الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الصورة المركبة في قصيدة مشهد نهايته انتحار

مثنى كاظم صادق

2012 / 12 / 21
الادب والفن


في قصيدته ( مشهد نهايته انتحار )(1) يخلق الشاعر علي وجيه خصوصية لتجربته الإبداعية ، أقول خصوصية تجعله ينماز عن سواه ضمن الرؤية الشعرية ، من خلال الانفلات من قصيدة النثر الكلاسيكية النمطية ، وإسناد ظهره إلى حائط الاستعادة الجديدة للصور المركبة والتكوين الحديث لها ، ولاسيما أن المجرة الشعرية في العراق بدأت تتسع حتى ضاقت !! . نجد في لغة الشاعر المزاوجة بين الجدة والعفوية وأسطرة الواقع العراقي ، ضمن مرتكزات يجيدها الشاعر ، وهي الجمال والعمق والمفارقة ، وتأسيساً على ما سبق ، يعتمد الشاعر في نصه هذا على الصورة المركبة التي خلقتها تقانة اللغة الصوفية والتي تذيب الأشياء مع بعضها البعض إذ لا حدود فاصلة ، من خلال جعل المفردات مدمجة مضغوطة ، في سياق التكثيف والتركيز ، فيبدأ المشهد/ القصيدة ، بفعل النفي ( ليس ) الذي نفى من حيث المعنى المطر مستبدلاً إياه بالمسرات ( ليس مطراً ما يلامس نافذتي الآن ، هذه مسراتي وهي تبلل الأرض ) مستعملاً ظرف الزمان ( الآن ) الذي أوحى بالحضور والاستمرار والاستقرار لهذه الصورة المركبة ، جاعلاً المتلقي طرفاً مراقباً لهذه الصورة المشهدية والصور التي بعدها ، فالشاعر في قصيدته هذه يبدو مبللاً بمياه الحزن والغياب . تمثل غرفة الشاعر صومعة صوفية معاصرة ؛ يعبئ فيها الكون ويشركه في لحمتها التكوينية ، ولاسيما أنها حوت ( عشرة آلاف كتاب / عشرة آلاف أغنية / عشرة آلاف وجه / عشرة آلاف عقب سجائر / هكذا تتمثل غرفتي أمامي ) وبلا شك أن لتكرار العدد عشرة آلاف له دلالته التكثيرية للمعدودات التي ذكرها الشاعر فلها الأثر الفاعل في مرجعياته الثقافية والشعرية . وتأتي البنية الكلية للوحدات الشعرية في ثنائية الإثبات والنفي ؛ لتظهر بعض اختناقات الشاعر بالخيط الخفي الذي يصل ذاته الباطنة بالعالم الخارجي ( النوافذ أفواه تثرثر الريح .../ لا نوافذ عندي / وقمصاني غير المرتبة : جرحى معركة / لا أرتدي القمصان ) بهذه الخميرة تتشكل القصيدة / المشهد ؛ فالشاعر كثيراً ما يركز على مراكز الإحساس ، بوصفها مجسات تنبيهية تنعش النص وتجعلها مشعاً ( أعلك صمتي / أخلط الحرف بالكحل / أستل سنة من كيس العمر ) إذ نلاحظ في الوحدة الشعرية هذه ، الحركية الواضحة ، وعدم الركون والاستقرار وتتفشى هذه الحركية بالأفعال المضارعة ( أعلك / أخلط / أستل ) التي تحمل معنى الحال والاستقبال والتأرجح بينهما ، وكذا الحال بالنسبة لمتن القصيدة الذي تفشت فيه الأفعال المضارعة بكثرة واضحة . جاء استعمال الضمير ( أنا ) مكررا أحد عشر مرة بصورة تراتبية في القصيدة ؛ لتأكيد ذاتويته التي تقع في معادلة الـــــــ ( أنا ) باتجاه الــــ ( أنت ) مشكلةً بذلك تميمة شعرية ، تقع في بنية تلازمية خالدة مع الذات الأخرى ؛ لأنَّ الشاعر يحتضن ذاتين ، من خلال التأكيد على ذاته بالضمير المنفصل أو المتصل أو المستتر موزعاً اختياراته في مساراتٍ استعاريةٍ جميلةٍ ، قلما نقرأها عند غيره ( ليلاً اذبح صباحي وأحمل شمسه على رمح نعاسي ) وإذا كانت الاستعارة الواحدة تفعل فعلها بالنص الشعري ، فكيف بهذا النص الذي يتكون من ثلاث استعارات ؟! تشكل بمجموعها استعارة كبرى واقعة في جوف الوقت الأسود ( الليل ) . كما يستعمل الشاعر المفارقة ؛ كيما يحقق الافتراق بين النص الشعري المشهدي والحياة ( أرى حبيبتي تمل ابتعادي بعد أن احترق العشب بالماء ) إذ يتلاعب الشاعر بخواص المادة ( الماء ) وعكس قابليتها إلى الضد ( الإحراق ) بلغة يلفها بوشاح الديمومة المفترضة ، التي تطيل المشهد الشعري هذا ؛ ذلك لأن الشاعر قد تمكن من الفكرة فجعل هذا المشهد يطول ؛ ليتشبع بالتفاصيل الــــــ ( الجوانية ) للشاعر ثم يأتي الحسم التعبيري لهذا المشهد بهذه الخاتمة ، ذات الثراء الروحي ( يُطرق بابي / من ؟ / قطة تموء ــــــــ تموت تبحث عن قطعة لحم ( مني ) الحديقة المهجورة تغفو ، والقطة تمشي ! ) حيث تبرز ثنائية عكسية بين بداية المشهد / القصيدة ، ونهايته ففي بداية القصيدة ، كانت الحديقة المهجورة تتمطى وثمة قطة ميتة بلا مواء ( الحديقة المهجورة تتمطى ظهيرة مريب حرها / ورائحة لجثة قطة ماتت بلا مواء ) ثم تأتي صورة مشهدية مركبة معكوسة في النهاية ، فـــــــ ( الحديقة المهجورة تغفو ، والقطة تمشي ! ) فيرتبط المشهد الأخير بالعنوان ( مشهد نهايته انتحار ) إذ يترك الشاعر أثراً جمالياً في النفس ، بهذه النهاية التي يتلاشى فيها ، ومابين البداية والنهاية ثمة بدايات ونهايات ، ترمم الوجع وتذروه في فضاء الحياة .
(1) جريدة العالم العدد 691 / الاثنين / تشرين الثاني 2012م .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. جائزة العين الذهبية بمهرجان -كان- تذهب لأول مرة لفيلم مصري ?


.. بالطبل والزغاريد??.. الاستوديو اتملى بهجة وفرحة لأبطال فيلم




.. الفنان #علي_جاسم ضيف حلقة الليلة من #المجهول مع الاعلامي #رو


.. غير محظوظ لو شاهدت واحدا من هذه الأفلام #الصباح_مع_مها




.. أخرهم نيللي وهشام.. موجة انفصال أشهر ثنائيات تلاحق الوسط الف