الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الاعلام ودوره في اللحظة الراهنة

عباس الجمعة

2012 / 12 / 13
مواضيع وابحاث سياسية



لم يعد خافياً على أحد اليوم، مدى تعاظم تأثير الإعلام على الناس في كافة ميادين وشؤون الحياة حتى قيل، وهو قول صحيح، إن تأثير الإعلام بات أقوى من أية ترسانة عسكرية تمتلكها أية دولة في العالم، لما للإعلام من أثر بارز وتوجيه واضح ونفوذ واسع على طراز العيش لدى شعب من الشعوب أو أمة من الأمم.
لا يختلف أحد على أن الإعلام انه يشكل حاجة مجتمعية لا غنى عنها فى عالم اليوم ، وأن تلبية هذه الحاجة على النحو الأمثل يضع الإعلاميين فى مصاف قادة الرأى والفكر الذين يحملون مشاعل التنوير والمعرفة ، ويسهمون فى تمهيد طريق التنمية والتقدم لأوطانهم ، غير أن الوظائف والأدوار التى يلعبها الإعلام تتفاوت وتتمايز بحسب درجة التطور التى حققتها المجتمعات المختلفة ، وتبعا لنوع التحديات التى تواجه مسيرتها نحو المستقبل ، فهموم وشواغل المجتمعات المتقدمة تختلف عنها فى المجتمعات الأقل تقدما واستقرارا ، وإن ظل القاسم المشترك بين كل التوجهات والسياسات الإعلامية هو تلبية حق الانسان فى الإتصال والمعلومات والتعبير الحر عن الرأى ، وتمكين الرأى العام من ممارسة الرقابة الشعبية على أداء مؤسسات الدولة والمجتمع
وهنا لا بد من القول بأن مجتمعاتنا العربية عانت ـ ولا تزال ـ من تخلف وقصور أنظمة الإعلام السائدة عن تلبية هذه الحقوق جميعا ، ذلك أنها نشأت ونمت فى حِجر الدولة العربية الإستبدادية المتعالية على المجتمع ، وتولت العهود والحكومات المتعاقبة مهمة تطويع الإعلام لتحقيق أغراضها ومآربها الخاصة دون اعتبار للمصلحة العامة ، وفُرض على الأغلبية العظمى من الإعلاميين تكريس جل طاقتهم فى تشغيل ماكينة الدعاية والتعبئة والتعتيم على الحقائق وتزييف الوعى بالواقع ، وكانت النتيجة المحققة من وراء ذلك هى افتقاد النظام الإعلامى العربى عامة لمقومات الإستقلال والحرية على السواء ، وعجزه عن النهوض بواجباته الحقيقية ، وحرمان المواطن العربى من حقه فى إعلام يحترم عقله ، حتى فى زمن السماوات المفتوحة وثورة الإتصالات والمعلومات.
ومع ذلك فمن الإنصاف للحقيقة أن نقرر أن هذا الزمن وما يجري اليوم من تعميم للفوضى الخلاقة في المنطقة قد لعبا دورا هاما وحاسما فى زعزعة أركان النظام الإعلامى العربى ، وتجلى ذلك بوضوح في اكثر من بلد تفجرت فيها عوامل الحراك السياسى والإحتقان الإجتماعى منذ مطلع ذلك العقد ، وخاصة ان توظيف أدوات ما صار يعرف بالإعلام الجديد فى التمرد على ثوابت الإعلام الرسمى ، وتحرير قطاعات واسعة من الجمهور من سطوته . ومن غير المبالغة فى هذا السياق القول بأن التضافر الفريد الذى نشأ بين وسائط الإعلام التقليدية الأكثر حرية ، وبين أقنية الإعلام الأحدث التى عجز النظام الإعلامى العربى عن احتوائها ، قد لعب الدور الأهم فى تهيئة أجيال لبلورة توجهاتها السياسية والمجتمعية ، وهنا يمكن التأكيد على أنه إذا كان القهر السياسى والإجتماعى لأنظمة الإستبداد والإستغلال هو المفجّر لثورات الشعوب ، فإن الإعلام الحر والمستقل هو الذى يهيىء ويعجّل بإنجازها
وامام ذلك يستطيع المدقق لجدلية الثورة والإعلام أن يلحظ ذلك الإرتباط المتبادل بين مقومات الثورة وحالة الإعلام فى شروط مكانية وزمانية محددة ؛ فالثورات كتجسيد مباشر لإرادة الشعوب لا يمكن تصورها فى غياب نظام اتصالى ومعرفى قادر على حشد قوى الثورة وتنظيمها فى اتجاه الهدف ، وفى الظروف التى تهيمن فيها الأنظمة الحاكمة على الآلة الإعلامية لا يجد الشعب وقواه الديمقراطية سوى اعلام الثورة المضادة لإحداث ثغرات فى النظام الإعلامى القائم واحتلال مساحات مؤثرة ،وتؤكد شواهد الربيع العربى أن قوى التغيير فى الواقع العربى مضت ـ ولا تزال في مواجهة ذلك من خلال مواقع التواصل الاجتماعي وبعض القنوات والصحف ، وهو الأمر الذى يفسر المكانة البارزة التى تحتلها شعارات حرية الصحافة والإعلام ضمن مطالب الحراك الثورى والإصلاحى فى عموم الوطن العربى ، وحرص القوى والحركات السياسية على استثمار معطيات ثورة المعلومات وتكنولوجيا الإتصال على المستوى الكونى .
ان الحديث عن الديموقراطية في العالم العربي يوجب علينا أن نعترف أن الصحافة ليست هي العنوان الصحيح للديموقراطية في الوطن العربي وفي حالات معينة يقدم تكاثر الصحف، واختلاف تلاوينها السياسية صورة مغلوطة عن الوضع القائم لا تعكس صورة الديموقراطية بأي حال، بل هي فوضى إعلامية مقصودة .
هنا لا بد من التوقف أمام ظاهرة أثرياء الصفقات وأغنياء الحروب الذين جنوا الثروات الحرام من دماء مواطنيهم أو من أرزاقهم ومن اختلاس المال العام بالتواطؤ مع الحكم، كما في معظم البلاد العربية، والذين انشأوا فضائيات التحريض
وهكذا تكاملت فصول الدراما ولعل مكمن الخطورة فيما يسمى بالإعلام الطائفي إثارته النعرات والاضطرابات والخلافات بطريقة مهينة عالية المستوى وإن كانت بشكل غير مباشر إلا أن تداعياتها السلبية تبدو مؤكدة ولاسيما إذا وضعنا في الاعتبار تحول هذا الإعلام إلى شبكة عنكبوتية؛ فهو ممثل على الأقمار الصناعية لا هم لها ليلا ونهارًا إلا التبشير بمذهب طائفتها وإهانة عقائد الآخرين والعمل على تمكين الولاء للطائفة من التغلب على الولاء للوطن، وهو أمر لم ينطل على المشاهد العربي المدرك بقوة لحجم الجرائم التي ارتكبتها هذه الدول في حق الشعوب العربية، فمثلاً هذه القنوات لدى تعاطيها مع القضية الفلسطينية لم تستطع تبني وجهة نظر موضوعية بل اكتفت برؤية خجولة لا تقوى على انتقاد الجانب الإسرائيلي وفي نفس الوقت لا تجرؤ على الإقرار بالحق الفلسطيني، بل إنها لم تقترب من مشكلات وقضايا مهمة مثل تصاعد الفساد أو تراجع المؤسسات التعليمية والثقافية في المنطقة واكتفت بمعالجة هذه القضايا بشكل موسمي مما أفقدها ثقة المشاهد العربي الذي لم يعد يكترث بها.
ان السؤال الاستراتيجي الذي يطرح نفسه لماذا في هذه الاوقات يتجه الغرب بقيادة امريكا الى دعم صعود التيارات الاسلاموية ،وعلى خطً مواز تعمل على بلورة تفتيت المنطقة الى كانتونات طائفية ومذهبية ، وأية أجندات يراد تحقيقها،وعند وضع المشاهد والصور والسيناريوهات بجوار بعضها البعض تتاح للقارىء فكرة عن مؤامرة رسم الشرق الاوسط الجديد ، اظن ان اللعب على وتر الطائفية والكذهبية لن يتوقف ، بل سنرى تصاعدا واضحا لاشكالية يمكن ان تمثل دقْ اسفين خطير في الجسد العربي المهترىء ، ولهذا فان قضية فلسطين ستكون الغائب عن حضور الفعل الشعبي العربي .
ولهذا نرى ان وسائل الإعلام يجب ان تلعب دور بارز وقوي في اتجاه دعم القضية الفلسطينية والعمل من اجل انهاء الانقسام الذي شكل صراعا قويا للسيطرة على وسائل الإعلام، واحتكار المعلومات والأدوات، وقمع حرية التعبير، وضبطها تحت سقف خطاب الأطراف السياسية كل في موقعه الجغرافي.
ان تكريس وسائل الإعلام جهدها لمتابعة الهموم الوطنية العامة التي تتصل بالحقوق الفلسطينية، وما تتعرض له الارض الفلسطينية من استيطان وتهويد القدس وكذلك الأسرى والحصار المفروض على الشعب الفلسطيني، يتطلب دعم صمود الحركة الوطنية الفلسطينية واهدافها والحقوق الوطنية ، في ظل تسارع المخططات الاحتلالية.
فالإعلام الناجح هو الذي يعبر عن آمال وتطلعات الشعب ويستطيع أن يخلق علاقة تفاعلية إذا وظف أدواته المتنوعة لخدمة مصالح الشعوب ووجه اهتماماته نحو القضية المركزية للامة العربية فلسطين بعينها وسلط الضوء على حقوق الإنسان داخل فلسطين، بذلك يسهم الإعلام في عملية التغيير .
ختاما : لا بد من القول ان المجتمع الفلسطيني بنخبه الثقافية والسياسية والاجتماعية والحقوقية والاكاديمية، ينتظر عمل اعلامي وحدوي ، شرط ان تتوفر لها عوامل الثبات والتطور والاستمرار.
كاتب سياسي








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مساع للتوصل إلى توافق في قمة سويسرا بشأن أوكرانيا للضغط على


.. قائد قوات الدعم السريع: بذلنا كل ما في وسعنا للتوصل إلى حل س




.. الناخب الأميركي على موعد مع مناظرتين جديدتين بين بايدن وترام


.. خلافات في إسرائيل إثر إعلان الجيش -هدنة تكتيكية- في بعض مناط




.. إذاعة الجيش الإسرائيلي: غالانت لم يعرف مسبقا بالهدنة التكتيك