الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لكل قديس نزوة

تميم منصور

2012 / 12 / 15
مواضيع وابحاث سياسية



اذا جاز لنا اعتبار قادة حركات المقاومة الفلسطينية قديسون ، الا ان هذا الافتراض ينافي قوانين أي عمل مهما كان نوعه ، لأنه غالباً ما يتخلل هذا العمل نزوات مقصودة واخطاءاً تشوه العمل الثوري والنضالي . لا احد يستطيع الانكار بأن فصائل المقاومة الفلسطينية وقعت ضحية زلات كثيرة سببت الكثير من العثرات في طريقها ، اضافة الى وقوع نزوات اعتبرها الكثيرون بمثابة منعطفات استراتيجية ادت الى تساؤلات كثيرة ثارت حولها الشكوك .

من حق ابناء شعبنا ان يرصدوا جيداً كل الاحداث والتطورات السياسية لأنه من المستحيل على هذا الشعب ان يتحمل نكبة او نكسة جديدة ،فمسيرة مائة عام من الكفاح والصراع صقلت مواهبه وزادت من بصارته وحدة حواسه وحالت دون قبوله لكل المسلمات من قادته ، لأن امتداد عمر الصراع وتعدد القوى والعناصر التي حكمت فلسطين من تركية وبريطانية واردنية وصهيونية جميعها ساهمت في ميلاد قيادات سياسية وعسكرية متفاوتة في قدراتها ومواقفها وتأثرها من الاحداث .

من لم يصفق ويهلل مع اهالي قطاع غزة المحاصرون عندما استقبلوا خالد مشعل زعيم حركة حماس وقيامه بلثم تراب غزة المرابطة بعد ان منع من ذلك لمدة 45 عاماً ، لا يختلف اثنان بأنه يوجد لغزة خصوصيتها في الكفاح والصمود والتضحيات والعطاء الوطني الثوري ، ومن حق خالد مشعل وكل فلسطيني القدوم اليها متى شاءوا ، لكن هذا لا يمنع من طرح العديد من التساؤلات والتداعيات التي رافقت هذه الزيارة التاريخية ، خاصة وان الكثيرين قد اعتبروها تحدياً لإسرائيل ولأمريكا ، لكن السؤال الذي يطرح نفسه ، لماذا تحملت اسرائيل هذا التحدي من خالد مشعل ومن حركة حماس ولم تتحمل مثله من قائد حركة الجهاد الاسلامي عبد الله شلح الذي اعلن هو الاخر بأنه في طريقه لزيارة غزة ؟

لماذا نعم لخالد مشعل ولا لعبد الله شلح ؟؟ ما هو دور مصر وقطر في التمهيد لهذه الزيارة وازالة العثرات من طريق زعيم حركة حماس ؟ .

لقد اعلنت اسرائيل ممثلة بحكومتها الفاشية على الملأ بأنها ترفض بشكل قاطع دخول زعيم الجهاد قطاع غزة ، وأنها سوف تقوم باستهدافه واستهداف موكبه اذا اصر على القدوم الى القطاع ، وان هذه الخطوة تعني بالنسبة لها انهاء الهدنة التي اعلن عنها بعد العدوان الاخير على قطاع غزة ، هذا يعني بأن حكومة نتنياهو كانت على استعداد لاستئناف القتال والتضحية بانجاز الهدنة نكاية بزعيم حركة الجهاد الاسلامي ، بهذه الصلافة توجهت الى السلطات المصرية ، عندما وجهت اسرائيل لمصر هذا الانذار كانت تعرف بأن دور مصر لا يخرج عن كونه دور الوسيط العاجز الضعيف الذي لا يعرف سوى المسايرة والمساومة ، وكانت تدرك اكثر بأنه اهانة لكرامة وسيادة مصر الراعية لكل الاتصالات والاتفاقيات مع اسرائيل .

لقد اكدت صحيفة يديعوت احرونوت هذا الموقف العدائي المهين لحركة الجهاد الاسلامي وقيادتها و المتهادن مع رئيس حركة حماس خاصة فيما يتعلق بالقدوم ودخول قطاع غزة للزيارة ، اعترفت هذه الصحيفة واسعة الاطلاع في عددها الصادر في مطلع الاسبوع الحالي ، بأنه يوجد علاقة بين زيارة خالد مشعل لقطاع غزة وبين قرارات اتخذتها حكومة نتنياهو ، اكدت الصحيفة المذكورة بأن هذه القرارات كانت جذرية وهامة ، وتعتبر منعطفاً هاماً في سياسة اسرائيل تجاه قطاع غزة وقيادة حركة حماس التي تسيطر على هذا القطاع .

من هذه القرارات تخفيف الحصار الذي تفرضه السلطات الاسرائيلية على قطاع غزة ، وهذا يعتبر تحولاً نوعياً في السياسة الاسرائيلية ، وذكر المحلل العسكري لهذه الصحيفة بأن سبب هذا التحول والتخفيف من اجراءات الحصار تشجيع ودفع حركة حماس الى احضان المعسكر السني الاكثر اعتدالاً الذي يضم كل من مصر تحت قيادة الاخوان المسلمين وقطر وتركيا ، وابعاد حركة حماس عن معسكر ايران وسوريا وحزب الله ، من الاجراءات التي كشفت عنها الصحيفة المذكورة ، السماح لمزارعي القطاع بتصدير انتاجهم من الخضروات والزهور ، والسماح لعمال غزة العمل داخل المستوطنات الاسرائيلية ، وتوسيع مناطق صيد الاسماك الواقعة ضمن مياه غزة الاقليمية ، السماح بإدخال مواد بناء لإعادة اعمار القطاع ، جاءت هذه التسهيلات بعد مفاوضات شارك بها وفد اسرائيلي قام بزيارة القاهرة ، وكانت حركة حماس على علم يهذه المفاوضات .

هذا من جهة ، اما من الجهة الثانية فقد لاحظ المراقبون بأن خالد مشعل وعناصر قيادية اخرى من حركة حماس لم يعترفوا ولم ينوهوا ولو بجملة واحدة الى الدعم الذي قدمته كل من ايران وسوريا من اموال واسلحة وخبرات ودعم معنوي لرجال المقاومة في قطاع غزة ومن ضمنهم حركة حماس . لم يتم الاشارة الى ذلك خلال العدوان الاخير على غزة ولا بعد توقف اطلاق النار ولا خلال زيارة مشعل لمدينة غزة ، ان هذا بحد ذاته يعتبر تقصيراً ومأخذاً كبيراً على حركة حماس وقيادتها ، ونزوة لا يمكن التغاضي عنها ونكراناً للجميل ، هذا الموقف وهذا الجحود يذكرنا بالرئيس السادات الذي ادار ظهره للاتحاد السوفيتي سنة 1972 كجزء من نفاقه لأمريكا وانحرافه عن مسار ثورة يوليو المجيدة ، فقد قام بأخراج العلماء والخبراء السوفييت من مصر ، وتنكر لكل مواقفهم السياسية في نصرة القضايا العربية ، وما قدموه من دعم عسكري واقتصادي ولوجستي لمصر وسوريا خاصة بعد هزيمة سنة 1967 . وقد اشار عبد الناصر الى هذا الدعم اكثر من مرة قائلاً قدم الاتحاد السوفياتي لمصر من الابرة للصاروخ دون ان يطالب بأي ثمن .

امام هذا الجحود من قبل حركة حماس اعلنت قيادة حركة الجهاد الاسلامي اكثر من مرة ان الفضل في صمود المقاومة في قطاع غزة يعود الى الدعم الذي قد مته ايران وسوريا من اسلحة وغيرها رغم الحصار الاسرائيلي المصري الخانق . اذا كان ما نقلته صحيفة يديعوت صحيحاً ، فأن هذا يعني بأن سماح اسرائيل لخالد مشعل بزيارة غزة لم يأت من فراغ ، لأن كل شيء لدى الصهاينة وله ثمن ، اسرائيل تريد من عبد الله شلح رئيس حركة الجهاد الاسلامي ان يحذوا حذو حركة حماس بمعاداة ايران وسوريا ثمناً لزيارته لقطاع غزة .

اذا كان المثل الفرنسي يقول " لكل قديس نزوة " وما لهذه العبارة من معاني وخلفيات فأن انحراف حركة حماس وابتعادها عن محور دول المقاومة يعتبر تجاوزاً لكل النزوات معتمدة على قدسية مواقفها في وجه الاحتلال ، لكن من غير الممكن التستر على هذه النزوات بأغطية قدسية المقاومة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. السيسي يحذر من خطورة عمليات إسرائيل في رفح| #مراسلو_سكاي


.. حزب الله يسقط أكبر وأغلى مسيرة إسرائيلية جنوبي لبنان




.. أمير الكويت يعيّن وليا للعهد


.. وزير الدفاع التركي: لن نسحب قواتنا من شمال سوريا إلا بعد ضما




.. كيف ستتعامل حماس مع المقترح الذي أعلن عنه بايدن في خطابه؟