الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الأنترنيت والتلفزيون: من المنافسة المحمومة الى الإندماج والتكامل

جودت هوشيار
كاتب

2012 / 12 / 19
العولمة وتطورات العالم المعاصر


لو ألقينا نظرة على تأريخ وسائل الأعلام، لتبين لنا أن ظهور وسائل إعلامية جديدة لا يعني بالضرورة، إنحسار أو زوال سابقاتها، فعلى سبيل المثال، لم يؤد ظهور التلفزيون الى اختفاء الراديو أو السينما.والتلفزيون لم يختف بظهور الشبكة العنكبوتية(الأنترنيت)، والتأثير القوي لوسائل الاتصال الرقمية في عالم اليوم لم يكن على حساب الوسائل التقليدية ويبدو ان الوسائل القديمة والجديدة، يمكن أن تتعايش وتتفاعل معا وان تكمل الواحدة منها الأخرى وتساعدها على إنتشار أوسع.
ولكن الوسائل القديمة – لكي تحافظ على مكانتها– مضطرة الى التكيّف مع التطور السريع للتكنولوجيا الرقمية، فالتلفزيون اليوم لم يعد كما كان بالأمس القريب، وإضطر الى إدخال تغيير جذري في البرامج التي يقدمها، من أجل إجتذاب المشاهدين والصمود أمام المنافسة القوية المتنامية للأنترنيت.
ولا أحد – بين خبراء الإعلام – يعرف على وجه الدقة نتائج هذه المنافسة المحمومة، التي ستكون من دون شك طويلة وشاقة. أو بتعبير آخر، هل سيتمكن التلفزيون من الصمود أمام الأنترنيت ووسائل الأعلام الرقمية الأخرى، التي تتصدر اليوم المشهد الأعلامي وأصبحت تستحوذ على إهتمام الجمهور على نحو متزايد وتقتحم جميع مجالات النشاط البشري وبضمنها المجالات المتنوعة للأعلام والتثقيف والترفيه؟
الأستبيانات التي أجريت مؤخراً في بلدان متباينة التطور والثقافات تشير الى نتائج مختلفة:
ففي الدول النامية، التي ما زال انتشار الأنترنيت فيها محدوداًً وبضمنها العراق، نرى ان التلفزيون فعال ويحظى بشعبية واسعة، ويعد المصدر الرئيس للأخبار وتغطية الأحداث السياسية والرياضية الساخنة وعرض الأفلام السينمائية والمسلسلات الدرامية والكوميدية ونقل وقائع الندوات والمؤتمرات والحفلات وغيرذلك الكثير. أما في الدول الغربية المتقدمة، فأن الصورة مغايرة الى حد كبير، حيث تشير تلك النتائج الى ان شبكة الإنترنيت تتفوق على التلفزيون في النقل الفوري للأخبار وتحديثها على مدار الساعة والنشر الفوري للآراء والتعليقات وعرض المضامين المرئية التي ينتجها ويخرجها ملايين من مستخدمي الأنترنيت، أضافة الى أجراء المكالمات الهاتفية المجانية لقاء اجور زهيدة وتقديم خدمات كثيرة للمشاهدين وبضمنها برامج المحادثة (الشات) والبريد الألكتروني، وخدمات أخرى كثيرة ومنوعة.
أزدهار أم تضخم؟
خلال السنوات القليلة الماضية تضاعف عدد القنوات التلفزيونية في العالم حوالي عشر مرات ويتوقع أن يستمر هذا النمو في المستقبل المنظور. وهذا يعني ان قطاع التلفزيون عموما يشهد ازدهاراً أو بتعبير أدق توسعاً أفقياً. ويدل على زيادة الطلب عليه. فعدد المشاهدين للأحداث السياسية والرياضية الساخنة هائل للغاية وقد تصل الى عشرات وربما الى مئات الملايين من البشر.
وكما قلنا آنفاً فأن التلفزيون أستطاع الأحتفاظ بمكانته بإعتباره الوسيلة الإعلامية الأكثر شعبية في العالم النامي والصمود أمام المنافسة القوية للأنترنيت في الدول المتقدمة ولم يكن هذا الصمود أمرا تلقائياً أو هيناً، فقد اضطر الى اجراء تغيير كبير، سواء في محتوى الرسالة الإعلامية أو في صيغ وأشكال تقديم البرامج المختلفة.

ان نشرات الأخبار التي تقدمها القنوات التلفزيونية ما زالت لها جمهور كبير ولكن الفرق هو ان المشاهدين يعرفون اليوم كل ما يجري في عالمنا فور وقوعها عن طريق الأنترنيت, و لم تعد نشرات الأخبار في التلفزيون، المصدر الرئيس للأخبار العالمية، فالأنترنيت أسرع في نقل الأخبار أولاً بأول. وأخذت البرامج الأخبارية للتلفزيون في مجاراة الأنترنيت واللجوء الى أساليب أكثر تشويقاً في تقديم الأخبار والتقارير واشراك المحللين السياسيين – وما أكثرهم هذه الأيام – في التعليق على الأحداث الساخنة ومناقشة تداعياتها المحتملة.
نهاية الرقابة:
سمحت شبكة الأنترنيت بوضع نهاية للرقابة الحكومية على مضامين المواد الإعلامية. ولم يعد بأمكان التلفزيون أن يلزم الصمت او يتجاهل بعض الأخبار والحوادث الحساسة، التي تهم الجمهور، في حين تزخر بها المواقع الألكترونية بشتى لغات العالم.
ظاهرة «الويكيليكس» إنتشرت بسرعة البرق وثمة اليوم مئات المواقع التي تقدم بأشكال مختلفة (نصوص، صور، فيديوات) كل مايحدث وراء كواليس السياسة والمال. ولا يمكن للتلفزيون بعد اليوم ان يتغاضى عن نقلها، والشيء المدهش في شبكة الأنترنيت هو قدرتها على تخطي الحدود على نحو جعل كل محاولات الرقابة الحكومية بلا معنى، ولكن هذا لا يعني ان الرقابة انتهت تماما، وثمة أنظمة شمولية تحاول حجب الشبكة كلياً أو جزئياً (مواقع الكترونية معينة) ولكنها لن تنجح في مسعاها لسببين:
أولهما ان ذلك يعد خرقاً فاضحا لحرية التعبير ويلقى الأستهجان من المجتمع الدولي - وهذا ما شاهدناه خلال ثورة 25 شباط / فبراير 2011 في مصر حين حاول نظام مبارك قطع شبكة الأنترنيت لبضعة أيام وأضطر تحت ضغط المجتمع الدولي الى اعادتها .
وثانيهما أن الشبكة نفسها لديها الوسائل الكفيلة بتخطي الحواجز والوصول الى أية نقطة في العالم.

ان شبكة الأنترنيت هي الوسيلة الإعلامية الفائقة - لأنها مزيج من ثلاث وسائل إعلامية (مقروءة، مسموعة، مرئية) – التي أضحت اليوم تؤثر في الممارسات الإعلامية والسلوك البشري، حيث لم تعد ثمة اية حدود بين العام والخاص. وسارع التلفزيون الى ركوب الموجة وأزاحة الموانع والقيود الأجتماعية جانباً وكل شيء أخذ يتحول الى الترفيه. وهذا تغيير جدي للغاية.
شبكة الأنترنيت أزالت أيضاً الفواصل التي كانت قائمة بين الإعلاميين وبين القراء والمستمعين والمشاهدين. وبفضل الأنترنيت اصبح المتلقي مساهما في المضمون الأعلامي. ويقول الإعلاميون في الغرب (من محررين ومصورين)، بأن تخصصاتهم تتلاشى وينتقل دورهم الى الناس العاديين.
ولا يقتصر الأمر على شبكة الأنترنيت، بل أن كل من يظهر على شاشة التلفزيون يغدو مهنيا ولم نشاهد من قبل قط هذا العدد الكبير من المحللين السياسيين والخبراء في شتى مجالات الحياة، الذين يتكاثرون كالفطر بعد المطر..
أندماج وتكامل
يمكنك اليوم مشاهدة البرامج التلفزيونية من دون التلفزيون، تستطيع تشغيل جهاز الكومبيوتر ومشاهدة البرامج التلفزيونية المفضلة لديك في الوقت المناسب لك. ومن اي مكان تشاء، من خلال تقنيات البحث والتصفية المتوفرة في الشبكة، مما يدل على ان التلفزيون، لا يزال قوي التأثير لدرجة انه، حتى أولئك الذين لا يحبون الجلوس أمام التلفزيون، يشاهدون البرامج التلفزيونية على شبكة الإنترنيت وعلى الهواتف الذكية.
ولكن التلفزيون اضطر الى أجراء تغيير كبير في المحتوى الأعلامى الذي يوجد فيه الآن ايقاع اكثر وصلات مع مواقع التواصل الأجتماعي، حيث يمكن مثلاً مشاهدة جميع برامج التلفزيون على التويتر. وتحميل الأفلام السينمائية ومشاهدتها حتى بعد أنتهاء عرضها في دور السينما أو على شاشات التلفزيون. والحقيقة هي أن شبكة الإنترنيت أعطت دفعة قوية للتلفزيون، وبعثت فيه دماء جديدة.
كيف سيكون تلفزيون الغد؟
تعمل عدد من شركات تكنولوجيا المعلومات في السنوات الأخيرة على التوصل الى تقنية جديدة تسمح بالتزاوج بين التلفزيون والأنترنيت وبضمنها شركة (غوغل) التي قامت بطرح تقنية جديدة إسمها «Google TV» قد تكون الأنجح من بين ما تم التوصل اليه حتى الآن. ومن المتوقع ان تطلق الشركة ابتكارها الجديد قبل نهاية السنة الحالية على شكل علبة صغيرة توصل جهاز التلفزيون بالأنترنيت ومستقبلا سيتم انتاج تلفزيونات تتضمن هذه التقنية وذلك في اطار تعاون ثلاثي بين شركات (Sony,Intel Logitech) نستخلص من ذلك كله ان ليس ثمة تعارض بين الإنترنيت والتلفزيون، بل تفاعل وتكامل وربما سيندمجان في النهاية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أمير الكويت يأمر بحل البرلمان وتعليق العمل بعدد من مواد الدس


.. كاميرا مراقبة توثق غارات للطيران الحربي الإسرائيلي على شمال




.. مراسلة الجزيرة: طلاب كامبريدج يضغطون على إدارة الجامعة لقطع


.. تشييع شهداء سقطوا في قصف إسرائيلي على رفح جنوبي قطاع غزة




.. مظاهرة حاشدة في مدينة نيويورك الأمريكية إحياء لذكرى النكبة