الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سلطة المعارضة ومعارضة السلطة

عبد الجبار سبتي

2012 / 12 / 19
مواضيع وابحاث سياسية


البغض لاي سلطة ونظرة الشک والریبة لکل ما یحیط بها ، شعور توارثه مجتمع لم یُدع َ یوما لحضور مائدة السیاسة ، وعزل عن ممارسة دوره الحقیقی ، ومنع من النطق بمشاعره , لذا امتنع عن نصرتها او الدفاع عنها ، وهجرها حین تاکد من استبدادها وعقمها ، وخذلها فی مواقف ومواجهات عدیدة ، ولم يكن ذلك الشعور شعورا بالضياع او اللا انتمائية بقدر ما قد يكون شعورا بحجم الهوة بين السلطة والشعب بجميع طبقاته وبالاخص الطبقة المثقفة .
وبعد ان جردته السلطة القمعیة من ادواته ،رفض المثقف ان یکون مجرد علامة تطرز صدر القائد ،او صفحة تلون سوداویته , لذا کان هذا الشعور عنده دافعا سلبيا اکثر مما عند غیره ،لانه اراد الترفع عن لعب دور المتسلق او المتزلف الذي يخلع رداء الفكر ونتاجاته ليحج الى كعبة السلطة ومركزها.
هذا الشعور المتوارث بالرفض للسلطة وما یحیطها لم یستطع وللاسف التمییز بین الدولة ومرکز السلطة , فوضعهما فی خانة واحدة ،وادرجهما فی قائمته السوداء، لذا فهو لم یمارس دوره الصحیح بعد التغییر ،ونظر بعین الریبة لکل من یقترب فی رؤیته مما قد تراه السلطة , حتی وان کان هذا التقارب من دون ارتباط , بل انه وفی کثیر من الاحیان یخالف فکره وثقافته ونزعاته , وربما حتی مصالحه , لیقف فی جبهة المعارضة , او علی احسن تقدیر یقف علی الحیاد مبتعدا عن اتخاذ موقف ،لألا یوصم بانه من اعوان السلطة او من ادواتها , ولیکون من وجهة نظر سلبية اقرب الی الاطار العام للثقافة ، (فالمثقف هو المعارض دوما او هو من یصمت کثیرا ) ربما متآملا..وربما وجلا.
لا احد يستطيع ان ينكر ما لدور النخبة المثقفة والواعية في تحصين المجتمع وتهذيبه وربما قيادته , وربما يكون ذلك الدور فاعلا كلما كان اكثر قربا من الواقعية منه الى المثالية والدعوة لرفع شعارات صعبة التحقيق او لا تصلح واقعا لزمن ما في مجتمع ما وتحت ظرف ما , لذا فقد تكون تلك الطبقة تحيا تحت وطئة الصدمة التي قد تغيبها وتدفعها بعيدا عما يمكن ان يُفعل دورها ويجعلها اقوب للمجتمع من السلطة , فتمارس دورها الهادف الى التوعية والتوجيه واغناء الفكر, وتلك الحال ربما تنطبق على ما اصاب النخبة المثقفة في العراق في بداية حكم البعث وصولا الى انعدام دورها تماما في زمن الطاغية .
لم تراع السلطة في العراق الحركة الثقافية ولم ترعها يوما , ففي زمن الملكية وتحت وابل من العداء المعلن وغير المعلن من المؤسسة الدينية اتجاه اي سلطة تحكم العراق غُيب المثقف بدواع عدة وسلبت منه نزعته الشخصية ورداءه الخاص واجبر على ارتداء رداء آخر لا يرمز اليه وربما لا يعنيه , وطفح الى السطح نوعين آخرين من النخب الثقافية , هما النخبة الدينية التي تدور في حلقة الدين والصراع المذهبي والتأريخي , والنوع الآخر هم مثقفي السلطة ممن يدور ضمن حلقاتها ويمارس دورا مرسوما منها .
اما ما بعد الملكية فلم يتغير الحال كثيرا فدور المثقف الحوزوي بقي على حاله وما تغير هو دور المثقف السلطوي الذي تغير ليصبح مثقفا ايديولوجيا يحمل فكر حزب ما ويطرحه على انه البديل الكامل والتام لكل ما يؤمن به المجتمع , غير ابه لقالبه الذي لا يمكن ان يتقبله مجتمع يختلف معه في كثير من الفكر والسلوك , وهذا ما نراه واضحا وجليا في فترة الجمهورية العراقية الاولى من مثقفي الفكر الشيوعي وصراعهم مع الفكر الديني والمؤسسة الدينية . وبعد هذا الفراغ الفكري الكبير والذي لم ينتج الا صراعا غلب عليه طابع التغيير السلبي وغير الايجابي كان لا بد من تراجع المنظومة الفكرية عامة وصولا الى انهيارها في فترة البعث وبعدها البعث الصدامي .
على اننا ما زلنا نمارس نفس تلك الادوار ونفتقد دور المثقف الحقيقي والرسالي الذي يكون هدفه الاصلاح والتوجيه وكبح جماح الهبوط المتسارع للقيم ,بعيدا عن دور المعارض او الرافض للسلطة وادواتها , بل يكون دوره وسيطا بين السلطة والشعب وصولا الى مجتمع يحفل بقيمه ويحافظ عليها ويصونها ومنها قيم السلطة الهادفة لصلاح المجتمع والمنبثقة منه ومن اركانه ومن نخبه مستمدة سلطتها من سلطانه , راعية لحقه وحقوقه ورغباته , فيكون دور النخبة في المجتمع دور الرابط بين الاثنين لا دور الفاصل او المحرض او الشاغل لمنصب .
على مر الحكومات التي تعاقبت على العراق الحديث منذ استقلاله ولحد اليوم كان دور المثقف سلبيا , فمارس دورا من اثنين , اما دور المنزوي المتشاغل بهموم بعيدة عن مجتمعه , او دور المثقف السلطوي المجمل لوجه السلطة , ففقد المجتمع دورا رياديا كان يمكن له لو انه اختار دوره الصحيح المستقل لا المعارض ولا المقايض ان يحمي مجتمعه من افة الجهل والانحطاط , وكان يمكن له ان يمنح مجتمعه قوة ومنعة من ان يساق بصوت السلطة لوحدها , وكان يمكن له ان يصوغ للمجتمع منظومة خلقية ترتفع به نحو الابتعاد عن السلبي من المواقف وان يكون اكثر فعالية وتأثيرا , الا ما ندر وما ذكر لبعض الاسماء القليلة التي اجبرت على في النهاية على اختيار لغة الصمت . وفيما بعد سقوط الطاغية مارس المثقفون دورا شبيها بدورهم السابق واختار اغلبهم دور المعارض الناقد للسلطة فكانوا سببا في عدم الفهم بين السلطة والمجتمع وكانوا سببا في ضبابية المواقف وسوء التقدير , وسببا رئيسيا في ضياع الجهود والزمن , لانهم توارثوا بغضهم للسلطة مهما كانت ولم يستطيعوا التفريق بين السلطة والدولة التي دمجت في ازمنة سابقة .











التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - نشر سياسة التسامح
عبود مزهر الكرخي ( 2012 / 12 / 19 - 16:10 )
المثقفين في بلادنا اخي ابو محمد ايضاً أنشغلوا في الصراع في المفاهيم التي يحملها كل واحد فكل واحد تخندق في خندق افكاره وبدأ كل مثقف يحاول اسقاط الفكر المقابل وبغض النظر عن المسميات ولو أخذنا مثال على ذلك فالعلمانيين قد مارسوا دور الهجوم وبدون رحمة على الإسلاميين وضد كل ماهو موجود في فكرهم سواء الفكر الأيجابي أو السلبي وعدم التكاتف والعمل على تاشير مواقع الخطأ والعمل على قيادة الجموع الجماهيرية بل كان الصراع والهجوم هو الشعار وعلى مختلف القنوات والصفحات ونفس الشيء على الإسلاميين والمفروض كان على المثقفين عدم النفور فيما بينهم والتكاتف من اجل بناء وأعادة دور العراق الحضاري والعمل على افشاء سياسة التسامح والمحبة والغاء مفهوم التسقيط والغاء الطرف الآخر.
ومن هنا يجب نبذ هذه الفكار والعمل على نشر مبدأ ((الأختلاف في الرأي لايفسد في الود قضية)) وعدم البقاء وراء افكار واحدة بل لتكون عقولنا مفتوحة للجميع ونشر سياسةالمحبة والتسامح وبشرط ان لايكون هناك مساس لثوابت اي فكر من الأفكار.
وتحياتي

اخر الافلام

.. لغز الاختفاء كريستينا المحير.. الحل بعد 4 سنوات ???? مع ليمو


.. مؤثرة لياقة بدنية في دبي تكشف كيف يبدو يوم في حياتها




.. إيران تلوح بـ”النووي” رسميا لأول مرة | #ملف_اليوم


.. البرهان يتفقد الخطوط الأمامية ويؤكد استمرار القتال




.. وزير الدفاع الإسرائيلي: لا يمكن إخضاع دولة إسرائيل | #رادار