الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التربية الحديثة والابداع

بسام جودة

2012 / 12 / 19
الادب والفن


العلاقة القائمة بين التربية الحديثة والإبداع

بقلم: أ. بسام جودة

يشير عنوان هذه المقالة إلى الربط الجدلي القائم بين مفهومين أساسيين في عملية التعلم الإنساني (التربية-والإبداع)، أما التربية الحديثة فنعني بها التربية القائمة على المشاركة الفاعلة والتعلم الفعال من قبل التلاميذ والأطفال في إطار حرية الاختيار والاكتشاف والعمل النشط والد ؤوب في تفعيل معطيات الواقع بشكل مسئول وإيجابي لإعادة صياغة تلك المعطيات باستقلالية تمنح الطفل القدرة على استخدام فكره وعقله ليحقق الفعل والتأثير الإيجابيين فيما يقوم به.
وفيما يتعلق بالإبداع فهو يشكل تعبيراً عن إنسانية الإنسان، وهو في نفس الوقت وسيلة من وسائل تزكية هذه الإنسانية وإظهارها وإبرازها وتنميتها، فالتربية المرتبطة بإنماء قدرات الإنسان في الشعر والأدب والموسيقى وغيرها من الفنون تعمل على إرهاف حس الإنسان وتنمية ذوقه، وتعلم العلوم ووسائل التطور التكنولوجي والابتكار والاختراع إنما تمنح الإنسان القدرة على تطويع الطبيعة وتسخيرها في خدمة الإنسان ومنفعته.
فالتربية الحديثة تقوم بدور مهم في خلق شخصية الطفل المبدعة في إطار سعيها المتواصل لإبعاده عن مفاهيم التلقين والحفظ المجرد للحقائق، والحشو القهري للمعلومات، إنها تجعل منه إنسان قادر على الفهم والاستيعاب وربط الأشياء ببعضها والقدرة على التعامل مع قضايا المجتمع وإشكاليا ته بروح المسئولية والثقة العالية القادرة على التعبير عن الذات واحترام الغير وتفهم أسس الديمقراطية والتعامل الخلاق مع الآخرين، فالطفل بحاجة إلى البحث والاكتشاف لمعرفة ما يدور حوله وتفسيره، والوصول إلى رؤية منطقية للأشياء ان الممارسة العملية لمفاهيم التربية الحديثة أثبتت ان هناك علاقة قوية بين التربية والذكاء، فالتربية بمفهومها الذي نتحدث عنه تكسب الطفل الكثير من المهارات وتجعله يعيش في بيئة غنية بوسائل التعلم والمعرفة والثقافة القائمة على فهم ماهية التطور وتحقيق التآلف بين ما هو ماض وما هو معاصر في إطار معرفي خلاق.
ان التربية الحديثة تعتبر أداة فاعلة لبناء الفرد وهي مصدر دينامي للتغير والإبداع والابتكار، إنها تمنح الإنسان القدرة على التعلم الفعال وممارسة دور إيجابي في بناء مجتمعه والمشاركة في عملية التنمية بشكل واعي. كما أن الدور الذي لعبه الإبداع في حياة البشرية عبر تاريخها الطويل، كان له الأثر الرئيسي فيما يعتبر تطوراً مدنياً وحضارياً، فعملية الابتكار ساهمت مساهمة فاعلة في إحداث عملية الرقى والتطور والتغيير الذي يواكب الحياة اليومية للناس، مما جعلها أكثر راحة ومتعة وسعادة فالعمليات الذهنية والفكرية التي تقود إلى الإبداع والابتكار واستبصار الأشياء تعتبر عملية معقدة لا يمكن التوصل إلى وصفها، ولقد عجز العلماء عن سبر أغوار الذات المبتكرة ومعرفة ما يجول بها وما يتم من خطوات داخلها تصل بها إلى الإبداع.
إن الحقيقة العلمية تقول ان التفكير الإبداعي تغيره من ضروب التفكير، لابد له من دوافع تحركه وتثيره وتشجعه وتدفع صاحبه لبذل الجهد والطاقة والاستمرار في ذلك لفترات تطول أو تقصر، حيث يلعب الدور الوجداني دوراً مهماً ، وهكذا فان القيام بالعملية التربوية على أسس التي تحدثنا عنها آنفاً تفتح المجال واسعاً أمام الطفل ليقوم بكل ذلك في إطار سعيه لتحقيق ذاته وبناء شخصيته. إن التربية عملية يجب ان تقود إلى الإبداع والابتكار فهي ليست مجرد نقل أو حفظ أو محاكاة إنها عملية تعلم نشط يقوم على استخدام العقل والتفكير والتأمل، وهذا ما يحثنا الإسلام الحنيف على عمله والقيام به، يقول سبحانه وتعالى "ان في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولى الألباب".
إن تأهيل المعلمين تأهيلاً تربوياً يعتمد اعتماداً أساسياً على مدى فهمهم واستيعابهم لسيكولوجية التعلم، فهي تزودهم بالقدرة على اكتشاف أفضل الطرق والوسائل للتعلم المدروس ليصبح أكثر نجاعة وفاعلية، وتجعل منهم قادرين على استبعاد الطرق والوسائل التقليدية القديمة وغير المناسبة، والتي تعتبر مضيعة للوقت والجهد، إن انتقال بعض هذه الوسائل من جيل إلى جيل من المعلمين لا يعني أنها تخطت اختبار الزمن وصمدت طويلاً، مما قد يوحي بأنها صحيحة وصادقة فالكثير من القواعد والتقاليد والعادات السائدة في المجتمعات الإنسانية والتي تناقلتها الأجيال لفترات طويلة من الزمن لا يمكننا القول عنها أنها أصيلة ومقبولة اجتماعياً. وهكذا فان المعلم والمدرسة والمؤسسة التعليمية بكل أطرافها في البيت والأسرة والمجتمع بحاجة إلى إعادة النظر في وسائلنا التربوية والتعليمية لنستطيع تحقيق أهداف عملية التربية في مجتمعنا.
ونحن هنا إذا نطرح مفاهيم التربية الحديثة القائمة على التعلم النشط والفعال لا ندعي ان تلك التربية هي اختراعنا أو ابتكارنا، وإنما هي حصيلة تطور مفاهيم علماء تربويين على مدى ما يزيد على قرن ونصف من الزمان، أثبتت التجارب والممارسات العملية صحة تلك المفاهيم التربوية وقدرتها على بناء إنسان مبدع وقادر على مواجهة كل صعوبات وإشكاليات الواقع وتطوير أدواته لإيجاد الحلول الملائمة لتلك الصعوبات والإشكاليات بروح الثقة بالنفس وقوة الإيمان بقدرة العقل والوعي المعرفي والثقافة الإنسانية على رسم معالم الحياة والانتصار في معاركها.

إن الإنسان في مجتمعنا ليس الفلسطيني فحسب إنما في كل المجتمعات العربية بحاجة إلى إعادة النظر والتفكير ملياً بالأسباب التي جعلت من المجتمعات العربية أكثر تخلفاً ، ومن الإنسان العربي مستهلكاً لإبداعات الآخرين وابتكاراتهم ومنتجات مصانعهم وبضائع شركاتهم واحتكاراتهم.
إن عصر العولمة وثقافتها يطرح أمام الإنسان العربي مجموعة من التساؤلات، وفي مقدمتها السؤال الكبير المتعلق بعملية التربية والثقافة، كيف يمكن لنا أن نقدم لأطفالنا بديلاً تربوياً وثقافياً ؟؟ قادراً على مواجهة الثقافات السيئة والمنافية لتراثنا ومبادئنا القائمة مع روح التطور والتقدم العلمي والسير في ركب الحضارة الإنسانية.
إن السبيل إلى ذلك يقوم إلى بناء مجتمع يؤمن باحترام الإنسان وطاقاته وإبداعاته، ويمنحه الحرية للتفكير والابتكار، والثقة بالنفس واحترام الآخرين، وذلك لا يمكن أن يأتي إلا عبر تربية حديثة قائمة على كل ما قدمناه لتعطي للطفل منذ نشأته مفاهيمه القادرة على بنائه وتربيته بما يكفل له التعلم الفعال والنشط والقدرة على الإبداع والابتكار ومواجهة كل متطلبات الحياة المعاصرة كما نريدها نحن في مجتمعنا لا كما يريدها الآخرون.
فهل نستطيع فعل ذلك ؟؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الفلسطينيين بيستعملوا المياه خمس مرات ! فيلم حقيقي -إعادة تد


.. تفتح الشباك ترجع 100 سنة لورا?? فيلم قرابين من مشروع رشيد مش




.. 22 فيلم من داخل غزة?? بالفن رشيد مشهراوي وصل الصوت??


.. فيلم كارتون لأطفال غزة معجزة صنعت تحت القصف??




.. فنانة تشكيلية فلسطينية قصفولها المرسم??