الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


فى استراتيجية الثورة: الفرصة والفرصة المضادة

حاتم الجوهرى
(Hatem Elgoharey)

2012 / 12 / 15
الثورات والانتفاضات الجماهيرية


يخطا قصار النفس كثيرا حين يسرعون للسخط وإعلان الهزيمة، ويخطأ فى التفسير كذلك العديد من المثقفين والنخبة، حينما يعتقدون أن هناك معركة –أيا كانت- سوف تقضى على إرادة الثوار، وتُوقع على الأرض حملهم، وتسكب ما فى صدورهم من آمال للمستقبل. الثوار يتصارعون مع المستبد وطغمته على لحظة؛ يكسب فيها أيا منهما تأييد عموم الناس (كما ذكرت فى كتابى: المصريون بين التكيف والثورة، بحثا عن نظرية للثورة)، يخطأ من يعتقد أن الثوار سوف يستسلمون للهزيمة، ويسلمون مفتاح البلاد للاستبداد مرة أخرى، نعترف بذكاء وقدرة المستبد –هذه المرة- وخبراته السياسية المتراكمة، لكنه يخطأ استراتيجيا حينما يعتقد أن الثورة هى الفرصة التاريخية لتمكين شعاراته السياسية القديمة، يخطأ حينما يعتقد أنه سوف ينتصر على الثوار.
كانت الثورة تجمعا لنخبة وقفت تتحدى الموت فى ميادين مصر، نخبة دفعت الدماء ثمنا للمسار السياسي المشوه، هناك موجة ثورية قادمة -لا محالة- طالما ظل المسار السياسي هدفه الانتصار لفصيل بعينه، قد ينجح الاستبداد – أيا كان من يلبس عباءته – فى تأجيلها قليلا، لكن الثوار بالمرصاد يترقبون. يعتمد الصراع فى تطور المسار السياسي للثورة على استراتيجية: "الفرصة" و"الفرصة المضادة"، قد يجد الاستبداد "فرصة مضادة" لتمكين نفسه وتقييد الثوار؛ لكن الحتمي أن الثوار سينتظرون "الفرصة " لتفكيك الاستبداد، وتمكين الثورة والحرية ومنظومة "القيم الإنسانية الأعلى" (كما أسميتها فى كتابى).
تنتمي طليعة ونخبة الثورة المصرية لجيل الحركة الطلابية التى خرجت دعما للانتفاضة الفلسطينية عام 2000م، سمات هذه الحركة الطلابية تختلف سياسيا وفكريا وتنظيميا عن الحركة الطلابية فى السبعينيات، أهم سماتها السياسية أنها غير منظمة وغير متحزبة وتحركت وأنتجت طليعتها وكوادرها بالتجربة والتعلم من الخطأ، وعلى المستوى الفكري لا ترتبط هذه النخبة بمنطق الأيديولوجيات التاريخية بقدر ارتباطها بأهداف عامة جعلتها تطور خطابا خاصا بها، وعلى المستوى التنظيمي تجاوزت هذه النخبة الأطر التنظيمية الكلاسيكية للأحزاب المصرية؛ وأنتجت حركاتها الاجتماعية الخاصة خلال العقد المنصرم، والتى كانت هى الرأس والطليعة لثورة 25 يناير.
خلاصة ما أريد قوله: إن "الفرصة المضادة" حاليا انتهزها الاستبداد -الذى ارتدى عباءة جديدة- لتمكين أقدامه، ولكنها مجرد فصل من حرب طويلة سينتصر فيها الثوار عاجلا أو آجلا، وسوف يتحين الثوار "الفرصة" لتحجيم الاستبداد، مهما طال الوقت ومهما كسب من أراضٍ. كل ما يقوم به الاستبداد هو تدريب الثوار على مرحلة العمل السياسي! حذرت وأحذر كثيرا من اللحظة التى يكتسب فيها الثوار اليقين السياسي (بمعنى الفهم الواضح للمشهد العام واختبار ومعرفة حقيقة كل أطرافه بوضوح تام)، حينها سوف يتطور الحراك الثوري بشكل متزامن ومنظم لا يتوقعه أحد.
ويبقى السؤال النمطي، هل من حل! نعم، أن يتخلى الفصيل السياسي القابع فى السلطة عن مفهومه الاستراتيجي للمرحلة الانتقالية السياسية الحالية -التى تلت الثورة- لتهدف استكمال التطهير وبناء دولة المؤسسات وتحقيق العدالة الاجتماعية وتساوى الفرص وإعمال مبدأ الثواب والعقاب وتطوير الجهاز الإداري للدولة، لا بناء دولة الشعارات السياسية التى تنتصر لفصيل بعينه، ولكن ذلك لا ينطبق على أي فصيل سياسي –بطبيعة الحال صراحة- ! سواء كان قوميا أو اشتراكيا أو فرقة دينية، كل فصيل سياسي سوف يتحرك –بطبيعته- فى اتجاه الانتصار لأيديولوجيته التاريخية! إذن ما هو المفترض أن يكون؟ كان المفترض أن تنتج الثورة نخبتها التاريخية التى ترتبط بـ"القيم الإنسانية الأعلى" لا بشكل وتيار سياسى بعينه، وتضطلع هذه النخبة بحمل مسئولية المرحلة الانتقالية، وعبور مصر للمستقبل، لكن المجلس العسكري نجح فى تفكيك التنظيمات الشبابية، وتشويهها نتيجة لضعف خبرة الشباب السياسية.
لكن – وضع تحتها ألف خط- مازالت هذه النخبة الثورية موجودة، تعرض بعضها للاعتقال والإصابة وقهر ظروف الواقع، لكنها مخلصة لظرفها التاريخى ومبادئها الثورية، وسوف تتحين "الفرصة" للعودة من جديد، لكن هذه المرة –فى تصوري- سوف تكون أكثر يقينا وخبرة وحسما، من يعتقد أن طول الوقت ليس فى صالح الثوار، لا ينظر للواقع وظروفه جيدا؛ باستمرار تزيد مساحة المنضمين للحراك الثورى، وتزيد مساحة الوعى زيادة متباينة؛ ترتبط بالخبرات المتراكمة لكل فرد. فأقول لمن ارتدوا عباءة الاستبداد: تعلمنا من التاريخ أن لكل شئ طبيعة، ومن طبائع الاستبداد التكبر والصلف حتى اللحظة الأخيرة، والتشدد وربط الذات بالقيم، حينها تتحول القيم لأداة ممسوخة وقميئة فى يد الطغاة.
فصبرا أيها الاستبداد، بيننا وبينك "فرصة"، تركبها مرة وربما مرات، لكن المرة الأخيرة نعدك سوف تكون فى صالح جواد الثورة، فى صالح مصر ومهما حولت "الفرصة" لـ"مضادة"، نحن هنا، ما الثورة عندنا إلا كما تعلمناها من الإخوة الفلسطينيين – أقصد المواطن العادي-؛ طريقة للحياة نعمل يوما ونثور يوما، نضحك ونأكل ونشرب ونعمل، ما لا تفهمونه فى هذا الجيل: أنه تعاطى مع الثورة كنمط حياة، والأهم كـ"قيمة أعلى" لن تأخذوها منه، مهما انتهزتم من "فرص مضادة"، فإلى "فرصة" ومعركة قادمة، يكون اللقاء.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الانتخابات التشريعية الفرنسية.. -ليلة تاريخية- لمناصري حزب ا


.. صور من تجمع لحشود ضد اليمين المتطرف في ساحة الجمهورية بباريس




.. لماذا تصدر حزب التجمع الوطني نتائج الدورة الأولى من الانتخاب


.. ماذا بعد أن تصدر اليمين المتطرف نتائج الانتخابات المبكرة في




.. -نتيجة تاريخية-.. اليمين المتطرف يتصدر الجولة الأولى من الان