفاح المسلح.[3] إلا أن المنظمة تبنت فيما بعد فكرة إنشاء دولة ديمقراطية علمانية ضمن حدود فلسطين الانتدابية، حيث كان ذلك في عام 1974 في البرنامج المرحلي للمجلس الوطني الفلسطيني، والذي عارضته بعض الفصائل الفلسطينية وقتها، حيث شكلت ما يعرف بجبهة الرفض.[4][5]
في عام 1988 تبنت منظمة التحرير رسميا خيار الدولتين في فلسطين التاريخية، والعيش جنبا لجنب مع إسرائيل في سلام شامل يضمن عودة اللاجئين واستقلال الفلسطينيين على الأراضي المحتلة عام 1967 وبتحديد القدس الشرقية عاصمة لهم.[6]
في عام 1993 قام رئيس اللجنة التنفيذية بمنظمة التحرير آنذاك ياسر عرفات بالاعتراف رسميا بإسرائيل، في رسالة رسمية إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك إسحق رابين، في المقابل إعترفت إسرائيل بمنظمة التحرير كممثل شرعي وحيد للشعب الفلسطيني. نتج عن ذلك تأسيس السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة، والتي تُعتبر من نتائج اتفاق أوسلو بين المنظمة وإسرائيل.
2) انظر المقالين : أخلاق الشعب الإسرائيلي من خلال الكتاب المقدس . الجزئين 1 و2
3) "ال..." هو نعت لم أجد المصطلح المعبر عنه تعبيرا كافيا دقيقا: شخص لا أخلاق له ، ماكر ، إن لم يخف لا يستحي، كذاب..... شخص يجمع كل الأخلاق السيئة لم أجد له الوصف المناسب.
4) انقر هنا لقراءة المقال الأصلي.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. -بلطجي الإسماعيلية-.. فيديو يُثير الجدل في #مصر.. ووزارة الد


.. جدل بشأن عدد قتلى الأطفال والنساء في قطاع غزة




.. أكسيوس: واشنطن أجرت محادثات غير مباشرة مع طهران لتجنب التصعي


.. مراسل الجزيرة: المقاومة تخوض معارك ضارية ضد قوات الاحتلال ال




.. جيش الاحتلال ينشر فيديو لمقاومين قاتلوا حتى الاستشهاد في جبا