الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الصعلكة ، الحلقة الأخيرة / قراءة نقدية في أهم الدراسات التي عُنيت بتطور مفهوم الصعلكة في الشعر القديم

أيوب بن حكيم

2012 / 12 / 15
الادب والفن


ننتقل الآن إلى دراسة الناقد "يوسف خليف" الرائدة الموسومة بـ"الشعراء الصعاليك في العصر الجاهلي" ففي اِنطباع أول اتجاه العنوان بيلوح لنا أن الرجل لا يعنى بالشعر بقدر ما يعنى بالزمن،فلفظة "عصر" كان اولى أن تكون عوضها لفظة" شعر"،ولا يتراجع عجبنا إلا إذا اِكتهنا الخلفية المنهجية التي ينطلق منها "خليف" .
يرى خليف أن الشعراء الصعاليك نتاجٌ اِجتماعي اِقتصادي جغرافي،وشعرهم يوحي عؤلل وجوده مما لا نخوض فيه،والذي سنخوض فيه هو أن خليفا في دراسته كان مؤسسا و اِنطلق من فكرة مفادها أنه للوصول إلى شعر الصعاليك و اِكتناهه علينا الإحاطة بما جعل من صعاليك، بمعنى أن أخبار الفتاك و سيرهم في مقابل أخبار القبائل و نظامها الاِجتماعي تشكل بؤرة مركزية لفهم الإبداع الصعلكي،ويأتي بهذه الأخبار من "الأغاني" و "معجم البلدان" و "أمالي القالي" و "خزانة الأدب" ..إلخ،ليصل إلى النتيجة التي أراد الوصول إليها مسبقا، وهي أن عوامل ظهور الصعلكة هي نفسها التي أسست للبنية الفنية لشعر الصعاليك،فهو شعر واقعي ممعنٌ في الإنسانية و الإنفراد و التوحش و الخيبة و المراراة ، يقول الشنفرى في لامية العرب [الطويل ]:
وفي الأرض منأى للكريم عن الأذى [..] و فيها لمن خاف القلى متعزلُ
وتبدو آليات هذه الدراسة الرائدة حين لا يسائل خليف الأخبار العجيبة و الأساطير المتواشجة مع أخبار الصعاليك و أشعار الفتاك،صحيح أنه عمد إلى خرافات العَدْو عند هؤلاء الفتاك، و طرائق موتهم [الشنفرى مثالا ] وقد رآها عجيبة غريبة،لكنه لم يحفل بما جعلها كذلك،و إنما أوردها ليثق بها المتلقي،فكثرة الأخبار جعلت من دراسة خليف دراسة مؤسسة موثقة اكاديمية علمية،فقد توسل بـ 68 مصدرا قديما ليوهمنا أن بشرعية الأحكام،كما أن تصوره العام لشعر الصعاليك لم يأت به من عندياته،فلا يخفي إعجابه بآراء المستشرقين في هذا الصدد،خصوصا "أدم ميتز" و نحن نعذر خليفا على وضع حافره على حافر المستشرقين في بعض الأحكام لكون مجال الصعلكة أنذاك لم يكن قد دخل مرحلة النضج منهجيا و مفاهيميا .
منهج خليف منهج واضح يؤمن بحتمية التاريخ في وقت غزت فيه الماركسية العالم،حيث ألف الكتابُ 1959 ؛ أي في اوج المد الفكري التاريخاني الذي يرجع كل ظاهرة إلى ظروف اِجتماعية و عوامل اِقتصادية و سياسية،فالتاريخ صراع،وهذا الصراع يفضي إلى منتصر/مركز،و منهزم/هامش،هذا غير بعيد عن أطروحات العروي و الجابري و غيرهما في أن تاريخ العرب تاريخ البحث عن عيش أفضل .
خليف كان همه الأول تأسيس معرفة بما أوجد شعر الصعاليك،و نصف الكتاب يحتفل بهذا،وحتى عمدما يستغور خليف شعر الصعاليك [7 مختارات شعرية و 4 دواوين]،نراه يرجع كل شيء فيه إلى الأصل الذي اوجده : الصراع الطبقي،ودليله على ذلك ان مفهوم الصعلكة اِختفى عندما جاءت العدالة الاِجتماعية المتمثلة في القيم الإسلامية إبان دولة الراشدين،ولعله فعل ذلك لذليل العقبة امام تلميذه "حسين عطوان" في دراسته اللامعة "الشعراء الصعاليك في العصر الأموي" ، فالعنوان نفسه يحمل مكرا و كيدا ، وبيان ذلك أن "حسين عطوان" يسلم ضمنا أن أستاذه"قال كل شيء" في مجال الصعاليك في العصر الجاهلي،فلم يبق إذن إلا الاِنطلاق لمعالجة الصعلكة في عصر بني أمية،وحينما نلقي نظارة شاملة فاحصة على دراسة "حسين عطوان" نلفيها فيها يضع حافره على حافر أستاذه خليف،فقد بدأ بالعوامل الاقتصادية و الاجتامعية و السياسية التي أفرزت ظاهرة الصعلكة في العصر الأموي ومنتهيا بنماذج لـ"عبيد الله بن الحر" و غيره ، وهو نفس التقسيم الذي قسمه "يوسف خليف" بالضبط.
توسل حسين عطوان بـ 52 مصدرا قديما و على 5 كتب اِستشراق و تقريبا لديه نفس تصور خليف،إلا أن الجدة في دراسته أنه تعرض لاستغوار عصر محفوف بالمزالق و المخاطر،لكنه تكيف مع متغيراته و تطوراته و استطاع أن يحلل عوامل الظهور الصعلكي في عصر الطغيان في ظل اختلافها عن عوامل العصر الجاهلي،حيث أفرد مثلا للجانب السياسي حيزا كبيرا وهذا ما لم يفعله أستاذه.
تمنهجت الدراسة بالمنهج التاريخي الاجتماعيو أغفلت علم النفس الاجتماعي الذي توسل به خليف،وهذا المنهج لا يولي أهمية للحوادث ذاتها بقدر ما يولي أهمية لنمطية وجودها و خلقها : الصراع من أجل العيش الكريم فيخلف ذلك طبقتين : طبقة حاكمة ثرية، وطبقة محكومة ممحوقة مظلومة ومنها خرج الشعراء اللصوص .
ولا بد ها هنا ان نعرج على دراسة "كمال أبو ديب" الموسومة بـ"الرؤى المقنعة" حيث عقد فصلا ممتعا للحديث عن صعاليك العصر الجاهلي فسماه "نص الصعلكة "،إذ أفرد 18 صفحة للكلام عن الجانب البنيوي الفني في شعر الصعاليك الجاهليين،فهو عنده قيمة فنية تمردت على البنية المعهودة،وهو أيضا خلق لثقافة بديلة متفردة منفردة عن الثقافة الأصلية الطاغية النظامية،وحين تعرض للمكان في شعر الصعاليك رأى انهم يرسمونه في اِتجاه المستقبل المأمول لا في اِتجاه الماضي كما كان كل شعراء البنية النظامية مثل إمرئ القيس و الأعضى و زهير ..، حيث يرتد بهم المكان إلى الزمن الماضي بحزنه و انمحائه ، إذ هو زمن المحبوبة و زمن الأحام الضائعة. إن "كمال أبا ديب" ينطلق من النص ليصل إلى النص،مع ذلك يتحدث عن حلم الصعاليك ـ من خلال شعرهم ـ بإققامة ثقافة اللامكز،اللاقبيلة،اللانظام عن طريق الفعل : التوحش و النهب وعن طريق القول : هدم بنية القصيدة العربية، إن شعر الصعاليك بهذا التصور أول محاولة لقلب نظام الحكم و الشعر في التاريخ العربي .
ـ هذه الدراسات :
بالإضافة إلى الاؤختلاف المنهجي الذي تنطلق منه كل دراسة[تاريخية،تفكيكية،بنيوية] إلا أنه هناك مشتركا ظاهرا بينها،وهو اِعتمادها على الأصول مباشرة : دواوين،مختارات،مصادر و معاجم نثرية قديمة ،وبما ان دراسة اليوسفي عندي هي الأساس فسأحاول تقييمها بالموازنة مع غيرها.
تبدو محاولة اليوسفي رائدة في تتبع الاخبار و جس نبضها عجائبيا و أسطوريا ومساءلتها بل تأويلها تأويلا يكشف ما خبأته عن المتلقي للمكر به،بينما نرى دراستي خليف و عطوان أشبه بالتتبع التاريخي الذي يتلمس النظرية في المتن لمجرد تقوية دعوى معينة،أما "ص الصعلكة" عن كمال أبي ديب،فهو نص يستشهد بالنصوص الشعرية بنيويا مما أفقده الكونية و جعله حبيس الشعر و البنية اللغوية .
منهج اليوسفي فتح أمامه الحدود ليمكر بمكر الأخبار و يتأول الأشعر،ولا ادل على ذلك من تأويل قصيدة "مالك بن الريب" الشهيرة التي يعتذر فيها و يتوب إلى الله عن صعلكته،حيث رآها قمة الخضوع لمدينة "العقل"،بينما رآها عطوان قصيدة توبة و ندم ليس إلا .
عيب دراسة اليوسفي أنها تحاملت على دراسيتي خليف و عطوان،فلم تر إليهما،رغم انه ينطلق من مكتسباتهما مثل ان النظام الاجتماعي المتمثل في "الخـَلع" كان علة من علل ظهور الصعلكة.
شروط الصعلوك عند اليوسفي هي نفسها عند عطوان : الخلع،الفقر،الشعر ،ومما يميز دراسة اليوسفي انه توسط بالمسرود العجائبي و بجميع الوسائط الفكرية الممكنة .













التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عام على رحيل مصطفى درويش.. آخر ما قاله الفنان الراحل


.. أفلام رسوم متحركة للأطفال بمخيمات النزوح في قطاع غزة




.. أبطال السرب يشاهدون الفيلم مع أسرهم بعد طرحه فى السينمات


.. تفاعلكم | أغاني وحوار مع الفنانة كنزة مرسلي




.. مرضي الخَمعلي: سباقات الهجن تدعم السياحة الثقافية سواء بشكل