الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حكومة بن كيران بين ما تنويه وما تفعله

محمد باليزيد

2012 / 12 / 22
مواضيع وابحاث سياسية


كرد فعل أولي، أعلن 24 أستاذ بكلية الطب والصيدلة بالبيضاء، المنضوين تحت لواء النقابة الوطنية لأساتذة التعليم العالي، استقالتهم من التدريس بكلية الطب والصيدلة، كمرحلة من مراحل ردود الفعل ضد قرار وزير الصحة القاضي بمنع الاشتغال بالقطاع الخاص، بما في ذلك مهنيي الصحة بالقطاع العام٬ وهو القرار المنتظر تطبيقه يوم فاتح دجنبر من السنة المقبلة على جميع المصحات٬ بما فيها مصحات الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي. رد الفعل هذا، هو من تراكمات الوضع بعد الدورية (رقم 99 بتاريخ 2 غشت 2012) لوزير الصحة(1). صحيح أنه، كما أكد الوزير في إشارة إلى إهمال أطباء القطاع العام لمهامهم نتيجة الممارسة غير القانونية في القطاع الخاص، [ على الرغم من توفر التجهيزات الطبية بالمستشفيات العمومية٬ لا يمكن تقديم خدمات صحية في المستوى في غياب الموارد البشرية الضرورية٬ مشيرا إلى أنه٬ نتيجة لهذه الوضعية٬ تم تصنيف المغرب من طرف المنظمة العالمية للصحة ضمن 57 دولة في العالم تعرف خصاصا كبيرا على مستوى الموارد البشرية.] كما أن السيد الوزير لا يجانب القانون حين يصف تلك الممارسة بغير القانونية: [ فالمقتضيات التشريعية والتنظيمية تبقى واضحة في هذا الشأن، بحيث يمنع الموظفون من ممارسة مهنية لنشاط مربح خاص أو تابع للقطاع الخاص، كيفما كان نوعها، إذ يتوجب عليهم تخصيص نشاطهم المهني كُلية للأعمال الموكولة إليهم، حيث تم التنصيص على منع الجمع بين الوظائف في الفصل 15 من الظهير رقم 1.58.008 المؤرخ في 24 فبراير 1958 بمثابة النظام الأساسي العام للوظيفة العمومية] كما أن: [ومن جهة أخرى، يؤكد القانون رقم 10.94 المتعلق بممارسة مهنة الطب، في المادة 55، على منع هؤلاء الأطباء من ممارسة مهنة الطب في القطاع الخاص]
الإطار القانوني الذي يتحرك فيه السيد الوزير واضح جدا ومنطقي. كما أن الأخلاقيات، ظاهريا على الأقل، مع موقف السيد الوزير وقد أثيرت نفس القضية في قطاع التعليم.. إذ أن الطبيعي، هو أن يكرس الموظف كامل وقته لوظيفته التي يتقاضى عنها أجرا وما بقي له من الوقت يكرسه، أولا لتكوينه المستمر قصد الرقي بأدائه ثم لراحته النفسية والبدنية، وأغراضه الشخصية والعائلية، كي يكون عطاؤه في وظيفته كاملا.
قرار وزارة الصحة إذن بمنع الممارسات غير القانونية لأطباء القطاع العام في القطاع الخاص هو قرار يهدف حماية المصلحة العامة والحد من "الجري وراء المال" ضدا على المصلحة العامة، تطبيب المرضى وتعليم الطلبة الأطباء.
رد الفعل من بعض الأطباء، المتمثل في الاستقالة من الوظيفة العمومية، تطبيبا وتدريسا، وتفضيل البقاء في القطاع الخاص على القطاع العام، إذا ابتعدنا عن منطق الأخلاقيات، هو قرار من حق أصحابه أن يتخذوه. فهم، ما داموا قد خيروا بين الإخلاص التام للقطاع العام أو التخلي عنه فضلوا الخيار الأخير والاحتفاظ بامتيازات القطاع الخاص الذي يدر المال بلا حدود. هكذا، بعد أن رأى الرأي العام في خطوة وزارة الصحة أنها مسألة معقولة، سوف يتساءل المواطنون، حين تتضخم حركة الاستقالة من القطاع العام وتصل نتيجة القرار الوزاري مرحلة التعطيل (الجزئي) للمرفق العمومي الصحي، سيتساءل المواطنون،والكثير منهم لا يعرف الأسباب: لماذا أوصلت الوزارة قطاع الصحة إلى هذه الدرجة من التحلل والشلل؟ وإذا أجاب السيد الوزير عن سؤال شفوي في البرلمان بخصوص الوضعية قائلا: "نحن لم نفعل سوى ما هو قانوني ولم نفعل سوى نصوصا قانونيا موجودة منذ عقود ولم نبتكرها". إذا أجاب هكذا سوف يبدو أبلد مخلوق إذ أن تطبيق القانون بالنسبة للمواطنين لا يجب أن يعني حرمانهم من حق التطبيب في المستشفيات العمومية. ثمة، هنا في هذه القضية، إذن مفارقة وتناقض(paradoxe).
لقد اختار المغرب [أو بالأحرى الحكومات المغربية] منذ عقود أن يسير في طريق لبرلة (2)(libéralisation ) ما لم يتلبرل بعد من الاقتصاد. وبالموازاة مع ذلك، وربما من أجل ذلك، تم إهمال (ما بقي من) القطاع العام كي تنقص مردوديته وجودته. فالتعليم العمومي مثلا، أصبح ينظر إليه على أنه لا يترك فيه أبناءه إلا من لا حول له ولا قوة ونفس الشيء بالنسبة لقطاع الصحة العمومي. والنتيجة المنطقية هي أن تصير المردودية في القطاع الخاص، هذه المرة بالنسبة للموظف وليس لزبون القطاع، تصير المردودية أعلى من مثيلتها في القطاع العام. هل سيحصر كل شخص نفسه في منطق الأخلاق فقط ويقول: لن أتخلى عن القطاع العام مهما ضعف أجره ولو كانت لدي الإمكانات وكان اختصاصي مطلوبا في القطاع الخاص؟؟ هذا ما ينتظر السيد وزير الصحة من الأطباء والأساتذة أن يفعلوه. ؟!!؟
إن الفوارق الشاسعة (إلى درجة الخيال) في الدخل هي السبب الحقيقي وراء كل هذا التخبط. وعلى الحكومة أن تفكر، قبل إصدار الدوريات أو تفعيل القوانين في هذه المسألة المعقدة. ولتوضيح هذا، وما دمنا هنا في قطاع الصحة، لا بأس أن نستقي أمثلتنا منه لتوضيح الخلل [الذي وصل مستوى الفضيحة]:
إن الأجر الشهري لطبيب في القطاع العام يمكن أن يربحه طبيب في القطاع الخاص في يوم واحد إن هو أجرى، فقط، ثلاث أو أربع عمليات جراحية!! الأطباء الكبار، الذين ما يزالون يُدرسون في الجامعة ويعطون ساعة واحدة يوميا للمستشفى العمومي، إنما يفعلون ذلك من أجل الصالح العام لا غير. فإذا بدورية الوزير وكأنها تقول، دون أن يقصد هو: "لا تفكروا بعد اليوم في الصالح العام."
تبعا لهذا، نعتقد أن حل التناقض/ الأزمة يأتي من أسبابها: على الحكومة المغربية، هذه والآتيات، أن تنظر في مسألة الفروق الكبيرة للدخل وأن تقنن، في حدود المعقول والمقبول بما لا ينزل غبنا [على الأقل كبيرا] على أي طرف مهما بدا بعيدا عن الدائرة المعنية(3)، أن تقنن أسعار كل الخدمات والسلع (4). فأن يكون المحتاج لكلية كي يعيش مستعدا لدفع أي ثمن فهذا لا يعطي الطبيب (5)(الذي تكون لخدمة هذا المجتمع ) لا يعطيه الحق كي يبتز هذا المريض أو بضعة مرضى ويكون ثروة لم يكن يحلم بها. فهل عمل الإطفائي الذي يغامر بحياته لإنقاذ الناس من النار أقل قيمة من عمل الطبيب الذي يزرع كلية لمريض؟ وهل عمل المدرس البسيط في الأقسام الأولى من التعليم أقل أهمية، بدرجة الفرق الشاسع بين الأجرين، من عمل الأستاذ الجامعي؟
1) أتأسف، وأعتذر للقارئ، عن عدم تمكني من العثور على نص المذكرة كاملا، حتى في موقع وزارة الصحة.
2) كلمة "تحرير الاقتصاد" أعتقد أنها غير كافية للتعبير عن الدفع بالرأسمالية نحو الرأسمالية المطلقة/المتوحشة.
3) فالاقتصاد الوطني كله جسم واحد ولا يوجد فيه قطاع غير ذي صلة بكل القطاعات.
4) حتى في ظل اقتصاد ليبرالي 100% نحتاج إلى مثل هذه النظرة.
5) أتكلم هنا فقط عن خدمة زرع الكلية وليس عن "اقتناء" الكلية. فمسألة البحث عن الأعضاء للزرع مرتبطة بمدى "زرع" ثقافة التطوع بالأعضاء، بعد الموت مثلا،في المجتمع المغربي.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. زعيم المعارضة الإسرائيلية يائير لابيد يطالب عضو مجلس الحرب ب


.. عالم الزلزال الهولندي يثير الجدل بتصريحات جديدة عن بناء #أهر




.. واشنطن والرياض وتل أبيب.. أي فرص للصفقة الثلاثية؟


.. أكسيوس: إدارة بايدن تحمل السنوار مسؤولية توقف مفاوضات التهدئ




.. غانتس يضع خطة من 6 نقاط في غزة.. مهلة 20 يوما أو الاستقالة