الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


-الحاجة-.. -أم محمود- و..- لقب آخر محبب-

محمود عبد الغفار غيضان

2012 / 12 / 19
الادب والفن


"الحاجة".. "أم محمود" و.." لقب آخر محبب"

كان يحلو لأبي أن يناديها بعد عودتها من الحج بــ"الحاجة"، لكنه قبل ذلك، ودون معرفة دقيقة لحالته يمكن الاطمئنان إليها في الحكم، كان يناديها بــ"أم محمود" أو باسمها الذي انتقل معناه عن الحياة في معاجم اللغة إلى قاموس حياتنا الخاصة معنونًا كل صفحة فيه...

على لوحٍ بكُتّٓاب الشيخ عبد الحي تهجاها أبي؛ حبيبة مزركشة بأمومة ما... يعشقها حد الغزل المدثر بالخجل أمامنا جميعًا. علمنا أبي أن إعلان الحب لمن نحب فرض عين. يعشق كلامها وأمثالها التي ما زلنا لا نعرف من أين تأتي بها. يخشى صمتها المكتحل بالقلق. ويتمناها صامتة للأبد كلما تحدث ونظرت إليه. فنظرتها كانت تعرف كيف تهدهد كل شقائه وتوتراته بيدين حانيتين كانت تدخرهما دائمًا له وحده. تغيب للحج.. يدخل أبي غرفتها ويخرج دون أن تكون له حاجة واضحة سوى التعطر ببعض رائحةٍ لوجودها رغم الغياب ليطيِّبَ بها خاطر الأيام. يدفع باب بيتنا بقوة غير كافية وتتحسس عينيه كل شبر في دارنا بحثا عنها... ثم يكتفي بالجلوس على سلمة السطح الملاصقة لغرفتها طالبًا كوبًا من الشاي لم يكمله كل مرة على غير عادته حتى رجعت.

صبر أمي وعبارات كثيرة عن رضا الرب وفضله وعدم تخليه عنا شكلا أجمل قطعة أرابيسك في شرفةٍ كان أبي يطل على الحياة من خلالها بالقرب من موضع جلوسها في الصالة. يدهشه الخير الكثير حولها دون أدنى علاقة بكم ترك لها من النقود حتى نسي عادة ترك النقود قبل السفر. يمرض، فتفترش الأرض قبالته على السرير كي لا تضيع لحظة دون اطمئنان عليه.... حتى الآن تشد الأرض أمي للجلوس- طفلٍ يشد يد أبيه باتجاه قطعة الحلوى المعلقة هناك بالدكان- متجنبة الأرائك والكراسي وكأنها لا ترى في الجالسين بكل الأماكن التي تعرفها سواه. فتلمس يده أو تمرر بخور أصابعها الحانية على ساقه حتى ينام.

على لوحٍ بكُتّٓاب الشيخ عبد الحي تهجاها أبي؛ حبيبة مزركشة بأمومة ما... وعلى جدران بيتنا القديم وكل بقعة فيه تعلمناها: ألف باء تاء حياتنا ... نلضم بها كل مشاعرنا.. نبردها لمن نحب حروفًا بطعم ملامحها الطيبة.. ندفئ بها كل شتاءاتنا وننشغل دون أن ندري بحاجتها للدفء على سطور كراسات طفولتنا المهملة...

يتركنا أبي بأشد ألوان الوداع وجعًا... وتجلس أمي بيننا. يبهجنا الحديث عن أبي وعن شقاواتنا ومشاغباتنا له: " ذكاؤنا من عائلة أمي، عائلتك متواضعة المواهب!!".. يقاطعنا مهددًا بطردنا جميعًا من بيته.. فنبدي موافقة مصطنعة تُجبره على الضحك الذي لم يحجب أبدًا عدم رضاه الطفولي عن مداعبتنا تلك التي تكررت كثيرًا. نتذكر ونتذكر ولا يتوقف الكلام بينما أمي تمرر يدها على ساقه وتنظر إليه نائمًا على السرير أمامها، يخيفنا شجن شرودها.. نسارع لوأد دموعها بمشاغبات طازجة أكثر صخبًا، بينما تنتفض أمي غاضبة طالبة أن نكف عن الضجيج كي لا نوقظ أبي، معلنةً أنها ستقوم كي تعدَّ له كسرةً من الخبز الملدن مع كوب الشاي الساخن جدًّا الذي يفضله بمجرد الاستيقاظ....

محمود عبد الغفار غيضان
19 ديسمبر 2012م
[email protected]








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عام على رحيل مصطفى درويش.. آخر ما قاله الفنان الراحل


.. أفلام رسوم متحركة للأطفال بمخيمات النزوح في قطاع غزة




.. أبطال السرب يشاهدون الفيلم مع أسرهم بعد طرحه فى السينمات


.. تفاعلكم | أغاني وحوار مع الفنانة كنزة مرسلي




.. مرضي الخَمعلي: سباقات الهجن تدعم السياحة الثقافية سواء بشكل