الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مصر ليست هبة الرئيس

محمد حماد

2005 / 3 / 16
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان


مصر ليست هبة الرئيس، مصر هبة نفسها وشعبها، وليس لأحد فضل عليها، وفضلها على الجميع، الرؤساء قبل المواطنين، ومشكلة مصر الحقيقية حكامها، والحل أن نخرجها من جعبة الحاكم، أن نحررها من الرؤساء لمدى الحياة، بأن يعود الحاكم إلى صفوف البشر، لا أن يبقى في مصاف الآلهة !
إخراج مصر من جعبة الحاكم يعنى أن تحدد هي بنفسها مدة حكمه، لا أن يمد الحاكم لنفسه إلى ما لا نهاية، ويفتح المجال لأن يرثه أبناؤه في حكمها سواء بالاستفتاء أو بالانتخاب المقيد!.
إخراج مصر من جعبة الحاكم مهمة أهل الدستور من فقهاء وقانونيين ومثقفين يعكفون على تنقيته من صلاحيات تجعل الحاكم ربا للعباد والبلاد، وتجعل منه الآمر الناهي صاحب الحل والعقد، المتصرف في شئون البلاد بدون حسيب أو رقيب!
مصر تتطلع إلى عصر ينتهي فيه الكلام عن أن الرئيس يعرف مصلحة البلد أكثر من غيره، فالشعب أدرى بمصالحه من أي فرد فيه كبر أم صغر، وإجماع أهل مصر الآن على دستور جديد بدلا من تلك الخرقة البالية المسماة زوراً بالدستور! الناس يطالبون قبل تعديل مادة في الدستور تلغى الاستفتاء وتضع بدلا منه الانتخاب المقيد، يطالبون بتعديل النظرة إلى موقع الرئيس..
بدون تقليص سلطات رئيس الجمهورية ستبقى مصر رهينة فى يد الرئيس ، ولو ورثها لأنجاله سيجد من يصفق لقراره التاريخي!
والدستور الحالي جرى اختراقه على أكثر من صعيد، وجرى إدخال تعديلات أرادها الحاكم إلى نصوصه، وكبرت مساحة الترقيع فيه حتى أصبح دستوراً لا يصلح للاستخدام الآدمي؟
ما يدفعنا إلى تعديل الدستور أن النظام السياسي في مصر مهدد بالتحول القسرى إلى نظام وراثي، يعتمد حكم "العائلة" في الواقع، رغم نصوص الدستور التي جعلت الرئيس يحلف بأغلظ الأيمان على أن يحافظ مخلصا على النظام الجمهوري!
نحن لا نطالب بدستور يتحول إلى نصوص على الورق لا قيمة لها ولا وزن أمام رغبات الحاكم وأهوائه، ولكننا نريد دستوراً يحكم الحاكم لا أن يتحكم فيه الحاكم ويغيره متى شاء ولا يغيره إذا أراد.
لابد أن نغير هذا الدستور حتى لا يصبح شرط الاستمرار فى منصب الرئاسة مجرد أن يبقى الرئيس على قيد الحياة.
لابد أن نعيد النظر في هذا الدستور لنمنح أنفسنا دستورا يعامل الرئيس بوصفه واحداً من البشر يصيب ويخطيء، لا دستورا يجعل من الرئيس صاحب القرارات التاريخية، ومصدر التوجيهات الحكيمة لمرؤوسيه في أشياء تخصصوا فيها، ولا يعرفها السيد الرئيس ولا يعرف عنها إلا ما تعرفه خالتي صفية، ومع ذلك يقف الواحد منهم وبلاهة الأطفال في كلماته يقول إنه فعل كذا بناء على تعليمات السيد الرئيس!
نريد دستورا يعيد الاختصاص إلى الشعب الجدير دون غيره بأن يكون وحده، ولا أحد غيره الذي يختار رئيسه بنفسه، وبدون أية واسطة، ومن بين أكثر من مرشح وعن طريق الاختيار الحر المباشر، دون قيود أو عوائق، أمام أى كفاءة وطنية لخوض معركة الانتخابات الرئاسية!.
نريد دستوراً لا تكون كل قيمته نصاً مهجوراً عن أن الإسلام هو دين الدولة وأن الشريعة هى المصدر الرئيسي للتشريع، وتحت هذا النص تجرى عملية استخدام الدين لترسيخ واقع الاستبداد والانفراد بالحكم والانتقال من نظام رئاسي مستبد إلى نظام عائلي وراثي أكثر استبداداً، وأشد تخلفاً!
نريد دستوراً ينقلنا من نظام رئاسي استبدادي إلى نظام ديمقراطي برلماني تتوازن فيه السلطات الحاكمة، ويتحول فيه المركز الرئيسي فى النظام من فرد إلى مجموعة مؤسسات لها من الصلاحيات ما لا تفتئت به على الأخرى، ولا تنقص دورها ولا تصادره.
البند الأول في هذا الإصلاح الدستوري الشامل ليس تعديلاً محدوداً يخص طريقة انتخاب الرئيس، بل يكون تعديلاً للنظام السياسي الحاكم برمته، وتحويله ـ عبر نصوص دستورية ـ من نظام استبدادي شمولي إلى نظام برلماني دستوري، تتوازن فيه السلطات الحاكمة مع سلطة المجتمع الممثلة في هيئاته المدنية ونقاباته وجمعياته الأهلية، ويعود التوازن بين السلطات الحاكمة نفسها، فلا تجور سلطة على أخرى، ولا تبقى كل السلطات الحقيقية في يد شخص أياً كان، وأياً كانت الظروف!
مصر ليست بالسذاجة التي يصورونها عليها، وهى لا تفرح ولا تطلق الزغاريد من أجل تعديل مادة في الدستور، مصر لا تفرح إلا حين تنتخب لجنة تأسيسية لإعداد دستور جديد لا يدخلها في حريم السلطان!
مصر يمكن أن تقبل مد الفترة الرئاسية الحالية شهورا إضافية حتى يتم الانتهاء من التعديل الشامل للدستور، وللعلم الدستور الحالي لا يمنع ذلك..
نريد دستورا لا يجعل مصر هبة الرئيس، ويجعلها فوق كل الرؤوس، ساعتها تصبح مصر حقا هبة المصريين.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. النزوح السوري في لبنان.. تشكيك بهدف المساعدات الأوروبية| #ال


.. روسيا تواصل تقدمها على عدة جبهات.. فما سر هذا التراجع الكبير




.. عملية اجتياح رفح.. بين محادثات التهدئة في القاهرة وإصرار نتن


.. التهدئة في غزة.. هل بات الاتفاق وشيكا؟ | #غرفة_الأخبار




.. فايز الدويري: ضربات المقاومة ستجبر قوات الاحتلال على الخروج