الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الربيع السياسي السعودي

جورج كتن

2005 / 3 / 17
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في الخليج والجزيرة العربية


الربيع السياسي السعودي الذي بدأ منذ سنتين، لم يستمر طويلاً، إذ انتهى كربيع دمشق باعتقال ثلاثة عشر من رموزه البارزة في 16 آذار من العام الماضي، سرعان ما تم اختصارهم إلى ثلاثة: الدكتور متروك الفالح، والدكتور عبد الله الحامد، والشاعر علي الدميني، الذين رفضوا توقيع تعهد بعدم العودة لأي نشاط سياسي، فحولوا إلى محاكم النظام.
اتهموا بالدعوة لإقامة ملكية دستورية واستخدام مصطلحات "غربية" !! في مطالبتهم لتغيير النظام السياسي، وبإصدار بيانات وعرائض وعقد اجتماعات ومنتديات وإصدار وثائق والعمل للحصول على تواقيع والاتصال بوسائل إعلام خارجية واستغلال ظروف دولية وداخلية، والتشكيك في نزاهة القضاء واستقلاله وبنهج "ولي الأمر" وتأليب الناس عليه والدعوة لتهميشه ولإلغاء طاعته، وإثارة الفتن ومخالفة المبادئ الشرعية، وهي تهم تشابه ما يمكن أن يوجه لهم فيما لو كانت المنظمات الأصولية الإرهابية هي الحاكمة.
كما اعترضوا على مادة تقول أن الملك هو المرجع الأعلى لسلطات البلاد التنفيذية والقضائية والتنظيمية (وهي سلطة لم يسمع بها أحد)، كما برروا الإرهاب و"الدليل" أنهم ذكروا أن 15 سعودياً من أصل 19 نفذوا أحداث 11 أيلول، وهي ذريعة اتخذها الادعاء ضدهم رغم ما تثيره من السخرية !! كذلك أساؤوا لسمعة البلاد بادعائهم أن مبادئ البلاد الشرعية والنظامية غير صالحة لدولة حديثة!! أي أنهم سعوا لزعزعة الأمن والاستقرار والوحدة الوطنية ووحدة البلاد...
الإصلاحيون الثلاثة من المثقفين السعوديين البارزين من أصل مئات الأكاديميين والكتاب الذين وقعوا عرائض منها: "دعوة الإصلاح الدستوري"، "نداء للقيادة والشعب معاً"، "دفاعاً عن الوطن"، "رؤية لحاضر الوطن ومستقبله"،... وهو ما يذكر بالمثقفين السوريين الذي أطلقوا بعرائضهم ربيع دمشق الموءود.
الدكتور الفالح أستاذ العلوم السياسية في جامعة الملك سعود له عشرات الكتب والأبحاث وأهمها كتاب "الإصلاح الدستوري في المملكة السعودية"، والدكتور الحامد أستاذ الأدب العربي في جامعة الإمام وهو باحث إسلامي متنور له العديد من المؤلفات وأهمها "الإسلام وحقوق الإنسان"، أما الشاعر علي الدميني فهو مناضل يساري قديم وله عدة دواوين شعرية، جميعهم فصلوا من وظائفهم ومنعوا من السفر وسجنوا مراراً وخاصة عندما شكلوا مع آخرين في العام 1993 "لجنة الدفاع عن الحقوق الشرعية"، التي قمعت بعد أن أفتى كبار العلماء بأنها غير شرعية، لينقلبوا بعد عشر سنوات عندما أنشأت الدولة "لجنة حقوق الإنسان الوطنية" لاعتبارها حلالاً شرعياً، فالمهم أنها الآن واجهة إعلامية لوزارة الداخلية، بدل أن تكون منظمة أهلية للدفاع عن حقوق المواطنين في مواجهة طغيان السلطة المطلقة.
النظام الذي يرفض الإصلاح اعتبر مطالبتهم بالحريات وحقوق الإنسان والشفافية والمحاسبة والعدالة، ولتمكين الشعب من المشاركة بحرية، وإقامة مؤسسات دستورية وفصل السلطات وتشكيل مجلس شورى منتخب وليس معين، وتشريع عمل الجمعيات الأهلية والنقابات والتجمعات المدنية: بأنها أعمال ضد الوحدة الوطنية. وأن الدعوة للتوزيع العادل للثروة والتصدي للبطالة والفقر ومساواة الأمراء، الذين ليسوا من جنس الملائكة، بأفراد الشعب، وتمكين جميع المذاهب من حقها الطبيعي في ممارسة شعائرها الدينية بحرية: تخريب، رغم أنهم طالبوا بالالتفاف حول القيادة السعودية مع القبول بإصلاح تدريجي، ولم يخرجوا في مطالباتهم عن الأسلوب السلمي، ولم يقبلوا بالتدخلات الخارجية ودعوا لمقاومة أي مس بوحدة البلاد، مع تأكيدهم أن ما يطالبون به لا يخرج عن الشريعة التي تقر أن الأمة صاحبة السيادة والنواب المنتخبين هم أهل الحل والعقد، وولي الأمر ليس معصوماً، بل قابل للمحاسبة والمراقبة. هذه المطالب رأى الإصلاحيون السعوديون أنها تجنب البلاد التدخلات الخارجية والإرهاب والفتن الداخلية التي تشجعها الأوضاع الحالية حيث الاستبداد وقمع الحريات والاستئثار بالثروات.
التهم الموجهة للإصلاحيين السعوديين لا تختلف كثيراً عما اتهم به إصلاحيي ربيع دمشق: "معاداة أهداف الثورة"، "تخريب الوحدة الوطنية"، "التجمعات الممنوعة"، "العمالة للخارج"، "تغيير الدستور بالقوة!"... وربما الاختلاف الوحيد أن إصلاحيي السعودية أرجعوا مطالبهم للشريعة وسعوا لإظهار أنها لا تتناقض مع نصوصها، ورغم ذلك فعندما طالبوا بالانتخابات اتهموا بأنهم أصحاب بدع وضلال، وعندما جرت الانتخابات الأخيرة لنصف البلديات مع تعيين النصف الآخر، وفي ظل منع مشاركة 9 مليون امرأة، سارع موجهو هذه الاتهامات للمشاركة في الترشيح والانتخاب.
والشبه كبير بين المحاكم التي أوقف أمامها الإصلاحيين الثلاثة ومحاكم أمن الدولة التي حاكمت رواد ربيع دمشق، فالقضاء السعودي تابع لولي الأمر ولا يخرج عن أحكامه في القضايا السياسية المقررة سلفاً، وإجراءات المحكمة صورية، فقد حرم الإصلاحيين الثلاثة من تعيين محامين لما لا يقل عن شهرين بعد اعتقالهم، كما طرد محامون من هيئة الدفاع لكونهم من الموقعين على العرائض الإصلاحية مع اعتقال أحدهم. وقدم المتهمون لمحاكمة اقتصرت علنيتها على الجلسة التي وجه فيها الادعاء قائمة اتهاماته، أما الجلسات التالية فقد أصرت هيئة المحكمة على سريتها لكي لا يطلع أحد على دفوع المتهمين التي صودرت نسخها منهم لكي لا تتسرب لوسائل الإعلام، ورفضت إدخال المراقبين الدوليين وممثلي المنظمات الحقوقية والإنسانية ومندوبي الفضائيات ووسائل الإعلام، وأنصار وأهالي المتهمين، ويذكر ذلك بتجمعات أمام محكمة أمن الدولة لأهالي وأصدقاء ومندوبي وسائل إعلام وسفارات.. منعوا من حضور محاكمات المعارضين السوريين.
تبين اتهامات السلطة المطلقة السعودية لمعارضيها وإجراءاتها ضدهم عدم جدية الإصلاحات التي أعلنت أنها ستقوم بها، رضوخاً للضغوط الخارجية، وأنها إذا قبلت بأي إجراء فستبذل كل جهودها لجعله شكلياً، وهو تصرف لن يخرجها من مأزقها الراهن، حيث تخوض معركة أمنية مع المنظمات الإرهابية وترضخ لإملاءات التيار السلفي الظلامي الأكثر قوة في البلاد، بالإضافة للضغوط الخارجية التي تطالبها بالإصلاح السياسي والاقتصادي والاجتماعي والتربوي، لعدم كفاية الإجراءات الأمنية كوسيلة لقطع جذور الإرهاب، فلا تجد في مثل هذا المأزق سوى محاولة إظهار سطوتها من خلال قمع الحركة الإصلاحية. وإذا كان ذلك سيكسبها وقتاً فإنه لن يكون طويلاً.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. طائرة إيرانية تفشل في الهبوط في مطار بيروت بعد مقتل نصر الله


.. كيف يتلقى أطفال غزة التعليم في مصر؟




.. مقتل زعيم حزب الله حسن نصر الله : بطولات و انتكاسات و مصير م


.. من هو حسن نصر الله ؟ • فرانس 24 / FRANCE 24




.. اغتيال نصر الله: نحو مشهد إقليمي جديد؟ • فرانس 24 / FRANCE 2