الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العرب والسياسة

سامي العباس

2005 / 3 / 17
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات


قراءه في كتاب :العرب والسياسه..جذ ر العطل العميق

في كتابه: العرب و السياسة – جذ ر العطل العميق. يغوص محمد جابر الأنصاري , المفكر البحراني في تاريخ المنطقة العربية على طريقة المنقبين عن الذهب , بحفرياتهم وراء المعدن النفيس , مخترقين طبقات متنوعة تمارس إخفاء العروق الثمينة عن أيدي تكتفي بتلقط ما هو على السطح .
أول ما يلتقطه الأنصاري هذه الملاحظة المهمة : إن طوفاناً بحجم الظاهرة الإسلامية لم يستطع أن ينظف الأرض على نحو حاسم ونهائي لنشوء الدولة المستمرة في المكان – الزمان , و التي تشكل الحاضنة التاريخية لظهور المجتمع السياسي .
ما هي التضاريس التي حافظت على نفسها في وجه عوامل(( الحت و التسوية)) التي أطلقتها العاصفة الإسلامية في الحوض الحضاري الممتد من أفريقيا الشمالية إلى الأجزاء الغربية و الوسطى من آسيا الموسمية ؟ .
يقبض الأنصاري في مجرى حفرياته على هذه الثنائية الجدلية المستمرة على مدار التاريخ البشري بين : الحواضر و البوادي المحيطة بها .: أي بين نمطي عيش توزع عليهما سكان المنطقة :
_ نمط العيش الزراعي نمط العيش الرعوي
فالقبيلة- كنظام اجتماعي - سياسي لبس على نحو تاريخي نمط الإقتصاد الرعوي المتطور عن اقتصاد الصيد -
ظلت العصبية ذات الشوكة التي تتصدى بكفاءة لكل المحاولات المتكررة لبناء الدولة – المدينة في الحواضر الزراعية – التجارية المبعثرة على حواف بوادي مترامية الأطراف.
لقد نشأت الأمبراطوريات الكبرى ( كاتحاد مرن للقبائل) , كما يلاحظ بدقة محمد جابر الأنصاري .
إلا أن تقلّب موازين القوى بين التجمعات الرعوية المولدة لإمبراطورية ما , وبين الاجتياحات الرعوية القادمة من خارج الإتحادات القبلية كان ينسف معظم ما راكمه التحضر من منجزات , و يعيد الأمور إلى جوار نقطة البدء.
ذلك أن الدولة – الرحم المولدة للسياسة كان عمرها يقصف في ربيعه جراء هذه الجدلية المنوه عنها, و في إطار بيئة جغرافية – تاريخية تسمح باستمرار الصراع بين نمطي العيش: الرعي و الزراعة, ولا تسمح بأن يلغي أحدهما الآخر على نحو حاسم و نهائي. إن ترّحل العاصمة الإسلامية ظاهرة ملفتة للنظر. و لعلها نتيجة للرمال المتحركة التي أغرقت بها الإجتياحات الرعوية المتكررة محاولات الحواضر الزراعية – التجارية امتصاص نزعات التدمير و الهدم المرافقة عادةً هذه الإجتياحات .
إلا أن أهم ما تركته في البنية الفوقية لمجتمعات المنطقة هي الإنقسامات العمودية التي تغذيها و تتفاعل معها الأيديولوجيات المتفرعة عن الظاهرة الدينية . ذلك أنه على مدار التاريخ الأسلامي لم تستطع الإنقسامات الأفقية ممارسة حضوراً مستمراً في ( الزمان – المكان) إلى المستوى الذي ينضج عملية الإنتقال نحو نمط إنتاج أرقى . فالعصبيات الرعوية ذات الشوكة كانت تتدخل باستمرار لقطع الطريق أمام سيرورةٍ يمكن أن تفضي إلى : التحول إلى نمط إنتاج أرقى .
و التاريخ الإسلامي يملك نقطتي علام بارزتين من هذه الإنقطاعات في السيرورة .النقطة الأولى : عند حافة القرن الثالث الهجري حين استدعى الخليفة المعتصم الأتراك كعنصر توازن بين العصبيتين الفارسية العربية .
و النقطة الثانية : عند الإجتياح العثماني لدولة المماليك التي كانت قد دخلت في حالة تناغم مع الحركة التاريخية التي باشرتها الأطراف الجنوبية للقارة الأوروبية ( جمهوريات البندقية – نابولي ... إلخ..التجارية) في إطار هذه القراءة لدور القبيلة كنظام اجتماعي - سياسي دخل في حالت تناغم مع الأيديولوجيات المتفرعة عن الظاهرة الدينية , يمكن فهم التعثر المتكرر لنشوء الدولة كحاضنة للسياسة من جهة ,وتعثر نشوء الإصطفافات الأفقية التي تشغل دينامو الإنتقال الى نمط إنتاج أرقى..من هنا فإن الأنصاري يثمن ظهور الدولة القطرية ويوصفها ب ((أنها أول تجربة للعرب في الدولة منذ قرون.بمعنى أنها حلت في كل قطر عربي محل اللادولة ,أو الخضوع المموه للسلطة الامبراطورية العثمانية.كما وغطت في بعض الحالات –الدولة –مساحات شاسعة من الأرض العربية كانت قبلها قفرا يبابا مفتوحا للقبائل الرحل ومراعيها..كما أنها مارست لأول مرة في تاريخها تجربة الدولة بمعناها التقليدي لضبط الأمن وإخضاع التعد د يات لسلطة مركزية بعد أن كانت تشهد حرب الكل على الكل ..فلا يتعجلن عربي على تطوره السياسي وتقدمه السياسي بما لا يتفق مع واقعه التاريخي .وليسمح لمعطياته القائمة بالإكتمال والنضج دون ان يقسو على نفسه بالإحباط وسوء الظن بالذات أو بالآخرين..المهم أن يعرف أية حلقة من حلقات التطور يمسك بها ليواصل المسيرة على نهج واضح وبرؤية واقعية )) (1).
بهذه الروح المتفهمة لعمق الإشكاليه التي تواجه عرب المرحلة يجرب الأنصاري أن يضّوي الممكنات المتاحة و نقاط التمفصل و عوامل الإنحباس ( تحتاج الديمقراطية – في مفارقة جدلية – إلى رحم دولة قوية متماسكة ينمو جنينها بداخله . يخطئ دعاة الديمقراطية إذا تصوروا أن حلمهم الديمقراطي سيقترب أكثر إذا هم انتقصوا
الدولة أو قلقلوها أو فككوها . الدولة القوية و الديمقراطية المستمرة صنوان لا يفترقان بعكس ما يتوهم البعض . و عندما تضعف الدولة أو تضعف ثقتها بنفسها فإن أول ضحاياها هي الديمقراطية ) (2) .
و للمتعجلين وحّراق المراحل يقول ( إنه لا ديمقراطية قبل نضج دولة مكتملة النمو , تتمتع بقاعدة صلبة من التما سك , تستطيع أن تمارس على أساسها التعد د ية الديمقراطية . أما تعد د ية العصائب التقليدية - قبل أن تنصهر و تذوب في بوتقة الدولة و كيانها الحديث - فإنها الطريق إلى نهاية الدولة كما تثبت الحالة الصومالية و الحالة الأفغانية , و كما كادت الحالة اللبنانية أن تكون لولا المفعول الحاسم لتواجد الدولة السورية ) (3)

هوامش:
- 1 –ص-148
- 2-ص-175
- 3-ص-147

سامي العبا س








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ذوبان تمثال شمعي لأبراهام لينكولن بسبب الحرارة الشديدة


.. ميقاتي: المدخل لعودة الهدوء إلى الجنوب يتمثل في وقف العدوان




.. إدارة جامعة أكسفورد البريطانية تسيّج محيط مخيم التضامن مع غز


.. فلسطينية تودع زوجها الذي استشهد في قصف إسرائيلي على غزة




.. أخصائي جراحة الأسنان خيام مقداد: تجديد الأسنان المفقودة من خ