الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ذكروهم: التجمع الصهيونى فى فلسطين ومنظومة قيم - الطفرة - (mutation)

حاتم الجوهرى
(Hatem Elgoharey)

2012 / 12 / 22
القضية الفلسطينية


صفات تاريخية:
لليهود عبر التاريخ القديم والوسيط ( العصور الوسطى) والحديث ، صفات متصلة ومتواصلة لم ينقطع تواجدها بينهم ، ليس من بينها: التضحية والفداء والإقدام والشجاعة والمواجهة ، فى حين من بينها: الخوف والجبن والكمون والتحسر ورثاء الحال ومأثرة السلامة .
وحين نرى منظومة القيم التى قام عليها تاريخ استيطان اليهود المعاصر فى فلسطين وتوطنهم داخل نقاط استيطانية محصنة (مستوطنات) ، نجد أن منظومة القيم التى يتم الترويج لها دعائيا بينهم وداخل وسائل الإعلام الغربية ، تقوم على صورة المستوطن اليهودى الشجاع المقدام المغامر الذى يقتحم العوائق والصعاب ويواجه المخاطر ويقابل المجهول بقلب حديد و إرادة صلبة ، فى حين أن هذا غير حقيقى وغير متسق تاريخيا مع صفات اليهود المعروفة عنهم ، فقد يوصف اليهود بعدة صفات عقلية مثل : ( المكر ، الدهاء ، حسن التصرف ، سرعة البديهة ، القدرة على التلون والتكيف ، استغلال الفرص ، ركوب الموجة ومصادقة الغالب والتخلى عن المغلوب ) ، فى حين لم يوصف اليهود ولم يعرف عنهم عبر مجمل تاريخهم القديم والوسيط والحديث مجوعة من الصفات التى ترتبط بالقوة الجسدية والإقدام فى المعارك والتضحية بالنفس..
الكتب المقدسة:
فقديما لم يكن اليهود (بنو إسرائيل) قوم حرب وكر وفر ، بقدر ما كانوا رحل وبدو وتجار فى عهد الأنبياء عليهم السلام مثل : ( ابراهيم ، يعقوب ، ويوسف ) ، وفى مصر كانوا حتى الخروج مع "موسى" عليه السلام ، رعاة وخدم وربما قلة مزارعة ، وحين دخلوا أرض فلسطين (كنعان) ، لم يكن لديهم استعداد للحرب والنضال والفداء ، و لولا المساعدة الإلهية والمعجزات التى منحت لهم ، ما دخلوها مع النبى ( يوشع بن نون ) عليه السلام ، وحتى فى فترة ملك داود وسليمان عليها السلام ، نجد أن المعجزات والتدخل الإلهى فى سير الأحداث والتحكم فى مجراها هو الغالب والسمة الأبرز لفترة ملكهما هذه الفترة التى رغم قصرها الشديد – تاريخيا - يعتبرها المؤرخون أهم فترات الاستقلال السياسى لبنى إسرائيل كأمة مستقلة ، ونجد بعد ذلك أن اليهود تعرضوا لمجموعة من الهزائم العسكرية والحربية ، لم نسمع فى أى منها أنه كان لهم فيها دورا بطوليا يعتمد على الفداء والتضحية – عدا بعض المحاولات التضخيمية لوقائع بعينها مثل أحداث حصن الماسادا - ، فهزمهم وساقهم أسرى أهل العراق القدامى مرة ( السبى البابلى ) فيما يعرف بالشتات الأول ، وكانت آخر الجولات الحربية التى ذاقوا فيها ويلات الهزيمة المرة هو تدمير الهيكل والشتات الرومانى ( الشتات الثانى ) ، فى عهد الإمبراطور الرومانى هادريان بعد ميلاد المسيح بفترة قليلة.
العصور الوسطى:
ليطور اليهود بعد ذلك وحتى دخولهم فى العصور الوسطى ، مجموعة من الصفات نستطيع التعرف عليها من خلال نتاجهم المكتوب الأدبى والدينى ، تدور كلها حول فكرة الشخص العاجز الذى يتحسر على حاله ويرثى له ، حتى أصبحت فكرة الشعور بالاضطهاد والظلم والشكوى والنواح .. فكرة عبثية عند اليهود لا ترتبط بهدف معين أو غرض بعينه ، والدليل على ذلك أنه على مدار القرون الميلادية الأولى وقبل الدخول فى العصور الوسطى ، كان هناك إمكانية كبيرة وفى مناسبات متعددة لكى تعود جموع اليهود خارج فلسطين إليها ، ولم يكن هناك من سيقول لهم لا ويتصدى لهم بالرفض ، غير أن جل ما تطور عند اليهود من صفات فى تلك الفترة ، هو استمراء فكرة التحسر على الحال ، وتطورت عندهم صفة الكراهية لكل شعوب الأرض التى عاشوا بينها ( الأغيار ) ، وبرعوا فى الكيد والتلون على كل لون للاستمرار فى الحياة بينهم دون أن يحكمهم مبدأ قيمى بعينه ، وفى العصور الوسطى حينما عاشوا فى الأندلس بين المسلمين أزهى عصورهم ، وتعرضوا بعدها للاضطهاد المسيحى ، لماذا لم يعودا للعيش وسط العرب مرة أخرى فى فلسطين وبلاد الشام مثلا ، ولكن اليهود كانوا قد طوروا صفة النواح والشكوى والتحسر على الحال .. بشكل عبثى مطلق فى اللا محدود ، بلا هدف أو غاية .
العصر الحديث ومجتمع الطفرة:
وفى العصر الحديث لم نسمع عن اليهود عسكريا سوى عندما تم تكوين الفيلق اليهودى فى الحرب العالمية الأولى ليقاتل فى جانب الحلفاء ( بريطانيا ) ، ومعظم ما قيل عنه يندرج فى إطار الدعاية المخطط لها من قبل المروجين لمشروع عودة اليهود لفلسطين واستخدامهم سياسيا ( المشروع الصهيونى ) ضد العرب والمسلمين ، لضمان السيادة للغرب فى واحدة من حلقات الصراع المستمرة بين الشرق والغرب .
لذا فإن نقطة الحسم فى هذه المقالة ، أن التجمع اليهودى الحالى فى فلسطين .. يعيش على منظومة قيم مفتعلة ، منظومة قيم مختلقة ، بل وحتى إن تعاملنا معها موضوعيا بعض الشئ ، ونظرنا للإنجازات التى حققوها على أرض الواقع ، فإننا نستطيع أن نطلق عليها " قيم الطفرة " ، فهى تشبه الطفرة الجينية التى تحدث مرة واحدة فقط لا تكرر بعدها ، تمثل الشذوذ عن القاعدة والخروج عن المألوف ، لكن ما يحدث فى تجمع اليهود فى فلسطين الآن هو محاولة تثبيت هذه الطفرة وترسيخها بالقوة الجبرية باستخدام مختلف وسائل الدعاية الموجودة داخل المجتمع هناك ، وهذه هى النقطة الحرجة فى معادلة بقاء التجمع اليهودى قائما فى فلسطين ... !! التجمع اليهودى فى فلسطين قائم على منظومة قيم مفتعلة ، منظومة قيم شديدة الهشاشة وسريعة الكسر وقابلة للزوال ، منظومة قيم يحاولوا أن يقوموا بقراءة انتقائية للتاريخ على أساسها ، ليستخرجوا منه ما يدعم منظومة قيمهم ، التى يريدون غرسها فى النشأ ( أطفال المستوطنين اليهود المولودين داخل فلسطين ) ، وجعلهم يؤمنون بها ، لكن تحدث الصدمة داخل تجمع اليهود فى فلسطين ، عندما يقارن النشأ بين ما يتلقاه من معلومات نظرية ، وما يراه من واقع أمامه ، واقع قائم على الطائفية الشديدة بين أجناس اليهود وتقسيمهم وفقا للبلدان التى أتوا منها ، واقع قائم على القلق والتوتر والخوف ، واقع تزداد فيه معدلات الهجرة العكسية لليهود خارج فلسطين كلما وقعت حرب جديدة .. !! واقع تؤرقه فكرة الخوف على النفس و البحث عن الأمن والسلامة والاستقرار المفتقد .. !! واقع يهرب فيه العسكر ( الجنود اليهود ) من أداء الخدمة العسكرية ، والعديد ممن يوافق على أدائها ، يرفض أدائها فى مواقع قتالية متقدمة نشطة ( أو ما يسمى المناطق المحتلة بعد حرب 67 ) .
تحجيم منظومة "الطفرة" والتفوق:
لذا فإن هاجس التفوق العسكرى الذى يطارد قيادات اليهود فى فلسطين ، له ما يبرره من ناحية الأسس الفكرية ، فهم يريدون الدفاع عن منظومة القيم " الطفرة " أو المسخ التى قام عليها تجمعهم فى فلسطين , بأى وسيلة كانت وحتى ولو كانت الموت أو الانتحار ، فهم يعلمون ومكمن خوفهم الأعظم أن مشروع توطين اليهود فى فلسطين إذا تعرض لهزيمة عسكرية كبرى ، مجرد هزيمة واحدة ! قد تطيح بجذور هذا المجتمع للهواء ، وتقوض أساسه الهش ، وتكشف زيف منظومة القيم المفتعلة " الطفرة " التى يدافعون عنها ليلا ونهارا فى وسائل إعلامهم المحلية ، والتى يروجون لها أيضا خارجيا فى وسائل الإعلام الغربية .. فكل القيادات السياسية الحالية والتاريخية للتجمع اليهودى الاستيطانى على أرض فلسطين ، تعلم علم اليقين ، ويصيبها بالرعب أن مجرد هزيمة عسكرية واحدة ، كفيلة بأن تعيد للنور منظومة القيم الحقيقية والتاريخية لليهود ، المنظومة التى تقوم على الخوف والجبن والاستكانة والبحث عن السلامة الشخصية والفردية ، منظومة القيم التى ستفكك المشروع الصهيونى من أساسه ، وستجعل كل مستوطن يهودى يفر بجلده وينجو بنفسه ، ويقول أنا ومن ورائى الطوفان ، فسبب البحث والسعى المستمر من قبل قيادات اليهود فى فلسطين عن التفوق العسكرى المطلق ، هو خوفهم من هذه الهزيمة العسكرية ، خوفهم من أن تؤدى هذه الهزيمة ، للتخلص من ذاكرة " الطفرة " والافتعال ، والعودة لذاكرة الواقع ، ذاكرة المسكوت عنه داخل تجمع اليهود فى فلسطين ، بل وفى ظل هذا الخوف يمكن تفسير خيارهم النووى ( الخيار شمشون ) ، فهم يعلمون أن مجرد هزيمة كبرى واحدة لهم ، تعنى نهاية الحرب ، لن يكون هناك معارك أخرى بعدها ، حيث سيتفكك بناء مجتمعهم الهش من تلقاء نفسه ، لذا ففى مقابل التهديد بزوال السلطان السياسى لقيادات اليهود فى فلسطين وتفكك مجتمعهم ، يهددون العالم العربى بالتدمير فى مقابل ذلك ، فى إعادة انتاج للحكاية التاريخية عندما دمر شمشون اليهودى المعبد فوقه وفوق أعداءه ، لذا فإنه من الأفضل أن يكون هناك رادع عربى فى مقابل الرادع اليهودى ، حتى يكون سقف التفاوض عليه عادل ومقبول ، رادع عربى .. قد يعيد للمستوطنين اليهود فى أرض فلسطين ، فكرة الخوف على النفس والحذر من العقاب ، فيتراجعوا عن تشددهم العسكرى المزيف " الطفرة " الذين يصرون عليه فى مواجهة الفلسطينيين العزل والمحاصرين .. منذ أن شعروا بغياب القوة العربية الرادعة القادرة على تهديدهم وعقابهم فى مقابل عمليات القتل والتدمير المستمرة التى يقومون بها ، فطالما لم يطور العرب قدرة رادعة – أيا كان شكلها ووسيلتها - ، سوف يستمر المستوطنون اليهود فى فلسطين فى التصرف ، وفقا لمنظومة قيم " الطفرة " التى تقوم على القتل والإرهاب والحصار والتجويع ، مع تبرير ذلك تاريخيا ودينيا وإعلاميا ، بمساعدة القوى المسيطرة سياسيا على العالم ، والتى فى مصلحتها بقاء الوضع على ما هو عليه .














التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. المنتخب الإنكليزي يعود من بعيد ويتأهل لربع نهائي مسابقة أمم


.. أسير محرر يتفاجأ باستشهاد 24 فردا من أسرته في غزة بعد خروجه




.. نتنياهو في مواجهة الجميع.. تحركات للمعارضة الإسرائيلية تهدف


.. أقصى اليمين في فرنسا يتصدر الجولة الأولى للانتخابات التشريعي




.. الغزواني يتصدر انتخابات موريتانيا