الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اخفاق القرن العشرين الكبير

محمد سيد رصاص

2005 / 3 / 17
مواضيع وابحاث سياسية


ورث القرن العشرون تفاؤلية القرن التاسع عشر: أتت هذه التفاؤلية من الفلسفات الثلاث (الوضعية ـ الليبرالية ـ الماركسية) التي سادت القرن التاسع عشر وما ولدته، على التوالي، من تيّارات سياسية (الراديكالية ـ الليبرالية ـ الشيوعية ـ الاشتراكية الديموقراطية).
اجتمعت هذه الفلسفات والتيّارات على اعتقاد أن سيادة العلم والتقنية، المترافقة مع تعولم نمط الرأسمالية، ستؤدي الى اضمحلال واختفاء قوة العامل الديني في الفكر والسياسة لصالح الأفكار العلمانية واللادينية، والى تلاشي العامل القومي ودوره السياسي لصالح الأممية. والى تزايد قوة العوامل الطبقية حتى سيادتها في الصراعات الاجتماعية ـ السياسية ـ الثقافية على حساب الأشكال والعوامل الما قبل ـ رأسمالية (الطائفة ـ العشيرة ـ الجماعة ...إلخ).
لم يقلل من قوة ذلك نشوب الحرب العالمية الأولى وما ولدته من صور، وخاصة مع استعمال الحرب الكيماوية، بيّنت الكثير من ترافق انفلات غريزة الانسان الوحشية التدميرية مع أرقى ما أبدعه العلم والتقنية (الشيء الذي يمكن أن يفسر ازدهار الفرويدية واستعادة تشاؤمية شوبنهاور وأفكار نيتشه)، وكذلك فإن صعود هتلر وموسوليني على خلفية نزعة قومية شوفينية، وانتكاس قيم ليبرالية السوق مع أزمة 1929 الاقتصادية، لم يساهما في التقليل من قوة تلك النزعة "التفاؤلية" الآتية من القرن السابق.
كانت الثورة البلشفية عنواناً وقاطرة لتلك التفاؤلية، إلا أن لينين وستالين لم يكونا منفردين في ذلك، بل شاركهما في ذلك كل من "الرئيسين الأميركيين ويلسون في الحرب الأولى وروزفلت في الثانية، فيما لم يكن الراديكالي كليمنصو والعماليون البريطانيون، والأحزاب الاشتراكية الديموقراطية (ليون بلوم ـ برانت ـ ميتران)، بعيدين عن تلك النزعة.
في هذا الإطار لم تستطع قومية عبد الناصر، أو تلك الاستقلالية اليوغوسلافية عند تيتو ضد ستالين والسوفييت، ولا بحث نهرو عن طريق "غير منحاز" ـ أن تقطع تلك الموجة أو تحدّ منها، بقدر ما كان كل ذلك وقوداً جيّره السوفييت ضد المعسكر الغربي، الذي شعر بعدائية مريرة، طوال الخمسينيات والستينيات، تجاه ظاهرة (عدم الانحياز).
ترافق صعود الأصوليات الدينية، الإسلامية والهندوسية، مع تضعضع القوة السوفياتية منذ النصف الثاني من السبعينيات، ومع تراجع قوى التحديث المتأثرة بالغرب في البلدان المعنية، الشيء الذي لم يشمل فقط العالم العربي بل شمل إيران والهند وأندونيسيا وباكستان (ذو الفقار علي بوتو)، فيما لوحظ ترافق ذلك مع دخول اليسار الشيوعي الأوروبي في طور الضعف، والى حد أقل اليسار الاشتراكي الديموقراطي، لصالح قوى محافظة مزجت عقائدها المحافظة القديمة مع الكثير من عناصر الفكر الليبرالي (تاتشر ـ ريغان ـ هيلموت كول)، الشيء الذي تزامن مع صعود دور الفاتيكان ومع بروز حركة إحيائية بروتستانتية جديدة ظهرت معالمها عند الشاطئ الغربي للأطلسي.
إذا كان انهيار السوفيات قد عبر وعنى انهياراً لتلك التفاؤلية وإخفاقاً لها، بكل ما أدى اليه من انكشاف لوحة العلاقات الدولية من حيث استمرار وانتعاش وإعادة دور العوامل الدينية، والمذهبية، والقومية، بوصفها عوامل فاعلة وقوية في السياسة العالمية، فإن الذي انتصر مع (ريغان ـ تاتشر ـ كول) لم يكن قيم الليبرالية كما أتت من جون ستيوارت ميل، بل الليبرالية الممزوجة بكثير من عناصر التفكير المحافظ، النابع من الانكليزي ادموند بيرك الواقف ضد الثورة الفرنسية، وبكثير من عناصر التفكير الإحيائي البروتستانتي، كما يمكن أن نجدها، كخلطة فكرية، عند "المحافظين الجدد".
في مرحلة (ما بعد موسكو) كان الطريق الانتقالي الى القرن الواحد والعشرين ماراً عبر (ناغورني كاراباخ)، و(سراييفو)، وتدمير المسجد البابري من قبل الهندوس الأصوليين، و(حادثة الأقصر)، و(طالبان)، وصولا الى (11 أيلول) و(9نيسان): ماذا يعني ذلك على صعيد القرن الجديد؟... ثم: إذا كان طه حسين وعلي عبد الرازق وأحمد لطفي السيد وسلامة موسى لم يستطيعوا النجاح في عملية (التحديث) التغريبية، وكذلك كل من تبعهم في هذا الخط من ليبراليين وماركسيين وقوميين، فهل يستطيع جورج بوش الابن، بدعوته الى (التحديث) و(الديموقراطية) بالشرق الأوسط، أن ينجح في ذلك خاصة وأن ظلال (صموئيل هنتنغتون) و(بات روبرتسون) و(برنارد لويس) لا يمكن أن تخفى من وراء ذلك؟... أخيراً: هل إخفاق القرن العشرين ذاك يعني عودة ورجعة الى الوراء، أم أن العصر الحديث ما زال مضطراً الى معالجة مشكلات لم تحل بعد، بعد أن وضع طلاء رقيقاً فوقها من خلال مقولات (العلمانية) و(الأممية) و(الطبقية)، الى أن أتى العقد الأخير من القرن العشرين مفجراً وناثراً لها، ليضع كل ذلك من جديد فوق طاولة السياسة العالمية؟...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. لحظة ضرب مستشفى للأطفال بصاروخ في وضح النهار بأوكرانيا


.. شيرين عبدالوهاب في أزمة جديدة وصور زفاف ناصيف زيتون ودانييلا




.. -سنعود لبنائها-.. طبيبان أردنيان متطوعان يودعان شمال غزة


.. احتجاجات شبابية تجبر الحكومة الكينية على التراجع عن زيادات ض




.. مراسلة الجزيرة: تكتم إسرائيلي بشأن 4 حوادث أمنية صعبة بحي تل