الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تاريخ السينما في كردستان 7 / 7

صلاح الدين بلال

2005 / 3 / 17
الادب والفن


علاقة الثقافة بالسياسة
تعريف

إن كل فرد منا يحمل موقفا ينتمي اليه , راية يرفعها وراية اخرى يرجمها .
إن كل منا ينطلق من موقف أيديولوجي محددا أو يتكئ على إيديولوجية معينة . وحول تعبير الأيديولوجية نلخصها بأنها السياسة , والسياسة هي مجمل العلاقات الاجتماعية وتفاعل بين المعرفة والفعل , والفعل هي مجموعة من الافكارالمحددة التي تعبر عن فكر ايديولوجي ما .
ومن هنا يمكننا القول بأن حرية الفكر وتطوره مرتبطة ومتلازمة مع تفاعل وتطور الأحداث السياسية والفكر هو كل ما يتمخض عنه من تعبير ككتابة القصة والشعر وحتى الموسيقى والأغاني ويلعب المسرح والسينما دورا هاما في عملية التعبير الفكري فيها .
إن أي تعبير فني هو جزء من حضارة أي شعب , وهو التاريخ الحقيقي لأي حضارة وقد كانت الشواهد الأثرية لأول حضارة هي " اللغة " وهذا ما يجمع عليه علماء الاجتماع والتاريخ . واللغة هي الكتابات " المتعددة " التي استعملها القدماء كشكل من التفاهم . حتى إن الإنجيل يذكر أهمية ذلك حيث يقول " وفي البدء كانت الكلمة " .
واللغة أو الكتابة هي أول شكل من أشكال الفن و قد تطور الفن عموما مع تطور الشعوب وأخذت تعبر عن نفسها بأشكال جديدة " فظهرت الملحميات الشعرية والأسطورية وقد يكون أقدمها وأهمها تاريخيا ما كتبه هوميروس في ملحمة جلجامش " و تطورت بعدها الفنون حتى ظهر فن المسرح عند اليونان وطورها الرومان كما ظهرت لدى الفراعنة , وبد أت تأخذ عدة أشكال حتى تطور المسرح من بعدها على أيدي الفرنسيين والإيطاليين وقد ظهرت عدة مدارس منها ما يعبر عن خدمة الحكام والسلاطين ومنها ما اخذ شكل دمج الكوميديا بالمأساة , وفي فترة لاحقة ظهرت مدرسة جديدة للمسرح وهي " مدرسة الواقعية " .
ولم يظهر الفن السينمائي إلا في فترة متأخرة من تطور الشعوب وذلك عام 1896 لكروسلاند في الفيلم الصامت " دون جوان " .
إن السينما عمل فني إبداعي تتدخل فيها الصنعة المعتمدة على التقنية والعلوم الحديثة فما هو الفن السينمائي ؟
وما هي مهمته ...؟ وهل يلعب دورا مهما في حياة وتطور الشعوب .
العمل السينمائي هو شكل من أشكال التعبير الفني من خلال الصوت والصورة ويطلق عليه تعبير الفن السابع .
ويعتبر إحدى أهم واخطر الفنون لأنه يحمل شريط متحرك أمام حشد كبير من الجماهير .
والفيلم السينمائي ليس إنتاجا فرديا بل هو إنتاج إبداعي جمالي يأخذ شكل مصنع إنتاجي يطلق عليه الاستديو .
إن الاستديو يعتمد في تنفيذه للعمل السينمائي على برامج وخطط وطاقة بشرية وفنية وتقنية متوفرة .
والفيلم السينمائي لا يقتصر على كتاب ومؤلفين وموسيقيين وممثلين ورسامين ومصورين .. الخ بل وعدد كبير من المساعدين هم في الأغلب الجنود المجهولين في إنجاح أي فيلم سينمائي .
إن السينما هي عمل فني , إبداعي فكري له أغراض أيدلوجية فأما أن يؤدي غرضه في توجيه الجماهير خلقيا وجماليا ونفسيا ويعبر عنهم في واقعهم الاجتماعي والسياسي والثقافي أو أن يسير باتجاه أخر تماما وهو جرف المشاهدْ للهاوية وغزو العقول بأفكار غريبة وأخلاقيات وجماليات متدنية عنه .
لهذا نجد في اكثر من دولة أنها تعيق وتحارب الافلام السينمائية ذات السوية والمضمون الجيد وذات الميول الهادفة وذلك تحت أكثر من سبب وحجة " كما جرى في هوليوود فترة الاربعينيات والخمسينيات , التي طغت فيها افلام ذات مضامين واقعية لم ترضي الشركات الرأسمالية الي لم تجد فيها ما يثير لعاب الشباب ولا تجدي ربحا فقامت على محاربتها واتهمت عدة مخرجين وممثلين بارزين في تلك الحقبة " ومنهم شار لي شابلن " بتهمة الشيوعية والتأييد للا فكار الشيوعية والعمل لصالح المعسكر الاشتراكي , وقد سميت هذه الحملة في أوروبا وأمريكا بالحملة " المكارثية " .
إن ما تنتجه العقول التجارية ورأس مالها لا يعدو اكثر من افلام الرعب والخرافات مثل " كينغ كونغ " وافلام بوليسية واثارة " جميس بوند " او افلام رعاة البقر والرجل الابيض الذي لا يقهر " فيرجيني " .
ولم تكن هذه العقول والشركات هي وحدها المنتجة لهذه الأفلام الرخيصة , فقد لحقتها الحكومات المحلية في بلاد العالم الثالث أو في الدول النامية على صنع أفلام حملت وعملت على تغريب المواطن عن واقعه وسخفت قدراته العقلية وزرعت في داخلها أفكار وطروحات غريبة عنه وغمست فيه عبادة الفرد والخضوع للزعامات والأساطير كالسينما الهندية والتركية والعربية . ففي فيلم |" الطريق " العراقي الذي يمجد فيه شخص " صدام حسين " النضالية والخارقة عن غيره ومنذ نعومة أظافره , والفيلم يبدأ بشخص " صدام حسين " وهو يمتطي حمارا صغيرا قاصدا بغداد للدراسة ليتحول إلى قائد وملهم فذا للامة والشعب .
وكذلك فيلم صلاح الدين الأيوبي الذي خلقت منه إحدى الشركات الإنتاجية الخليجية فلما مسخا لشخصية صلاح الدين الأيوبي التاريخية , التي غيرت مجرى تاريخ المنطقة , فصلاح الدين لم يكن في الفيلم سوى دون جوان ولاعب بهلواني ومصارع .
إن هذا السرد القصير يوصلنا إلى حقيقة أهداف مثل هذه الأفلام واستخفافها وتخريبها لذوق وعقل المشاهد .
وبخلاف ذلك نجد في بعض الدول إن للسينما أهمية كبرى واحترام وتقدير كبيرين من الحكومة والمثقفين .
ففي الكثير من الدول ا لمتقدمة الآن لا تخلو مدينة أو قرية كبيرة إلا ويوجد فيها صالة عرض سينمائي ويقبل عليها المواطنين والشباب بشغف كبير , بينما في دول اخرى نرى ان السينما بدأت تشيخ وبدأت تظهر عليها علائم الانقراض بعد هبوط ارقام عدد الصالات إلى النصف في المدن الكبرى وبعدما غزاها التلفزيون والفيديو ومن ورائها أفلام الرعب والجنس والإثارة .
إن مقولة السينما سلاح من خلال كاميرا تنقل غرضها إلى مدفع تحشوه فتتحول إلى رصاصات مصوبة إلى العقل والقلب والحواس , لهي صحيحة فعندما تكون هذه السينما هي مراة عاكسة لقضايا وثقافة شعوبها .
ومن هذا العرض الموجز عن السينما نلاحظ الأهمية الكبرى لوجود سينما كردية حقيقية .

كلمة لابد من قولها .

إن أشكال الظلم المتلاحقة التي ابتلى بها الشعب الكردي لا تعد ولا تحص واذا اردنا سردها فهي تحتاج منا نحن الكرد الى الآف الصفحات والمجلدات وهي تحتاج ايضا من العالم " المتمدن " ان يعرف انه ما من أمة ظلمت وبقيت مغيبة ومهمشة وتمارس بحقها كل صنوف البطش والقهر والترهيب و الصهر القومي والمسح الثقافي والتاريخي وحرمانه من ممارسة لغته والكتابة بها والغناء والرقص وحتى الرسم والشعر إلا الشعب الكردي . في وقت يبحث العالم عن شعوب منقرضة في أدغال أفريقيا والقطب المتجمد لا يتعدى المئات من الأشخاص لحماية لغتهم وتطويرها ونبش ثقافتهم وتاريخهم المندثر , يتناسون بأن شعب آخر تعداده بالملايين لا يحق له غير الموت والحزن وشطبه من خارطة العالم .

فمنذ الغزو الإسلامي كردستان خربت عاداته وتقاليده ومعتقداته الدينية والتي كانت موجودة قبل الإسلام والمسيحية أصلا , فمنذ تلك الفترة ابتلت ارض كردستان بأول سياسات الطمس والمحو والإزالة لكل ما يعني التاريخ الكردي . فحرق تراثه وحطمت معابده وأثاره وغيرت الأسماء وحتى أشكال الملابس .
وفي مرحلة لاحقة قامت الدول القومية وقسمت كردستان بقوة الحديد والنار من الإمبراطوريات التي كانت تحكمها في الاخوة والدين : حيث أسست عواصمها وصكت نقودهم وعلت اعلامهم ولم يكن الشعب الكردي هذا الشعب الذي كان في الصفوف الأمامية في حروبهم ورفع رايات نصرهم وخلد له تاريخهم وثقافتهم بأسم الاخوة والدين موضع أي احترام أو اعتبار في إعطائه حقه مثل سائر كل الأمم التي استقلت وصنعت كياناتها ورسمت حدودها بل على العكس تفتقت أفكار غلاة القوميين من المستعمرين الجدد لكردستان بخلق وابتكار سياسات شكلت لها دوائر خاصة اختصت في رسم ووضع القوانين لمحو وطمس ونهب أرض كردستان .

فمنذ قيام الطورانية التركية اتبعت سياسة خداع الشعب الكردي فكانت تعلق النياشين وتهب المناصب والالقاب للشيوخ والأمراء الأكراد عملت على شحن شبابهم وقودا لحروبهم التوسعية وهذه السياسة اتبعها السلاطين العثمانين من قبل , وعند قيام الدولة التركية على يد اتاتورك قامت معها اكبر المجازر في التاريخ بحق الشعوب التي وقعت تحت رحمة البطش والقتل فشرد الشعب الأرمني ولوحقت الشعوب الأخرى ومورس بحقهم الإبادة والصهر وكان للشعب الكردي النصيب الأكبر منها فمنعت اللغة الكردية وعلقت مشانق الوطنين والشرفاء الأكراد وحتى الزي الكردي لم يسلم من العمى الشوفيني للطورانية التركية فحرقت آلاف القرى وهدمت القلاع التي تعود إلي مئات السنين والتي شيدت على يد أمهر البنائين الكرد كما نشبت ارض كردستان فأزيل كل ما يدل على حضارة الشعب الكردي.
هذه السياسة التي سميت بألارض المحروقة كانت أيضا في جنوب كردستان ( شمال العراق ) فمع قيام دولة العراق وتنصيب أول حكومة كافح الأكراد مع إخوانهم في التخلص من الاستعمار وبناء الوطن العراقي
فكانت أولى سياسات هذه الحكومة ذبح الأكراد كما تفعل الذئاب في الهجوم على فريستها من الخلف حيث زهقت آلاف الأرواح ودمرت آلاف القرى .
ونقلت آلاف العوائل إلى الصحراء وحرقت الأشجار وقذفت القرى بكل أشكال السلاح التدميري وحتى الكيماوي تحت أسماء شتى واتهم الشعب الكردي .. بالخيانة والعلاقة مع الاستعمار الخارجي ومع أمريكا وإسرائيل في وقت كانت نصب عروشهم تمهر بأختام تلك القوى في تل أبيب وواشنطن , وهم أول من خانوا شعوبهم وباعوا مقدرات بلادهم في سبيل الحفاظ على كراسيهم وسلطانهم.
وفي إيران لم تكن الأمور بأحسن حال فقد نفذت سياسات الإبادة الجماعية بحق انتفاضات الشعب الكردي وأطفأت محاولة بزوغ أول دولة كردية في العصر الحديث في مها باد بقيادة الشيخ قاضي محمد وخانت القوى الداعمة للدولة الفتية وعودهم ومبادئهم التي طالما أغوت الشبيبة الكردية , متنكرة لهم وعودهم الأممية وبذلك كانت المصالح الاستعمارية والشوفينية فوق كل شيء ليكون الشعب الكردي هو الضحية في لعبة نشوء الأمم .

وفي سوريا التي تخلصت من الاستعمار الفرنسي حديثا وابتليت بسلسلة انقلابات لم يكن الشعب السوري له دورا فيها غير تعرضه إلى الإرهاب والاعتقال في صعود رئيس ونزول رئيس اخر ولم يلقى الشعب الكردي أي معاملة تدل على وجوده ضمن حدود الدولة السورية الفتية ولم يتضمن الدستور السوري أي إشارة على وجوده وهو القومية الثانية في البلاد . بل على العكس فرضت سياسات لم تكن في صالح التآخي بين الشعب الكردي والعربي و حماية الوحدة الوطنية بل طبقت سياسات الحزام السيئة الذكر والتي كانت تقوم على إفراغ شريط بعرض يترواح بين 15 و 25 كيلو متر على الحدود السورية العراقية والسورية ـ التركية ـ وذلك لمنع تواصل بين الأكراد , في الدول التي تقتسم كردستان وكانت تشمل هذه السياسة تفريغ هذه الأراضي من مواطنيها الأكراد وإسكان من اقدم من البادية للاستيطان في مزارع ومساكن جديدة على ارض غيرهم واعتبار الأكراد مواطنين من الدرجة الثانية حيث يتم منعهم حسب هذا القانون من حق التملك والبيع والشراء وحق السفر والانتخاب وحرمانهم من حقوقهم المدنية الأخرى .
ولم تتوقف هذه السياسات الشوفينية عند هذه الحد بل تعدت إلى ممارسات اكثر شوفينية تمثلت في إصدار العديد من القرارت بتغير وتعريب اسماء القرى والبلدات الكردية بأسماء عربية كما شملت هذه السياسة منع اللغة الكردية من النشر والطباعة وحق التعليم بها وقمع المثقفين الأكراد.

خاتمة

في نهاية هذه المادة اريد القول بأنني لم اتقصد الفصل بين شعب كردستان والشعوب المتعايشة معه فالابداع الانساني لم يكن يوما ملكا لامة من الامم .
ولهذا فان الشعب الكردي تفاعل مع غيره ثقافيا وتفاعل معه أدبيا و سينمائيا هذه السمة المميزة للشعب الكردي ( وهذه ما أردت إيضاحه هنا ) كباقي السمات التي تتميز بها ثقافة الشعوب إن ذلك يرجع إلي عوامل " ذكرتها سابقا " وما تزال هذه العوامل مفروضة على كاهل شعبنا تمنعه من اخذ دوره الحضاري والإنساني في تاريخ البشرية وإذا برزت بعض الطفرات السينمائية الكردية ( ذلك على أيدي بعض الخريجين في أوروبا )
فأن ذلك لم يتوضح بعد .
ورغم كل ذلك تعتبر هذه البدايات هي الحجرة الاولى لبناء جدار السينما الكردية التي ستجلب انظار الملايين اليها لتتابع مراحل تطور وابداع السينما الشابة .... ولكن في ظل التجزئة ومنع الحكومات المستعمرة لكردستان لهذا الفن وغيره وضعف الإمكانيات الذاتية , ما الذي يمكن مطالبته وعمله ؟؟ وهنا يمكن أن أضيف رأي الشخصي:

إن إبراز وتطوير ما يمتلكه الشعب الكردي من قدرات وإبداعات لنبش تاريخنا وفلكلورنا وثقافتنا وما يتبعه من فنون...والحفاظ عليه ... الخ.
لا يمكن أن يتحمله هو وحده وذلك بعد أن توضح أن المثقفين الكرد لم يبخلا يوما في الحفاظ وتأريخ تاريخنا الحافل ومثل هذه الأعمال كثيرة ولكن مصالح القوى الحاكمة تبقى دوما العائق الأهم في كل مرة .
إن هذه المسؤولية تقع على كاهل المؤسسات الثقافية العالمية وكل الهيئات والمنظمات في المنطقة والتي انتبهت لهذا المسائل الهامة والملحة الآن للتأكيد على تاريخ وهوية الشعب الكردي .
إن هذه المسؤولية لا يمكن تحقيقها ألا في ظل دعوة ملحة من المثقفين والكتاب والسياسيين في كل جزء من كردستان لتأسيس بإمكانياتها وقوتها الجمعيات والمؤسسات التي تملك االاصرار وا لدعم لهذا المشروع .

إن قوة وجودنا يكمن في ثقافتنا وتاريخنا وللحفاظ على هذه السر يجب حمايته كحمايته لحدقة عيوننا لأننا بدونه لن نرى مستقبلنا.

إن السينما سلاح عندما نحسن استعماله ونلتزم به يمكننا تحويل أشرطته إلى قضية .
إن السينما والفن عموما : اعظم فرح يقد مه الإنسان لنفسه .


مصادر
مجلة الثقافة الجديدة : برهان شاوي
السينما في الوطن العربي :جان الكسان
السينما في العالم : جورج ساو ول
الفن السينمائي : ميخائيل روم
الحياة السينمائية : وزارة الثقافة السورية
السينما في العراق : احمد المفر حي
مجلة اليوم السابع : عباس مهدي
إشكاليات تنظيم السينما في العراق : فلاح قاسم








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أدونيس: الابداع يوحد البشر والقدماء كانوا أكثر حداثة • فرانس


.. صباح العربية | بينها اللغة العربية.. رواتب خيالية لمتقني هذه




.. أغاني اليوم بموسيقى الزمن الجميل.. -صباح العربية- يلتقي فرقة


.. مت فى 10 أيام.. قصة زواج الفنان أحمد عبد الوهاب من ابنة صبحى




.. الفنانة ميار الببلاوي تنهار خلال بث مباشر بعد اتهامات داعية