الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


صاموئيل هنثنغتون وحروب خط الصدع .

جلال خشيب

2012 / 12 / 22
السياسة والعلاقات الدولية


بصدور مقالة صاموئيل هنثنغتون الشهيرة عن صدام الحضارات سنة 1993، اعتقد كثير من دارسي السياسة الدولية أن منظورا جديدا قد خرج إلى الوجود ليفسر الوضع الدولي الجديد الناجم عن تفكك المنظومة السوفياتية ويعالج العقم الصارخ الذي أصاب المنظورات التقليدية للعلاقات الدولية،
تمثل هذا المنظور فيما عرف بـ المنظور الحضاري للعلاقات الدولية يتخذ الحضارات الكبرى كمستوى للتحليل.
إلا أنه وبتتبع هؤلاء الدارسين لكتابات هنثنغتون الحضارية على نحو دقيق اتضح لكثير منهم أن هنثنغتون لم يخرج في حقيقة الأمر عن الحدود الدولاتية التي رسمتها المدرسة الواقعية وهي اعتبار الدولة كفاعل مركزي في السياسة الدولية، هذا ما دفع بهؤلاء الدارسين إلى اعتبار الأعمال النظرية لهنثنغتون المتعلقة بصدام الحضارات محسوبة على المنظور الواقعي في العلاقات الدولية.
ينطلق هنثنغتون في تحليله لنزاعات العالم الجديد من فكرة مركزية في أطروحته وهي اعتبار الحضارة العامل الجديد الذي سيتحكم في صيرورة العلاقات الدولية، بالتالي فالانقسامات الكبرى في العالم ستكون انقسامات ثقافية تتصادم في إطارها مجموعة من الكتل الحضارية المتنافسة، ومن هنا فهو يعتبر الحضارات كأرقى أشكال التعبير عن الهوية، سيكون لها دور فعال في المستقبل القريب،
وذلك على أساس أن الصراع الحضاري هو الذي سيطبع السياسة الدولية مستقبلا وسيكون أحد العوامل الفاعلة في تحديد طبيعة النزاعات القادمة، وبالتالي فإن هنثنغتون يطرح في هذا المنظور العالم الثقافي كمبدأ محرك للجيوسياسية العالمية.

وانطلاقا مما سبق يرى هنثنغتون أن خطوط التقسيم بين الحضارات ستحل محل الحدود السياسية والأيديولوجية للحرب الباردة، باعتبارها نقاطا للأزمات والنزاعات الحادة، كما يرى أن الانتماء إلى حضارة ما يتعدى الفوارق الإثنية والحدود الوطنية، وأن الحضارات تمتلك قوى وطاقات الصراع المستقبلي، فحروب المستقبل سوف تفتح جبهات مختلفة على امتداد نقاط التماس بين الحضارات، وما يميز الصراعات الحضارية هو حدتها واستمراريتها عبر الزمن.
والصراع الحضاري –في رأيه- سيجري على مستويين: مستوى ضيق حيث تتصارع مجموعات متجاورة عند التخوم الفاصلة بين الحضارات والصراع هنا عادة ما يكون عنيفا وذلك بقصد سيطرة بعضها على أراضي بعض، و مستوى أوسع حيث تتنافس دول تنتمي إلى حضارات مختلفة على النفوذ العسكري والاقتصادي، وتتصارع للهيمنة على المؤسسات الدولية ولنشر قيمتها الثقافية والدينية الخاصة.
أما القضايا التي ستكون محلاً وسببًا للنزاع فيمكن حصر أهمها في:
- قيام شعب بالتمييز ضد شعب آخر ينتمي إلى حضارة أخرى وبإبعاد جماعة تنتمي إلى حضارة أخرى عن أراضيه، ويتضمن هذا الأمر جهودا تبذلها دولة تنتمي إلى إحدى الحضارات لحماية جماعة ينتسبون لها في حضارة أخرى.
- القيم والثقافة هي التي تنشب من أجلها الصراعات عندما تحاول دولة ما أن تدعم أو تفرض قيمها على شعب ينتمي إلى حضارة أخرى.
- أحيانا الأرض التي تصبح عليها دول الجوهر –الدول المركزية الجاذبة- مشاركات على خط المواجهة في حروب خط الصدع .
ونتيجة لهذه الأسباب والقضايا الخلافية، تنشأ ما يسميه هنثنغتون بـحروب خط الصدع، ويقصد بها تلك النزاعات التي تقع بين دول أو جماعات تنتمي إلى حضارات مختلفة، قد تتصاعد وتيرتها حتى تصبح عنيفة، ويمكن أن تحدث مثل هذه الحروب بين دول وبين جماعات لا تنتمي إلى أية حكومة، أما حروب خط الصدع التي تحدث داخل الدولة فربما تدور رحاها بين جماعات تسكن كثافاتها البشرية بنحو طاغي في مناطق جغرافية متمايزة، وفي مثل هذه الحالة يكون الأمر الطبيعي أن تقاتل الجماعة التي لا تسيطر على الحكومة من أجل الاستقلال،وربما تكون راغبة في حسم الحرب من أجل شيء أقل من الاستقلال، وربما تحدث نزاعات خط صدع داخل دولة ما كذلك، بين امتزجت بسب القرب الجغرافي، وفي هذه الحالة تثور العلاقات المتوترة دائما بالعنف بين الحين والآخر، وفي بعض الحالات تكون نزاعات خط الصدع صراعات من أجل السيطرة على الشعوب وفي أغلب الحالات تكون القضية فيها السيطرة على الأرض، ويكون هدف أحد الأطراف منها على الأول هو غزو الأرض وتحريرها من الشعب الآخر بطردهم أو قتلهم أو القيام بكلا الأمرين في آن معا عن طريق "التطهير العرقي"... أما المناطق التي يدور من أجلها النزاع والقتال فغالبا ما تكون عند أحد الطرفين أو كلاهما رمزا ذا قيمة عظيمة لتاريخهم وهويتهم وأرضا مقدسة لهم فيها حق لا تنتهك حرمته.
وبما أن الدّين هو الخاصية الرئيسية المميزة للحضارات، فإن حروب خط الصدع تحدث بنحو يكاد يكون دائما بين شعوب لها أديان مختلفة... فالدين قد يكون هو الاختلاف الأعمق على الإطلاق الذي يوجد بين الناس، فقوة حروب خط الصدع وعنفها يمكن أن تعززها تعزيزا عظيما الاعتقادات بآلهة مختلفة.
وخلافا للنزاع الطائفي الذي ينحصر فيه القتال على الجماعة "أ" والجماعة "ب" من دون تدخل للجماعات الأخرى ما لم تمس مصالحها، فإن ميزة حروب خط الصدع هو أن كل من الجماعات النسبية لها في حضارتها وستوحد هذه الأخيرة نفسها مع نسيبها الذي يخوض الحرب، وقد سهلت ثورة النقل والاتصالات من إقامة هذه الارتباطات، ومن ثم جعل نزاعات خط الصدع نزاعات دولية.
مما سبق يمكن أن نستخلص أن هنثنغتون وصل إلى نتيجة طابعها التشاؤم الحاد، تصور لنا حالة العالم الجديد الذي بين أيدينا، والمليء بالنزاعات الضيقة والمنافسات الكبرى التي تتغذى على عناصر الهوية، وهنثنغتون يلخص كل ما وصل إليه حينما يقول أن: "الفرض الذي أقدمه هو أن المصدر الإنساني للنزاعات في العالم الجديد لن يكون مصدرا أيديولوجيا أو اقتصاديا في المحل الأول، فالانقسامات الكبرى بين البشر ستكون ثقافية، والمصدر المسيطر للنزاع سيكون مصدرا ثقافيا، وستظل الدول/الأمم هي أقوى اللاعبين في الشؤون الدولية، لكن النزاعات الأساسية في السياسة العالمية ستحدث بين أمم ومجموعات لها حضارات مختلفة، وسيسيطر الصدام بين الحضارات على السياسات الدولية، ذلك أن الخطوط الفاصلة بين الحضارات ستكون هي خطوط المعارك في المستقبل.

ملاحظة : هذا النص مقتطف من مذكرة تخرجنا : جيواستراتيجية القوقاز والتنافس الأمريكي الروسي ، قسم العلوم السياسية و العلاقات الدولية ، جامعة منتوري قسنطينة/ الجزائر ، 2009 .

*جلال خشيب ، مهتم بالدراسات الدولية والإستراتيجية ، الجيوبوليتيكا و الفلسفة السياسية ، قسم العلوم السياسية والعلاقات الدولية ، جامعة منتوري قسنطينة/ الجزائر .

المراجع المعتمدة :

1 – محمد سعدي، مستقبل العلاقات الدولية من صراع الحضارات إلى أنسنة الحضارة وثقافة السلام، مركز دراسات الوحدة العربية، الطبعة الأولى، 2006، بيروت، لبنان .
2 -صاموئيل هنثنغتون، صراع الحضارات وإعادة بناء النظام الدولي، ترجمة عباس هلال كاظم، دار الأمل للنشر والتوزيع، الطبعة الأولى 2006. الأردن .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. موجة حر شديدة تجتاح جنوب شرق آسيا


.. الحوثيون يستهدفون سفنا جديدة في البحر الأحمر • فرانس 24




.. الشرطة القضائية تستمع إلى نائبة فرنسية بتهمة -تمجيد الإرهاب-


.. نتنياهو: بدأنا عملية إخلاء السكان من رفح تمهيدا لاجتياحها قر




.. استشهاد الصحفي سالم أبو طيور في قصف إسرائيلي على مخيم النصير