الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عشاق الخوازيق يسدون الطريق

رحاب العربي

2012 / 12 / 20
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي


خيرا فعل المستشار مصطفى عبدالجليل عندما قام وفي أول سابقة في تاريخ ليبيا الحديث بتسليم السلطة طوعا وعن اقتناع وبدون إكراه حسب علمنا نحن الليبيون البسطاء، تسليمها الى أول رئيس مجلس وطني ينتخب ديمقراطيا من قبل ممثلي الشعب؛ وإن كان في انتخاب هذا الأخير التفاف مشرعن ومغلف بغلاف ديمقراطي على إرادة الغالبية من ابناء الشعب الذين ظلوا منتشين بمشهد صناديق الاقتراع ولم ينتبهوا الى ما يدار في الظلام لتزييف اختياراتهم..

كثيرون راهنوا على اصابة عبدالجليل بفايروس كرسي السلطة، حتى بعض المثقفين والسياسيين لم يصدقوا ان المستشار سيفي بوعده ويتخلى عن خازوق السلطة الذي ما جرب شخص من العالم الثالث وخاصة العرب حلاوته حتى كره فراقه وتحايل بل مارس ابشع الطرق التي تصل الى حد القتل لضمان البقاء على راسه.. في اكثر من مناسبة جدد السيد المستشار تأكيدة للصحافيين الذين التقاهم أنه سيتخلى عن هذا الخازوق، لأنه يدرك أن كثيرين يحلمون بارتقائه وباي طريقة كانت، وربما أيضا كان يحلم بأننا سنحوله بوعينا وسعة صدورنا وتخلينا عن أنانيتنا الى كرسي يتداول عليه سلميا من نختارهم لإدارة السلطة بشكل دوري.

كلما ردد عبدالجليل عبر وسائل الاعلام تأكيده التخلي عن هذا الخازوق في الموعد المحدد المعلن، يتبادل المستمعون نظرات الاستغراب المغلفة بابتسامة ساخرة ولسان حالهم يقول : هل الرجل في كامل قواه العقلية وهو يردد تعهده بالنزول عن قمة هذا الخازوق الذي يبيد عشاقه أرواح عشرات الآلاف من ابنائهم في سبيل الانفراد بارتقائه والتربع على قمته حتى الموت؟!! تساؤل يبدو منطقي في بلد مثل ليبيا التي دفع اهلها ثمنا باهضا من ارواح ودماء زهرة شبابها وشاباتها في سبيل انزال ذلك المجنون بادمان اعتلاء الخوازيق ، والذي ظل قرابة نصف قرن لم يترك خلاله لحظة واحدة قمة خازوق السلطة.. لكن السيد المستشار الذي لابد أنه يمتلك حصانة نادرة من فايروس هذا المرض العضال الذي يعشعش في جينات نسبة 99.9 من الليبيين والليبيات ، وأنا منهم بكل تاكيد طبعا، مع مراعاة ان هذا الفايروس تتفاوت قوته وفاعليته من شخص لآخر حسب البيئة والظروف المحيطة بكل شخص، ما كان ليتخلى عنه بهذه السهولة والقناعة غير القابلة للتصديق لولا إدراكه للمعنى الحقيقي للثورة والهدف السامي الذي ضحينا من اجله.

معذرة قرائي الأعزاء عن هذه الرحلة في غابة الخوازيق الكريهة التي فرضتها مشاهد وتصريحات واعتصامات شهدتها اكثر من مدينة وساحة ليبية احتجاجا على التحقيق مع السيد المستشار من قبل النيابة العسكرية في قضية اغتيال القائد العسكري اللواء عبدالفتاح يونس، وهي مشاهد في مجملها تؤكد أن ما جرى في ليبيا لم يزد عن كونه إزالة القذافي مع الابقاء على الخازوق جاهزا لخوزقة آخرين به، ولما فلت عبد الجليل منه خرج هؤلاء للتباكي على نجاته، تراودهم الأحلام بإعادته الى قمة الخازوق.

نعم السيد المستشار كان سابقة في تاريخنا المزدحم بأوابد من عشاق سلطة الخوازيق، ومن حقنا ان نستغرب هذا المشهد غير المالوف والخارج عن سياق تاريخي مغرق في العنف والدموية في التسابق لاعتلاء عرش الخوازيق، ولكن من غير المنطقي أن نرفض الاعتراف بوجود هذه السابقة وهي مجسدة أمامنا، يعيش صانعها بيننا بدمه ولحمه، ومن غير المعقول ايضا ان نظل نحلم بإعادته الى حضيرتنا المظلمة ، بدل ان نخرج نحن معه الى نور الحقيقة الواقعة ونتخلص من وهم سعادة العيش في ظل سلطة المخوزقين..

مئات اعتصموا وقطعوا الطرق الرئيسية بل حتى أزقة الاحياء الشعبية في مدن وحتى قرى بمختلف انحاء ليبيا ، ولا زالو يفعلون ذلك حتى الآن، إحتجاجا على واحدة من مشاهد العدالة النادرة في بلادنا التي ضحينا من أجل تحقييقها بارواح ودماء غالية، وهو مشهد سيادة القانون وخضوع كل الليبيين له!! أي مفارقة عجيبة هذه ؟!! نقدم عشرات الآلاف من الشهداء والجرحى من أجل تحقيق اسمى هدف ضحت من اجله البشرية، ثم نقوم بقطع الطرق ونسد الشوارع ونعتصم وندبج البيانات رفضا لتحققه وتجسده واقعا؟!! نعم ايها السادة المعتصمون والمحتجون على مثول عبد الجليل امام النيابة العسكرية للتحقيق معه في قضية موضوعة أمام العدالة، إنكم بتصرفاتكم هذه تقدمون مشهدا يرقى الى حالة الجنون!! الشعب يطالب بالعدالة.. الشعب يرفض تحقيق العدالة!! هذا ملخص منطقي لكل تلك الاعتصامات وعمليات قطع الطرق وتدبيج الخطب..

ايها السادة يجب ان تدركوا ان للعدالة وجه واحد يتجسد بتحقيقه وفرضه على الجميع بدون استثناء.. وان اي خلل أو استثناء في تطبيق العدالة ينفيها ويجتثها من اساسها، ومعنى هذا أن كل أفراد هذا المجتمع وكل الموجودين تحت سلطة الدولة الليبية متساوون أمام القانون ومعرضون للوقوف أمام العدالة إذا ما طلبتهم الى ساحتها، وأن عصر الاستثناء والحصانة غير المقننة قد انتهى، والسيد المستشار بنفسه وإدراكا منه لأهمية هذا المشهد في إعادة بناء وعي الناس وتصحيح مفهومهم المشوهة للعدالة، استجاب لدعوة النيابة ومثل أمام العدالة كأي مواطن ليبي مقدما بذلك رسالة هامة لم يستوعبها هؤلاء المعتصمون مفادها كما قال هو بنفسه " كلنا تحت القانون ولا أحد فوق القانون" فهل تستوعبون ايها السادة هذه الرسالة وتتخلوا عن عبادة الاشخاص وتنتبهوا الى بناء آلية فاعلة وحقيقية للتناوب على كراسي الحكم بعد تخليصها من خاصية الخوزقة وفيروساتها التي تصيب بالادمان..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مستشرق إسرائيلي يرفع الكوفية: أنا فلسطيني والقدس لنا | #السؤ


.. رئيسة جامعة كولومبيا.. أكاديمية أميركية من أصول مصرية في عين




.. فخ أميركي جديد لتهجير الفلسطينيين من قطاع غزة؟ | #التاسعة


.. أين مقر حماس الجديد؟ الحركة ورحلة العواصم الثلاث.. القصة الك




.. مستشفى الأمل يعيد تشغيل قسم الطوارئ والولادة وأقسام العمليات