الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أمنه سوره كه وأقبية المخابرات السورية

مصطفى اسماعيل
(Mustafa Ismail)

2012 / 12 / 13
أوراق كتبت في وعن السجن


وأنت تدخل مقر ( أمنه سوره كه ) في السليمانية بكردستان العراق وتتجول في أرجاءه, تشدّك الذاكرة عنوة إلى الأقبية الأمنية السورية التي أكثر العقل الإجرامي للديكتاتور حافظ الأسد ووريثه بشار منها.

أمنه سوره كه مجمعٌ للمخابرات العراقية في عهد الطاغية المقبور صدام حسين, يحتل مساحة من الأرض واسعة في قلب مدينة السليمانية, ويشتمل على مكاتب لضباط المخابرات ومعتقلات وغرف للتعذيب, وقد حوله حزب الاتحاد الوطني الكردستاني بعد تحرير المدينة خلال الانتفاضة الكردية في 1991 إلى متحف لحقوق الإنسان, حيث تم الإبقاء على المعتقل الذي يضم غرفاً للتعذيب وغرف سجن انفرادية وغرف سجن جماعية كما كان, لكن مع وضع مجسمات ذات دلالة فيها, أما الأقسام الأخرى من المجمع الأمني فقد تم تحويلها إلى معارض أرشيفية تأريخية لصور جينوسايد حلبجة والأنفال والهجرة المليونية الكردية في 1991, وفي المجمع المحال إلى متحف الآن مقهى انترنت, وبداخل المجمع لكن خارج أبنيته بعض الدبابات والمدفعية والشاحنات العسكرية لجيش النظام القمعي العراقي التي أصابها البيشمركه بالعطب أوالتي غنموها, إضافة إلى أن غالبية الأبنية في المجمع لا تزال تحتفظ بآثار رصاص وقذائف الـ آر ب ج للبيشمركه الكردية.

من التجول بين أقسام المجمع المخابراتي السابق تصل إلى قناعة أكيدة بأن دورة الحياة كانت تتوقف بداخله, سيما إذا ما أخبرك شخص من السكان المحليين هناك بأنهم وهم بداخل حافلة مارة على مقربة من المكان ترتعد فرائسهم كانت ويعشش الخوف فيهم.

مخيفة بلدان هذه المنطقة البائسة من العالم, ومخيفة أكثر رموزه الدالة على سطوة عمياء لسلطاتٍ لوياثانات.

حين دخلت أمنه سوره كه في شهر يونيو المنصرم, رحلت نفسياً وروحياً إلى معتقلات الأمن السوري التي عانيت الأمرين في العديد منها, يتصاعد الأدرينالين بداخلك, يلتبس الزمان والمكان عليك, تريد التأكد من التاريخ, وأنك حر طليق, وأن المكان متحف لا معتقل, تريد أن تحدث الزائرين من أمثالك أنك قضيت شطراً من عمرك في معتقلات مشابهة, وأنت تتجول بحرية في المكان وتلتقط الصور تتأكد من كونك زائراً عابراً, لكنك بمجرد خروجك من المعتقل / المتحف واستنشاقك هواء الخارج تتذكر خروجك من كل معتقل في سوريا.

في أمنه سوره كه بكردستان العراق, تذكرت كل الغرف الانفرادية والجماعية لمعتقلات النظام السوري, إذ يتشابه النظامان بشكل مطلق في هذا السياق, وأكاد أجزم أن كل معتقلات بلدان المنطقة مشابهة لمعتقلات النظامين العراقي البائد والسوري الذي على عتبات أن يصبح بائداً.

في أمنه سوره كه ترحل الروح والذاكرة معها إلى المعتقلات السورية : البطانيات العسكرية نفسها التي كانت تسلم للمعتقل, والأبواب الحديدية نفسها برتاجاتها المعدنية القاسية, وكوّات الأبواب نفسها, والكتابات والخطوط على جدران الغرف الانفرادية هي نفسها حيث أسماء ورسوم بدائية وتقويمات بدائية كالتي كانت للإنسان البدائي, ومما لا شك فيه أن معاناة المعتقلين كانت نفسها.

في أمنه سوره كه تتذكر ماضيك وماضي النشطاء السوريين المرعب, حيث كل استدعاء أمني إلى فرع أو مركز مخابراتي كان أشبه بفيلم رعب هيتشكوكي أو أدهى, أو أنه في أحسن الأحوال كان يشبه إلى حد بعيد الحدث الأول في رواية ( المحاكمة ) لفرانز كافكا, وكل استدعاء أمني كان يحيلك إلى أحد الاحتمالين : إما البقاء في عهدتهم طي الاعتقال, أو العودة إلى المنزل مجدداً ولكن مع تلفٍ شبه كامل للدورة الدموية.

رحل نظام الطاغية صدام حسين وتحول مجمعه الأمني ( أمنه سوره كه ) إلى متحف لحقوق الإنسان لتذكير الأجيال الكردية بالسطوة المخابراتية لنظام دموي, ومن المؤكد أن نظام الطاغية بشار الأسد سيرحل إلى أقرب حاوية قمامة كختام طبيعي لثورة الكرامة السورية, ويترتب على السوريين الذين عانوا طيلة أربعة عقود أو أكثر من تعسف هذا النظام وتغوّل أجهزته الأمنية وانتهاكاتها واسعة النطاق أن يقطعوا جسورهم مع الحقبة الأمنية البعثية الأسدية, والتدشين لحقبة سورية مغايرة عنوانها العريض : تحويل تلكم المعتقلات إلى متاحف لحقوق الإنسان, محفزة للسوريين ورادعة لهم من الانزلاق مجدداً إلى عهد استبدادي مخابراتي يخثر عقارب الساعة السورية.

الأنظمة ورموزها إلى الزوال والبقاء للشعوب. هذا ما تأكدت منه حين غادرت أمنه سوره كه في السليمانية بكردستان العراق.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مفوض الأونروا: إسرائيل رفضت دخولي لغزة للمرة الثانية خلال أس


.. أخبار الساعة | غضب واحتجاجات في تونس بسبب تدفق المهاجرين على




.. الوضع الا?نساني في رفح.. مخاوف متجددة ولا آمل في الحل


.. غزة.. ماذا بعد؟| القادة العسكريون يراكمون الضغوط على نتنياهو




.. احتجاجات متنافسة في الجامعات الأميركية..طلاب مؤيدون لفلسطين